ماذا يعني إنخفاض النفط للعالم؟

واشنطن – هاني مكارم

على الرغم من أن كل عناوين الصحف ركّزت في الآونة الأخيرة على البنوك المركزية، فإن أهم تطور في الإقتصاد العالمي هذه الأيام يكمن في الإنخفاض الحاد –وعلى ما يبدو المستمر– في أسعار النفط. لقد إنخفض نحو 40٪ منذ حزيران (يونيو) الفائت.
الواقع إنه أفضل شيء يحدث للإقتصاد العالمي منذ أن إكتشفنا أننا لن نقع في كساد عظيم ثانٍ. ويحدث ذلك في الوقت الذي يحتاج العالم بشدّة، وخصوصاً خارج أميركا، إلى منشّط قليل للنمو. بطبيعة الحال، هذا الأمر سيؤذي البلدان المنتجة للنفط –بما فيها المكسيك وإيران وروسيا وفنزويلا– لكن غالبية الإقتصادات المتقدّمة والأسواق الناشئة هي بلدان مستوردة للنفط وسوف تستفيد من ذلك. إن إنخفاض الأسعار هو مثل خفض كبير للضرائب: فهو يُعطي المستهلكين المزيد من المال للإنفاق على أمور أخرى، ويقلّل من تكلفة الإنتاج للأعمال التجارية.
عندما تنخفض أسعار النفط بسبب ضعف الطلب، فهذا علامة عن متاعب. وعندما تهبط لأن هناك زيادة في العرض، فهذا هو سبب للتفاؤل. وقدّر إقتصاديو بنك “جي بي مورغان تشيس” أن تراجع هذا العام في أسعار النفط سببه 55% من الإمدادات (نتيجة لزيادة إنتاج النفط في أميركا وشمال أفريقيا، وقرار السعودية بعدم تقليص إنتاج “أوبك” لدعم الأسعار)، و45% بسبب الطلب (التباطؤ في الصين والأسواق الناشئة الأخرى). بعبارة أخرى، إن الوضع هو جيدٌ أكثر منه سيئ — والآثار الجيّدة لم يتم الشعور بها بعد تماماً.
ويقدّر بنك “جي بي مورغان تشيس” أن إنخفاض أسعار النفط من شأنه أن يعزّز وتيرة النمو العالمي الإجمالي بنسبة 0.7 نقطة مئوية خلال الربعين المقبلين. وبالنسبة إلى الأسواق الناشئة، فإن الأثر هو أكبر لأنها ستحصل على دفعة إلى الإنتعاش من إنخفاض أسعار النفط ومن قوة الطلب من الإقتصادات المتقدّمة. وقد قالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، بأن الخبراء في مؤسستها توقّعوا بأن يؤدي الإنخفاض في أسعار النفط إلى إضافة 0.8 نقطة مئوية إلى النمو في البلدان المتقدمة في العام الجديد. وفي منطقة اليورو، فإن الإنخفاض المتزامن لأسعار اليورو والنفط يساعد على تعويض العوامل الأخرى التي تؤدي إلى إكتئاب النمو. وفي الولايات المتحدة، يقول يان هاتزيوس من بنك “غولدمان ساكس”: “إن إنخفاض أسعار النفط سيعوّض الآثار السلبية لإرتفاع الدولار الأميركي (وهو ما يضرّ المصدّرين الأميركيين). وسيتقلّص منتجو النفط المحليون، إلّا أن البقية منا ستكون من المستفيدين”.
من ناحية أخرى، “إن إنخفاض أسعار النفط 40 دولاراً منذ النصف الأول من العام 2014، الذي أدّى إلى تراجع سعر غالون البنزين حوالي الدولار، يمكن أن يضيف 0،2-0،4 نقطة مئوية إلى معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة”، أفاد جايسون بوردوف من جامعة كولومبيا وجيمس ستوك من حامعة هارفارد. وأكّدا على أن “هذا التأثير المفيد للإقتصاد الكلي الشامل هو أصغر مما كان عليه قبل عقد من الزمن بسبب تراجع الواردات الصافية ولأن إنخفاض أسعار النفط قد تؤخّر نمو إنتاج النفط غير التقليدي”.
في المقابل، كان إنخفاض أسعار النفط موضع ترحيب من جانب البنوك المركزية الكبرى في العالم، ولكن هناك شائبة. إن إنخفاض أسعار النفط جيدة للنمو في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان. ولكنه سوف يقلّل أيضاً من معدل التضخم في وقت كانت البنوك المركزية، وخصوصاً بنك اليابان والبنك المركزي الأوروبي، تكافح لرفع معدّلات التضخم الأساسية في إقتصاداتها والحفاظ على توقعات الناس والمستثمرين بعدم هبوط التضخم. وهذا يتضمّن الكثير من علم النفس وكذلك الإقتصاد. في حين أن محافظي البنوك المركزية في كثير من الأحيان ينظرون أبعد من أسعار المواد الغذائية والطاقة لقياس معدل التضخم الأساسي، فهم يعرفون أن المستهلكين العاديين لا يفعلون ذلك. “من المهم أن [الإنخفاض في أسعار النفط] … لا يترسّخ في توقّعات التضخم”، قال رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي أخيرا.ً
وعلى الرغم من أن إنخفاض أسعار النفط هو شيء جيد لرجال الأعمال والمستهلكين، فإن “ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً نوعاً ما هذه المرة هي أن لدينا بالفعل بيئة تضخم منخفض جداً وهبوط أسعار النفط حيث سوف تعزّز المخاوف من الإنكماش،”، على حد قول محافظ البنك المركزي البلجيكي لوك كون للصحافيين أخيراً. مضيفاً: “هذا يمكنه تحييد الآثار الإيجابية جزئياً”.
صحيح، ولكن لنسأل أي رئيس لبنك مركزي إذا كان يفضّل إرتفاع الأسعار بدلاً من ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى