بلدان الخليج العربي تواجه أزمة مصيرية

حوّل النفط دول الخليج العربي في فترة وجيزة من الفقر إلى الغنى، الأمر الذي ولّد عادات جديدة في حياة أهلها أدّت إلى إستشراء الهدر وإرتفاع الإستهلاك الهيدروكربوني محلياً بسبب دعم الحكومات الخليجية لإستخدام الطاقة. وهذا ما أدّى إلى ولادة مشكلة كبرى مصيرية يتحدث عنها التقرير التالي:

العاهل السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز: حذّر من إهدار المال
العاهل السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز: حذّر من إهدار المال

أبو ظبي – عمّار الحلاق

على مدى نصف القرن الفائت، إستطاع النفط تحويل الممالك والإمارات الست المعدومة إلى إحدى المناطق الأغنى على وجه الأرض. فقد قدّمت حقول النفط العملاقة التي إكتُشِفَت بين ثلاثينات وسبعينات القرن الفائت، مثل حقل برقان الكويتي وحقل الغوار في السعودية، مصدراً مثالياً للطاقة للعالم الحر. كان نفطاً سهلاً مجمّعاً في خزانات لا حدود لها والتي تضخ نفطاً بواسطة عمليات حفر قليل غير مُكلفة. أفضل من ذلك، لم يكن هناك عملياً أي طلب محلّي على النفط. كان عدد سكان الخليج صغيراً وإقتصادات دوله غير متطورة.
على مرّ السنين، إستطاعت البلدان الستة، التي تؤلّف حالياً إتحاد دول مجلس التعاون الخليجي، توفير الدعم اللازم للأسواق بما يكفي من الطاقة لتغذية العالم خلال فترة من النمو الإقتصادي والسكاني غير المسبوق. في المقابل، حصدت الأسر الحاكمة العائدات الوفيرة لتحسين حياة شعوبها، التي كانت، حتى ذلك الحين، تعيش في حرمان بدائي تقريباً، مع الحصول على قليل من الكهرباء والمياه النظيفة والأدوية أو التعليم. لقد إستطاعت العائلات الحاكمة إرضاء رعاياها وتحويلهم إلى أثرياء. كان إنتاج النفط حلقة حميدة.
تلك القصة القديمة بدأت تتغيّر. لقد أنمت دول الخليج لدى مواطنيها مذاقاً متزايداً على أهم صادراتها، والذي، إذا تُرِك من دون علاج، يمكن أن يقوِّض كلاً من دوريها اللذين تمتعت بهما منذ فترة طويلة: كدول مورّدة وحكومات مستقرّة في شرق أوسط منقسم تعجّ فيه الفوضى. بالنسبة إلى بقية العالم، في الوقت عينه، فإن الخسارة المحتملة لأصول الخليج الرئيسية – إنتاج النفط الفائض– يُنذر بفترة تتميّز بتقلبات أكبر للسوق وعدم اليقين.

التنقيب عن تخفيضات

الواقع أن الأمر تطلَّب إرتفاعاً مذهلاً في الطلب على المواد الهيدروكربونية للوصول الى هذه النقطة الحرجة. إن إستهلاك الطاقة في هذه البلدان الخليجية المصدّرة الستة، الذي لم يكن يؤثّر فى الطلب العالمي منذ بضعة عقود، قد نما بنسبة ثمانية في المئة سنوياً منذ العام 1972، مقارنةً مع إثنين في المئة بالنسبة إلى العالم. ويشكّل مواطنو أربع من الدول الست مجتمعة (الكويت، قطر، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة) أقل من واحد في المئة من سكان العالم، ولكنها تمثّل أكثر من خمسة في المئة من الإستهلاك العالمي للنفط. إن المملكة العربية السعودية، التي تستهلك ما يقرب من ربع إنتاجها الخاص، تحتلّ الآن المرتبة السادسة على لائحة أكبر المستهلكين للنفط في العالم، حيث تعادل الكميات التي تستهلكها تقريباً إستهلاك روسيا وأكثر من إستهلاك البرازيل أو ألمانيا والبلدان ذات الإقتصادات والسكان الأكبر بكثير.
ما هو سبب هذا التحوّل؟ شيءٌ واحد، زيادة عدد السكان وإرتفاع الدخل بشكل كبير في دول الخليج في العقود الأخيرة، مع الآثار المتوقّعة على الطلب. ولكن هناك عاملاً آخر، يقع بالكامل تحت سيطرة الحكومة، مسؤول أيضاً وهو: السعر.
الطاقة رخيصة جداً في دول الخليج حيث في بعض الحالات تُعطى مجاناً. إن الأسعار فيها هي من بين الأدنى في العالم: ب45 سنتاً أميركياً فإن سعر غالون البنزين يساوي ربع سعر قنينة بسعة غالون معبّأة بالماء في السعودية. وفي الكويت، تبلغ كلفة الكهرباء 0.7 سنتاً أميركياً فقط لكل كيلووات ساعة منذ العام 1966. (الأميركيون يدفعون حوالي 15 ضعفاً أكثر). في دولة قطر المجاورة، يتلقّى المواطنون بشكل غير محدود الكهرباء والماء مجاناً. إن أسعار الطاقة المنخفضة للغاية هي نموذجية أيضاً في الدول النفطية الإستبدادية أو الشعبوية خارج شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك الجزائر وبروناي وإيران والعراق وليبيا وتركمانستان وفنزويلا.
أدّت الطاقة الرخيصة إلى تفاقم الطلب في ناحيتين مهمتين. أولاً، خلقت مسار الإعتماد على بنية تحتية تستخدم بكثافة الطاقة والتكنولوجيات: ناطحات سحاب، سيارات فارهة، ومنشآت صناعية تنتج الألومنيوم، والأسمدة، والبتروكيماويات. ثانياً، ولّد إنخفاض الأسعار أيضاً سلوك الهدر والإسراف، حيث جعل من السهل على العائلات ترك مكيّفات الهواء لديها تعمل في المنزل خلال عطلة خارجية طويلة.
ونتيجة لذلك، فإن منطقة الخليج تقود العالم من حيث إنبعاثات الكربون بالنسبة إلى الفرد الواحد، قبل أو جنباً إلى جنب مع دول باعثة كبيرة أخرى مثل أوستراليا، وكندا، والولايات المتحدة. الحقيقة أن مستوى الهدر هو كبير، حتى على نطاق عالمي. وقد أفاد صندوق النقد الدولي بأن إلغاء دعم الطاقة، وأكبره يتركّز في الدول المنتجة للنفط، من شأنه أن يقلّل من إنبعاثات الكربون على مستوى العالم بنسبة 13 في المئة.
يمكن الدفاع عن سياسات الطاقة القصيرة النظر في سبعينات القرن الفائت، عندما كان مواطنو هذه الدول فقراء وقليلي العدد. لكنها أدّت الآن إلى وضع الخليج على مسار خطير.

عندما يكون كل البترول محلّياً

الواقع أن مشاكل المنطقة تتجاوز إهدار الطاقة. إن السعوديين وجيرانهم يحوّلون كميات هائلة من صادراتهم النفطية إلى الأسواق المحلية. هذا الإتجاه يُمكن أن يُثبت بأنه مدمّر. وصادرات النفط، في المتوسط، تشكّل 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج العربية و80 في المئة من موازناتها الوطنية. ولكن إذا إستمرت إتجاهات الإستهلاك هذه لفترة طويلة، فإن هذه البلدان لن تكون قادرة على الحفاظ على إمداداتها المهمة وصادراتها كلها إلى الأسواق العالمية. إن غالبيتها تعاني بالفعل من نقص في الغاز الطبيعي المُستخدَم في توليد الطاقة، وبعضٌ منها، بما في ذلك الكويت والمملكة العربية السعودية، يولّد أكثر من نصف إحتياجاته من الكهرباء من النفط الخام وغيره من أنواع الوقود السائل القيّمة.
من جهته، حذّر خالد الفالح، الرئيس التنفيذي لشركة “أرامكو” السعودية، من أنه من دون أي تغييرات كبيرة، فإن إستهلاك المملكة قد يرتفع من ثلاثة ملايين برميل يومياً إلى ثمانية ملايين بحلول العام 2030. كما رسمت شركة جدوى للإستثمار في الرياض صورة أكثر سوءاً من خلال توقعاتها للوضع، مبيِّنةً أنه في المعدلات الحالية لنمو الإستهلاك، فإن طاقة إنتاج النفط الفائض في السعودية ستتضاءل حتى تختفي في وقت ما قبل العام 2020. وبمنع الإستثمارات الجديدة الكبرى، فإن السعوديين سوف يكونون مُجبَرين على البدء في تحويل النفط المخصّص للتصدير إلى السوق المحلية. ومتابعةً الإتجاه إلى أبعد من ذلك، فقد قدّرت شركة جدوى بأن المملكة العربية السعودية سوف تستهلك جميع قدراتها الإنتاجية — 12.5 مليون برميل يومياً – محلياً بحلول العام 2043. كما توقع مركز الأبحاث في لندن “تشاتام هاوس” أن المملكة سوف تصبح مستورداً صافياً للنفط حتى في وقت أبكر، بحلول 2038.
مع ذلك، هناك طريق واضح وهو أن دول مجلس التعاون يمكنها عكس المسار: من خلال رفع الأسعار المحلية. في منحى آخر، إن دول الخليج والدول المصدرة الكبيرة الأخرى للنفط محظوظة. فهي لا تحتاج إلى فرض ضرائب على الطاقة؛ إنها بحاجة فقط إلى بيعه بسعر معقول. إذا رفعت دول الخليج الأسعار إلى المستويات العالمية، فإن حسابات مبنيّة على تقديرات متواضعة من مرونة السعر تُبيِّن أن الطلب سيستجيب بقوة. على المدى الطويل، فإن الكويت قد تخفّض الطلب على الكهرباء بنسبة تصل إلى 60 في المئة، وأبوظبي بنسبة تصل إلى 40 في المئة. إن وضع حد لدعم البنزين في السعودية يمكن أن يقلّل من الطلب المحلي بمقدار الثلث.
كما هو الحال في الولايات المتحدة، فإن المستهلكين في الخليج أيضاً سوف يتّخذون خطوات للحد من تعرّضهم لإرتفاع الأسعار، من طريق عزل منازلهم والتجارة في الأجهزة والسيارات المتعدّدة الإستخدامات. ويمكن للحكومات أن تجني المزيد من الإيرادات، والتي يمكن أن تساعد في تمويل التحوّل إلى إقتصاد أكثر كفاءة في إستخدام الطاقة. والفضاء الملوّث سوف يفسح المجال للهواء النظيف. ولمّا كانت الإحتياطات الفعلية في معظم هذه البلدان لا تزال ضخمة، فيمكنها أن تصدّر المزيد من كميات النفط والغاز التي تستهلكها الآن.
مع ذلك، فإن الإصلاحات لن تكون سهلة التنفيذ. من الصعب جداً التراجع عن الدعم والإعانات، حتى تلك التي لا يمكن تحمّلها. والحكومات المركزية، مثل تلك الموجودة في الخليج، هي عرضة بشكل خاص لرد فعل غاضب من الجمهور. علاوة على ذلك، فإن “الربيع العربي” أفاد العائلات المالكة بأن إستعداء المواطنين يمكن أن يهدّد وجودها. وكما كتب إستاذ العلوم السياسية “تيد غور” في العام 1970 — وكما أثبت التاريخ منذ ذلك الحين– إن إنخفاضاً في المزايا والرعاية الإجتماعية اللتين تقدّمهما الدولة هما من بين المسبّبات الأكثر شيوعاً للعنف السياسي. والأمثلة كثيرة. في دولتين أعضاء في منظمة “أوبك”، فنزويلا وأندونيسيا، فقد أثارت الزيادات في الأسعار التي فرضتها الحكومتان ردود فعل عامة عنيفة أطاحت بحكومات في 1993 و1998، على التوالي. وفي الآونة الأخيرة، أفاد مثيرو الشغب في “الربيع العربي” بأن التخفيضات في الإعانات كانت شكوى كبيرة في البلدان التي تمتد من تونس ومصر إلى عمان.
مواطنو دول الخليج — مثل كل أولئك الموجودين في دول النفط في جميع أنحاء العالم — يعتبرون أنفسهم أحقّ بالطاقة الرخيصة، جنباً إلى جنب مع الحوافز الأخرى التي توفّرها الأنظمة في مقابل الدعم السياسي. بالنسبة إلى الكثيرين منهم، إن رفع أسعار الكهرباء أو البنزين أمر غير شرعي من الناحية السياسية.
وبما أن قدرة دول الخليج للحفاظ على الصادرات تواجه تحدياً، فإن هذا الشعور بالإستحقاق سوف يكون تحت الإختبار. سوف يحتاج حكّام دول مجلس التعاون إلى البحث عن طرق خلّاقة لتغيير العقد الإجتماعي السائد، وإصلاح الدعم بطريقة تؤدّي إلى الحفاظ على الصادرات من دون تقويض الدعم الشعبي للأنظمة. إن الغرق الأخير لأسعار النفط جعل هذه الإصلاحات في وقت واحد أكثر إلحاحاً وأسهل على التسويق. لكن المخاطر كبيرة: إذا فشل الملوك والأمراء، فإنهم قد لا يحصلون على فرصة ثانية.

نهاية الطاقة الإنتاجية الفائضة

إن إرتفاع إستهلاك النفط في دول الخليج يشكّل تهديداً إستراتيجياً بقدر ما يقدّم تهديداً إقتصادياً. في الماضي، كانت منظمة “أوبك” قادرة على إغراق السوق النفطية، ومعظمه من إحتياطات المملكة العربية السعودية، لحماية الإقتصاد العالمي من تقلّبات مضرّة ومؤذية. هذه القدرة عملت كرصيد إستراتيجي بالغ الأهمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. عندما تتدخل واشنطن في الشرق الأوسط، كان يمكنها أن تعوِّل عادة على أصدقائها السعوديين لزيادة الإنتاج وإستبدال الصادرات المفقودة من، مثلاً، إيران، للمساعدة على تجنب تصاعد مشلّ في الأسعار. في وقت واحد أو في آخر، فقد حلّت الطاقة الإنتاجية الفائضة للسعودية محلّ الصادرات من إيران والعراق والكويت وليبيا. مثل تلك الإحتياطات تسمح لأميركا الحصول على الكعكة وأكلها أيضاً — لتحقيق أهداف سياستها الخارجية من دون تعطيل الإقتصادات، وإستعداء سائقي السيارات، أو تعقيد القرارات الإستثمارية.
في الوقت الراهن، لقد أدّى عبء العرض إلى تدني أسعار النفط، وهكذا، فإن قلّة تفكر في الطاقة الإنتاجية الفائضة السعودية. ومع ذلك، عندما يعود الطلب، قد يكون السعوديون أقل قدرة على الإرتفاع إلى دورهم القديم. إن إنقطاع التصدير في المستقبل قد يؤدي إلى إرتفاع في الأسعار بشكل أكثر ضراوة، كما توقّع كلٌّ من روبرت ماكنالي، المستشار الإقتصادي السابق للرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، ومايكل ليفي، الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية، في العام 2011. سوف يعاني الجميع، من محافظي البنوك المركزية إلى المستهلكين في الولايات المتحدة، وسيكون الضرر الذي يتلو ويتبع ذلك على الإقتصادات الوطنية والدخل الفردي من دون ترياق أو حلّ على المدى القصير.
بالنسبة إلى حكّام الخليج، فإن السيناريو سوف يكون أسوأ من ذلك. إذا فقدوا القدرة الفائضة، فإنهم سوف يبدأون بفقدان أهميتهم الإستراتيجية بالنسبة إلى واشنطن والكثير من دول العالم المستوردة للنفط. وقد “نعق” النقاد لبعض الوقت بأن إنتاج النفط الصخري في أميركا يمكن أن يقضي على إعتماد البلاد على النفط العربي الخليجي. وفي الوقت عينه، تخشى النُخب في الشرق الأوسط من أن يؤدي النفط الصخري إلى التقليل من إلتزام الولايات المتحدة بأمن المنطقة.
لكن مثل هذه السيناريوهات هي خارج الهدف. إذ أن النفط يشكّل سلعة تبادلية على الصعيد العالمي، ومصدر التوريد يهمّ أقل من مستوى العرض. حتى لو كانت الولايات المتحدة مكتفية ذاتياً تماماً، فإن صدمة الإمدادات الخارجية لا تزال تؤثر في الأسعار الأميركية. إن النفط الصخري لا يفصل بلاد العم سام عن الشرق الأوسط؛ ببساطة الأمر يجعل إعتمادها على النفط في المنطقة أقل مباشرة. مع ذلك، إن حساب التفاضل والتكامل الحالي بالنسبة إلى واشنطن سوف يتغيّر إذا وجدت دول الخليج نفسها غير قادرة على الحفاظ على دورها التنظيمي لسوق دول الخليج. في هذه الحالة، فإن الولايات المتحدة قد لا تكون مهتمة في إنفاق، حسب أحد التقديرات، 50 مليار دولار سنوياً لحماية الأنظمة الملكية في الخليج العربي.

إستراتيجية الإصلاح

مثل كل الدول المصدّرة للنفط، فإن أهم مورد في دول الخليج سوف يصل في الأخير إلى نهايته، سواء من طريق النضوب، وإحلال بديل محلي من الصادرات، أو إنخفاض الطلب العالمي على المنتجات التي تساهم في تسخين المناخ. بعض البلدان، مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر، بدأ بالفعل بتحويل الأرباح إلى صناديق الثروة السيادية وتنويع إقتصاداته، وكلاهما خطوات في الإتجاه الصحيح. لكنها لا تزال غير كافية لتحلّ محل المساهمات الإقتصادية العملاقة للنفط. المسؤولون الخليجيون بحاجة الى مزيد من الوقت.
إن أبسط طريقة لهذه الدول النفطية للبقاء والصمود في مجال أعمالها الهيدروكربونية التجارية هي إنهاء دعم الطاقة السخي للغاية. وعندما ترتفع الأسعار، سوف تتبع الكفاءة، الأمر الذي سيقود إلى تغيير السلوك وتحسين التكنولوجيا.
الخبر السار هو أن نموذجاً فعّالاً للإصلاح موجود بالفعل. عبر الخليج، أثبت عدو قديم، إيران، أن “أوتوقراطية” دينية إستبدادية مصدّرة للنفط يمكنها إطلاق تغيير هائل في أسعار الطاقة من دون إثارة إضطرابات. وعلى الرغم من أن الملوك والأمراء العرب قد يرفضون فكرة محاكاة ومجاراة طهران، فهناك أسباب للإعتقاد بأن السيناريو الإيراني لإستبدال دعم الطاقة بنقد قد يعمل على نحو أفضل على الجانب العربي. في الجمهورية الإسلامية، علّقت الحكومة في نهاية المطاف إصلاحاتها بسبب التضخم، وإنخفاض قيمة العملة، والحظر. ولكن دول النفط العربية لديها بيئة إقتصاد كلي أكثر ملاءمة للإصلاح، لأنها تربط عملاتها بالدولار الأميركي ولا تواجه خطراً من الحظر.
من ناحية أخرى، إن الضغط الخارجي يساعد أيضاً، بتوفير الغطاء السياسي للحكومات، وبخاصة الأنظمة المركزية، على سَنّ تدابير لا تحظى بشعبية. إن إنضمام المملكة العربية السعودية إلى منظمة التجارة العالمية في العام 2005 أعطى المبرّر للرياض لتطبيق إصلاحات إقتصادية صعبة. وعندما حذّرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، من إهدار الموارد في الكويت، فإنها وفّرت للحكومة الأساس المنطقي لتقليص دعم الديزل والبنزين.
في الولايات المتحدة، وفّرت معايير “الكربون”، التي إقترحتها وكالة حماية البيئة لمحطات الطاقة، للرئيس باراك أوباما مصداقية جديدة بشأن تغيّر المناخ. لذا يجب عليه الإستفادة من هذا الزخم بالطلب من الدول المصدّرة للنفط لوقف دعمها للطاقة. في قيامه بذلك، فإنه قد يوفّر أيضاً الغطاء السياسي للدول الحليفة في الشرق الأوسط التي هي على إستعداد للبدء بمهمة تريد البدء فيها بشكل ماس وضروري. إن عائدات النفط التي تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات تشكّل أيضاً حافزاً مالياً مفيداً لتنفيذ المهمة.
مهما كان الحافز، فإن إصلاح نظام الدعم من المرجح أن يحدث لسبب بسيط: لأن البدائل هي أسوأ بكثير. وكما أدرك العاهل السعودي الراحل الملك فيصل، إن حكايات التحوّل السريع من الفقر إلى الغنى لا تنتهي دائماً بنهاية سعيدة، عندما كتب: “في جيل واحد إنتقلنا من ركوب الجمال إلى ركوب سيارات الكاديلاك”. مضيفاً: “إن الطريقة التي نهدر فيها المال، أخشى أن تؤدي إلى إعادة الجيل المقبل إلى ركوب الجمال مرة أخرى”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى