المرأة تحرِّر المملكة العربية من الإرهاب الديني!

حين يتجرّأ كاتب سعودي من قماشة أحمد عدنان أن يكتب عن نظام بديل للملكة العربية السعودية، ويدعو إلى علمنة الدولة، والإنقلاب على كل موروثات الوهابية الدينية وفتاواها التي جعلت من الإنسان في المملكة مجرد كائن حي ممنوع من التفكير، يأكل ويشرب وينفّذ تعاليم علماء الفقه الوهابي، ويمارس طقوسهم حتى في داخل فراش الزوجية، وإلا إتّهم بالكفر والخروج عن طاعة الله. عندما يتجرّأ هكذا كاتب على التمرّد والمعصية، ويسلم من غضب الناطقين بلسان الله على الأرض، لا بد أن نتفاءل بأن ثمة فسحة من حرية الرأي والتعبير في المملكة، يضمنها ويكفلها الملك عبدالله بن عبد العزيز وإن بأسلوب غير مباشر، إستطاع أن يوازن من خلاله ما بين التشدد الديني والتساهل الدنيوي ولا سيما مع أهل الفكر والرأي.

بيروت – جوزف قرداحي

في كتابه “السعودية البديلة، ملامح الدولة الرابعة” الصادر عن “دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع” في طبعته الرابعة، يُعلن الصحافي السعودي أحمد عدنان ما يشبه البيان رقم واحد، داعياً إلى نظام تأسيسي جديد في المملكة، عنوانه “الدولة العلمانية الحديثة” أو الدولة الرابعة، على غرار الجمهورية الفرنسية الخامسة التي تأسست في العام 1958 على أنقاض الجمهورية الرابعة. و”المملكة السعودية بالتالي، دولة قامت على معطيات معينة في الماضي” يقول دكتور تركي الحمد مقدّماً كتاب أحمد عدنان ويتابع: – “ولكن عدم مراجعة هذه المعطيات، والإبقاء عليها كما كانت من دون تغيير أو تعديل، مسألة فيها الكثير من الخطورة على مستقبل الدولة. فالدولة السعودية مثلاً قامت على أسس دينية، تمثّلت في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (الوهابية) وتحالفه مع الإمام محمد بن سعود، وبواسطة هذه الإيديولوجيا الدينية قامت دولة ضمّت معظم أجزاء جزيرة العرب في إنجاز تاريخي غير مسبوق في تاريخ العرب المعاصر. (ويضيف تركي الحمد) سقطت هذه الدولة مرتين في تاريخها، لكنها كانت تعاود النهوض في كل مرة، وآخرها كان على يد الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسساً بذلك الدولة السعودية الثالثة. (صفحة: 12)
لكن ما هي أسس الدولة الرابعة او السعودية البديلة كما يحلم بها أحمد عدنان ويبشّر بها في كتابه، وعبر مقالاته في أكثر من صحيفة لبنانية وعربية؟ (“النهار” “الأخبار” “الحياة” “العرب”). الإصلاح السياسي والديني الذي يبدأ مع إطلاق يد المعارضين الليبراليين الذين حملوا لواء الإصلاح في المملكة بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، مثل: محمد سعيد طيب، وعلي الدميني وتركي الحمد وتوفيق السيف. فحين يتحدث الكاتب عن مسيرة الإصلاح في المملكة، فإنه يلحظ إلى جانب مطالبته بضرورة إنصاف الطائفة الشيعية والتعامل مع أفرادها كمواطنين سعوديين، لهم كامل الحقوق، أيضاً ضرورة التركيز على 4 بيانات رفعتها النخبة الإصلاحية الى قادة الحكم في المملكة، وهي: بيان حرب الخليج (1990)، بيان الرؤية (2003)، بيان الملكية الدستورية (2003) وبيان المنفلوطي (2004). وقد أجمعت البيانات الأربعة المرفوعة الى قادة الحكم على ضرورة الإصلاح في تنظيم الفتوى، والشروع في تكوين مجلس الشورى، وإحياء المجالس البلدية، ومراجعة القضاء، وتنظيم الحرية الإعلامية، وإصلاح قطاعي التعليم وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتمكين المرأة في الحياة العامة.
فلا يجوز أن تبقى المرأة السعودية (كما يرى الكاتب) أسيرة الفتاوى الوهابية التي جعلت منها نصف إنسان، في زمن أصبحت فيه المرأة في دول مجاورة مثل الإمارات العربية المتحدة تقود الطائرات الحربية وتشارك في الحرب على الإرهاب، فيما هي في السعودية تتعرض للإعتقال والمحاكمة إذا شوهدت تخرج من منزلها من غير محرم، أو ضبطتها هيئة الأمر بالمعروف تقود سيارتها. وخصوصاً أن أكثر من حادثة إعتقال تعرّضت لهن سعوديات مغامرات تحدّين الفتاوى، مثل منال الشريف التي إعتقلت في العام 2011 وأُطلِق سراحها ثم أُعيد إعتقالها بعدما أعادت الكرّة وشاركت في حملة: (سأقود سيارتي بنفسي) إلى جانب ناشطات سعوديات تحدّين الفتاوى وقدن سياراتهن داخل المملكة بأنفسهن مثل: نجلاء حريري، ميساء العمودي، تهاني الجهني وشيماء جستنية التي صدر بحقها حكم قضائي بالجلد، ولكنه لم يُنفَّذ بعدما أن تدخل العاهل السعودي شخصياً وأوقف الحكم.
ويرى الكاتب أحمد عدنان في خلاصة دعوته الى الإصلاح والعلمنة، أن من أكثر أسباب التخلّف في المجتمع السعودي الحيوي والطامح الى التغيير يكمن في الوصاية الدينية التي أصبحت عبئاً على القيادة السياسية، بل إن التيارات “الإسلاموية” عينها تتغيّر وتتطور. ولكن الوصاية من أي نوع كانت لم تعد مقبولة حتى ولو كانت وصاية سياسية.
في الخلاصة، كتاب “السعودية البديلة، ملامح الدولة الرابعة” للصحافي السعودي أحمد عدنان، صرخة في ضمير الوعي العربي، ودعوة شجاعة إلى الإنقلاب على الذات من الداخل، وقبل فوات الأوان!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى