المرأة العُمانية بين الماضي والحاضر والمستقبل

بقلم الدكتورة أمل الشنفري*

عرفت المرأة في سلطنة عُمان تقدّماً في جميع مجالات الحياة منذ مطلع سبعينات القرن الفائت بعد تولّي السلطان قابوس بن سعيد حكم البلاد، حيث ساهمت بشكل فعّال في عملية التنمية فحققت الكثير من المكاسب والإنجازات. لقد حرص السلطان قابوس على أن تحتل المرأة موقعاً مهمّاً لتصبح المساواة بينها وبين الرجل إحدى الركائز الأساسية في التنمية البشرية العُمانية، بل ومثّلت شرطاُ مهماّ من شروط نجاحها وإستدامتها إنطلاقاً من مبدأ أنه لا يمكن السير نحو التقدّم والتحضّر ونصف المجتمع معطّل، إذ أن المرأة تمثّل نصف المجتمع (49.3 %) في السلطنة وفقاً لآخر الإحصاءات. وتقديرأ لما تقوم به المرأة في سير عجلة نمو مجتمعها، فقد تم تخصيص السابع عشر من تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام كيوم للمرأة العُمانية وذلك للإحتفال بما حققته من تقدّم وتطور وتشجيعها على المزيد من المشاركة.
وبسبب هذه القناعة الراسخة بأهمية دور المرأة فقد فُتحت لها كل الأبواب التي يُمكنها من خلالها أن تشارك في العملية التنموية في بلادها. ولكي تستطيع المشاركة في هذه العملية بشكل فعّال وُجِب تسليحها باالعلم أولاً، لذلك توالى إنشاء المدارس للإناث موازياً لمدارس الذكور من دون تمييز لتنخفض نسبة الأمية بينهنّ بنسبة كبيرة لتصبح اليوم 12.9% بعدما كانت حوالي 85% قبل العام 1970. وإستطاعت المرأة العُمانية أن تضع بصمتها الواضحة في شتى الميادين، فبالإضافة إلى دورها الإجتماعي كأم وربة منزل تسهر على إعداد الأجيال، فقد مارست دورها الكامل في خدمة وطنها حيث أثرَت المجالات الإجتماعية والسياسية والثقافية وكافة القطاعات في السلطنة من دون إستثناء، وبلغت نسبه مشاركتها اليوم في القطاع الحكومي 44.3%، فيما بلغت في القطاع الخاص 20.9% ، بعدما كانت هذه المشاركة شبه معدومة قبل العام 1970. ورغم الفترة القصيرة لإنفتاح المرأة العُمانية على الحياة العامة، فقد حجزت لنفسها مكاناً في المناصب العليا في الجهاز الإداري للدولة حيث تبلغ هذه المشاركة اليوم حوالي 22%. كما برز دور المرأة كسيدة أعمال فشاركت في مجلس رجال الأعمال، إضافة إلى عضويتها في غرفة تجارة وصناعة عُمان. وإزدادت مشاركة المرأة أيضاً في الأعمال الحرة إضافة إلى دورها التقليدي في مجال الإنتاج الحرفي والتجاري من داخل المنزل.
أما على الصعيد السياسي فقد مُنحت المرأة حق الإنتخاب والتصويت متساوية بالرجل منذ بداية النهضة العُمانية، وذلك إيماناً بأهمية مشاركتها في إتخاذ القرار السياسي في الدولة، كما أكّد على ذلك السلطان قابوس في خطابه الذي وجهه إلى شعبه في السنوات الأولى من حكمه (1972)، قائلاً: ” لقد أردنا منذ البداية أن تكون لعُمان تجربتها الخاصة في ميدان العمل الديموقراطي ومشاركة المواطنين في صنع القرارات الوطنية … ومنح حق الإنتخاب لجميع المواطنين رجالاً ونساءً ممن تتوفر فيهم الشروط القانونية”. وقد فتح هذا التوجه الوطني نحو إدماج المواطنين رجالاً ونساء على قدم المساوأة في العملية السياسية المجال أمام المرأة لتشارك في المجال السياسي وتتقلّد مناصب مختلفة على مرّ أعوام النهضة العُمانية منذ بدايتها إلى اليوم. فقد أُسندت إليها حقائب وزارية عدة مختلفة كالسياحة والتنمية الإجتماعية، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، إضافة إلى التمثيل السياسي لبلدها كسفيرة في دول مختلفة: كاالولايات المتحدة الأميركية، وألمانيا، وهولندا، وإسبانيا، والنمسا. كما تولّت منصب وكيل وزارة في وزارات متعدّدة. أما على صعيد المشاركة في المجال الأمني فالمرأة العمانية كانت من أول النساء الخليجيات التي فُتِح الباب أمامها للإنخراط في الشرطة والمجال العسكري في العام 1972، لتصبح جزءاً من هذه المنظومة المهمة في الدولة.
الواقع أن الأمر لم يكن سهلاً لوصول المرأة العُمانية إلى ما هي عليه حالياً سواء على صعيد التعليم أو في مجال المشاركة العامة، فقد واجهتها تحديات عدة رغم دعم الإرادة السياسية لها. فالمجتمع العُماني دخل عصر المدنية في وقت قصير نسبياً من عمر الحضارات، وكانت تحكمه عادات وتقاليد كثيرة تحدّ من خروج المرأة من منزلها والإختلاط بالرجال، وهو أمر لم يكن مقبولاً في حينه لدى معظم شرائح المجتمع. فالمجتمعات التقليدية دائماً ما تربط دور المرأة بدورها في المنزل وتربية الأبناء، حيث أنه بعد مرحلة خروجها من البيت للتعليم والعمل وجدت مقاومة أخرى من المجتمع الذي حصرها في أعمال ترتبط بدور الأمومة الرعائي مثل التدريس مع عدم تقبّلها في التخصّصات العلمية أو تولّي المناصب القيادية وصنع القرار. ولكن بسبب طموحها وإصرارها على إقتحام كل المجالات من دون أن تسمح للعقبات الإجتماعية بإيقاف مسيرتها، وذلك بدعم مستمر من دولتها التي تفهّمت أيضاً هذه العقبات الإجتماعية وتعاملت معها بحذر وتدرّج، فقد حقّقت المرأة العُمانية إنجازات لم تصل إليها الكثير من بنات جنسها في الدول المجاورة. ومما لا شك فيه بأنه ما زال لدى المرأة العُمانية طموحات وآمال كثيرة لتحقيقها، فالطريق مازال طويلاً للإنجاز والعطاء.

• باحثة عُمانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى