رئيسٌ قويّ لوطنٍ ضعيف أم رئيسٌ ضعيف لوطنٍ قويّ؟

عندما إستبدل جهابذة العلوم السياسيَّة في لبنان، (بالسليقة وليس بالتحصيل الجامعيّ)، كلمة “فراغ” بكلمة “شغور”، شدّوا من عصب قوّة الدولة على الإستمرار، وأوحوا بالإصرار على تجنيب لبنان تجربة العيش بلا رأس.
وعندما وصفوا إحدى المراحل السابقة من محاولة إعادة تركيب الرأس على الجسم اللبناني المتهالك، بالسانحة الفريدة ــــ اليتيمة التي تتيح إنتخاب رئيس من دون تدخّل خارجيّ، بالفرصة التاريخيّة غير المسبوقة، وربما غير الملحوقة، إنقضَّت “النعاج على الذئاب”، فاختلَّ توازن “قانون الغاب”، وكادت “النواطير” تفقد السيطرة على حراسة الكروم السائبة أصلًا والقائمة على “تعليم الناس الحرام”.
وعندما رجعت “حليمة إلى عادتها القديمة”، وأمسك الخارج بمفاتيح قصر بعبدا، عاد اللَّغو على مواصفات الرئيس، وكأنّ نظامنا “رئاسيّ”.
رحم الله الرئيس شارل حلو صاحب نظريَّة “الضرب بيد من قطن”، فالرئيس القويّ ــــ بحسب رأيه ــــ هو من يستطيع تأجيل الإنفجار إلى ولاية خليفته.
ورحم الله الرئيس كميل شمعون صاحب نظريَّة “لبنان لا يصنع الرئيس بل الرئيس يصنع لبنان”، فالرئيس القويّ ــــ بحسب رأيه ــــ هو من لا يقطع رأس اللاعب على الحبليْن، بل يقطع الحبليْن”.
المهم ــــ بحسب رأي البعض ــــ أن يكون هناك رئيس للجمهوريّة لتبقى الجمهورية.
والأهم ــــ بحسب رأي بعض آخر ــــ أن يكون هناك رئيس قويّ ليعيد الجمهوريّة إلى الحياة.
ولكن، ما من تعريف صريح ومقنع ،بعد، للجمهوريّة اللبنانيّة ولا للرئيس القويّ، إلا في المطلق وبالمعميّات.
ألهذا الدرك من تتفيه الوطن وتسخيف الإستحقاق بعد وفاته على يد “الأقوياء” هبط منسوب الصراع على السلطة؟ وأي سلطة؟
من يُقنعنا بأنّ إتفاق الطائف أبقى للرئيس سلطة؟ وبأنّ سلطة الأمر الواقع تترك ما بقي من ملامح الجمهوريّة ورئيسها ما يتيح لقصر بعبدا الحراك والتنفّس الطبيعي؟
ومن يقنعنا بأنّ الحرب في لبنان إنتهت “بالتبويس” وليس بوضع نهاية لبلد إدّعى السيادة والحريّة والإستقلال، فسَاده الفساد، وخنقته حريّة الإنتماءات، وإستقلّ عن العقل والمنطق والحداثة.
ومن يقنع مدّعِّي القوّة بأنّهم راهنوا على الكرسيّ فـ”خلخلوه” و”حبسوه”؟
ومن يقنع المعتدلين بأنّ الفاتر يتقيّأه التاريخ، وبأنّ الوسط كالوسيط بين متضاربَيْن وله “ثلثا القَتْلَة”؟
ما الحلُّ إذن؟
يرى مهندس معماري أنّ كلفة الترميم تفوق كلفة الهدم وإعادة البناء.
ويرى حلّاق أن “قصّ” الشعر يستغرق عشرين دقيقة لأنّ الوقت يُهدَر في عشرين ضربة خارج الشعر وضربة فيه.
ويرى طبيبٌ متقاعد أن تزايد عدد الوفيّات حصل بعد إنتقال الفحص من جسّ الجسم بالأصابع إلى الأشعة و”الناضور”.
فما علاقة المهندس والحلّاق والطبيب بإنتخاب رئيس للجمهوريّة؟
ولعل الأصحّ طرح السؤال: ما الأجدى لو إنتُخِب واحد منهم على ضعفه في السياسة بدل إنتخاب رئيس “قويّ” لجمهوريّة مرشّحة للإنقراض؟
فالمهندس يهدم ثم يبني.
والحلّاق يقص الشعر بدل زرعه.
والطبيب المتقاعد لا يعالج الفالج.

بقلم إيلي صليبي*
• كاتب وأديب وإعلامي لبناني، والمدير العام السابق للأخبار في المؤسسة اللبنانية للإرسال (أل بي سي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى