إلى أي حد أثّر تراجع أسعار النفط في الإقتصاد الخليجي ؟

بقلم البروفسور جاسم عجاقة*

إنخفضت أسعار النفط العالمية ما يُقارب الـ23 دولاراً للبرميل الواحد في فترة خمسة أشهر، وهذا الأمر أدّى إلى خفض مداخيل الدول النفطية العربية. فهل هناك من تداعيات على النمو والإستثمارات في هذه الدول؟
تضم الدول النفطية في الخليج العربي سبع دول هي: العراق، الكويت، البحرين، قطر، عُمان، الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وهذه الدول تعتمد بشكل رئيسي على عائدات النفط بإستثناء البحرين التي نضب فيها البترول والإمارات العربية المتحدة التي نوّعت إقتصادها وأصبح الإعتماد على النفط فيها أقلّ من 30%. ففي إمارة دبي تبلغ مساهمة النفط 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي بلدان مثل السعودية فإن 75% من مداخيل الدولة تأتي من النفط و90% من صادراتها هي هيدروكربونية. أما في الكويت، فيُشكّل النفط 95% من صادرات الدولة و50% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي العراق، لايزال إنتاج النفط والغاز في مرحلة متأخرة نسبياً نظراً إلى حرب الخليج والعقوبات والديون التي فُرِضت على العراق. لكن النفط في هذا البلد الأخير الذي يتطلب إستثمارات كبيرة لا تستطيع حالياً حكومة بغداد القيام بها بسبب المشاكل التي تتخبط فيها البلاد على كل الصعد كانت آخرها الهجمة ال”داعشية” التي قلبت كل الموازين الجيوسياسية في المنطقة.
وبالنظر إلى هيكلة المداخيل في هذه الدول، تُظهر التحاليل أن الإنخفاض في أسعار البترول منذ بدء هذا العام أدّى إلى إنخفاض المداخيل بنسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي (بحدود الـ 190 مليار دولار). وهذا الأمر يؤدي بحسب صندوق النقد الدولي إلى خلق عجز في موازنة هذه الدول ويضعها في وضعية صعبة خصوصاً في ما يخص الإنفاق والإستثمار. والجدير بالذكر أن الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول مجتمعة يبلغ 1960 مليار دولار أميركي، 90% من المدخول يأتي من النفط مع أرقام تفوق الـ 900 مليار دولار وأكثر من 21 مليون برميل نفط يومياً من أصل 80 مليون برميل عالمياً.
ما هي تداعيات هذا الإنخفاض في المداخيل؟
من أهم التدعيات لهذا الإنخفاض في المداخيل يكمن في العجز الذي ستسجّله الموازنات في هذه الدول في نهاية العام. وهذا العجز ليس كارثياً بحد ذاته إلا أن إستمرار أسعار البترول على هذا النحو في العام 2014 و2015 ستكون له تداعيات كبيرة في ما يخص الإنفاق العام. فهذا الأخير مُرتفع جداً في هذه الدول والدعم للإستهلاك عال نسبة إلى الدول العربية الأخرى، وبالتالي لن تكون هناك قدرة لحكومات هذه الدول على الإستمرار في هذا الإنفاق والدعم. ويُمكن القول أيضاً أن ضعف المداخيل سيؤثر على المشاريع الإستثمارية الداخلية وقد نشهد تأخيراً في تنفيذ بعض المشاريع إذا ما بلغ العجز نسبة كبيرة.
وقد إنفردت قطر منذ العام 2000، في وضع إستراتيجية إستثمارية تعتمد على التنويع من ناحية الإستثمار محلياً وعالمياً بهدف جعل موازنة قطر مموَّلة بشكل كلي من الإستثمارات غير النفطية بحلول العام 2020. لكن المُلفت في الأمر أن الإستثمارات تشمل كل القطاعات الإنتاجية والسياحية والعديد من الدول، مع تنويع في عملة الإستثمار لتفادي المخاطر الناتجة من تقلّب أسعار صرف العملات. وهذا الأمر يجعل من قطر أقل الدول المُتضررة من جراء إنخفاض أسعار البترول. أما في الكويت التي تملك صناديق سيادية بأرقام هائلة، فسيكون الضرر عليها أكبر نظراً إلى أن إستثمارات هذه الصناديق تتعلق بالنفط والصناعات النفطية التي تتأثر حكماً بإنخفاض أسعار البترول. وفي السعودية، فإن الإستثمارات الخارجية ضعيفة وتضررت نتيجة الأزمة المالية العالمية وستكون هناك تداعيات على الإستثمارات الداخلية كنتيجة لإنخفاض المداخيل.
وبالمُطلق، فإن الإستثمارات الداخلية للدول النفطية الخليجية تتركّز بالدرجة الأولى على النفط والصناعات النفطية ويغيب عن هذه الإستثمارات التنويع. وإذا ما سلّمنا أن النظرية الإقتصادية تنصّ على أن يكون هناك إختصاص في الإنتاج الوطني لكي يتم رفع الناتج المحلي العالمي بشكل أكبر، فإن إقتصادات الدول النفطية، بإستثناء البحرين ودبي، ستتعرض إلى نكسة كبيرة في حال بدأ نضوب البترول فيها.
ما هي الإجراءات المطلوبة لتدارك هذه التداعيات؟
إنه لمن الضروري على الدول المذكورة أعلاه أن تعمد إلى تنفيذ عدد من الخطوات التي هي ضرورية لكي تتمكن إقتصاداتها من تخطي الأزمات وخصوصاً إنخفاض سعر البترول العالمي:
أول هذه الخطوات تنص على إجراء إصلاحات على الصعيد الضريبي، فهذا الأمر سيسمح بتغطية النقص في المداخيل من جهة، كما سيسمح بلجم التضخم (إلى حد معين) الذي يضرب إقتصادات هذه الدول.
ثانياً، يتوجب على هذه الدول وقف وتيرة الإنفاق العام وخصوصاً الأجور والدعم على البضائع والخدمات العامة. كل هذا يجب أن يتواكب مع دعم أكبر للقطاع الخاص الذي هو وحده قادر على توزيع الثروات بشكل عادل.
ثالثاً، يجب على حكومات هذه الدول السيطرة على المالية العامة من ناحية ترشيدها وجعلها أكثر إفادة للإقتصاد. فالسياسة الإقتصادية في الإقتصادات الحرة، تهدف قبل كل شيء إلى تدعيم الإقتصاد عبر سياسة مالية ونقدية مؤاتية.
رابعاً، ينبغي على حكومات هذه الدول العمل على تنويع الإقتصاد لتخفيف التعلق بالنفط، خصوصاً أن هذا الأخير يتبع منحنى “هوبيرت” (Hubert) الذي ينص على أن الطاقة الأحفورية تتبع منحنى تصاعدياً قبل أن تصل إلى القمة التي من بعدها تبدأ مرحلة نضوب الطاقة الأحفورية.
خامساً، يتوجب على الحكومات العمل على زيادة التجارة البينية وذلك بهدف تخفيف التعلّق بالإقتصاد العالمي وزيادة الإستثمارات في الدول العربية غير النفطية بهدف توزيع الثروات بين دول المنطقة الأمر الذي يُخفّف من دون أدنى شك ظاهرة التطرف الديني التي تعصف بالمنطقة.
* خبير إقتصادي وإستراتيجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى