عُمان تُطور عالم الطاقة في أراضيها بواسطة أرقى التقنيات

كان على سلطنة عُمان وضع إستراتيجية فريدة من نوعها لتنمية مواردها الطبيعية مقارنة مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، ذلك أن جيولوجية أراضيها صعبة ومعقّدة.

مسقط – سالم العنقودي

إستخراج النفط في سلطنة عُمان: التقنيات الجديدة تعززه
إستخراج النفط في سلطنة عُمان: التقنيات الجديدة تعززه

معتمدة على ما لديها من ميزات جغرافية وثقافية و”ماكياج” ديني فريد، فقد فعلت سلطنة عُمان دائماً الأشياء بطريقة مختلفة قليلاً عن جيرانها الخليجيين. عند الغسق، مع تمايل المراكب الشراعية واليخوت الفارهة في ميناء “مطرح”، فإن الزركشة شبه القارية للمباني تتحدث عن تاريخ تطلع نحو الهند وشرق أفريقيا وإيران، بقدر ما تطلع إلى الصحراء العربية وجبال عُمان الوعرة. وبالطريقة عينها، رسمت مسقط مسار طاقة مميزاً – واحدٌ يعترف بالتحديات المتنامية.
لم يكن لدى السلطنة أبداً الموارد الهيدروكربونية عينها كما هو الحال مع شركائها الكبار في دول مجلس التعاون الخليجي: الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر والكويت، كما أن جيولوجيتها هي أكثر تعقيداً وتحدّياً. مع ذلك، فإنها إستطاعت أن تصبح منتجة كبيرة للنفط ومصدّراً محترماً للغاز. ونظراً إلى هذه التحديات، فإن الصناعة النفطية في عُمان هي مميَّزة عن أقرانها في الخليج: فهي أكثر تنوعاً ومع تدخل دولي أكثر، وتعتمد على مزيد من نشر التكنولوجيات المبتكرة، وتعطي المزيد من الإهتمام لإستراتيجيات متميزة للسوق.
هذه القدرة التنافسية هي أمر حيوي للبلاد، مع 82 في المئة من عائدات الحكومة هذا العام متوقَّعة أن تأتي من النفط والغاز، والموازنة تتطلب أسعار نفط بحدود 112 دولاراً للبرميل لتحقيق التوازن، وهي أسعار أعلى بكثير من المستويات الحالية.
لقد تراجع إنتاج النفط العُماني من 961 ألف برميل يومياً في العام 2000 إلى 710 آلاف برميل فقط في 2007، ولكن تعافى الآن إلى حوالي 940،000 برميل في اليوم، ومن الممكن أن يصل إلى رقم بعيد المنال مليون برميل يومياً في السنوات المقبلة، وإعطاء البلاد نحو واحد في المئة من الإنتاج العالمي. من جهته إنتعش المشغّل الرئيسي، شركة تنمية نفط عمان، وهي مشروع مشترك بين الحكومة وشركات “شل” و”توتال” و”بارتكس”، من المردود جرّاء الإستخلاص المعزّز للنفط وتطوير حقول صغيرة.
ولكن النمو الرئيسي قد جاء من مشاريع أخرى، وخصوصاً حقل “مخيزنة” للخام الثقيل الذي تديره شركة “أوكسيدنتال”. وكان هناك تدفق مستمر من العروض لمناطق تنقيب جديدة، على الرغم من أن معظم هذه المناطق قد تمت دراستها بدقة في الماضي وتحتاج إلى مفاهيم جيولوجية جديدة.
في أواخر العام الفائت، أعلنت شركة “ريكس أويل” السنغافورية عن أول إكتشاف نفطي بحري في البلاد خارج ساحل السلطنة القصير في الخليج، بالقرب من جزيرة مصيرة. كما أن شركات متوسطة الحجم وصغيرة مثل “تيثيس”، واللبنانية “سي سي سي” (CCC)، والتايلندية “بي تي تي إي بي” (PTTEP)، واليابانية “ميتسوي”، والعُمانية المحلية “بتروغاس” المملوكة من الملياردير العماني والموظف السابق في شركة تنمية نفط عمان محمد البرواني، تمتعت أيضاً بالنجاح. ولكن يبدو أن الإكتشافات النفطية الجديدة الكبرى غير مرجّحة، وهذا يعني ان الأولوية هي لتطوير حقول الغاز غير التقليدية والعميقة، مع تعظيم وزيادة الإنتاج من الموارد الكبيرة المتبقية في خزانات مليئة بالتحديات.
لا تزال عُمان تحتاج إلى تحقيق توازن بين القوة والقدرة لشركة تنمية نفط عمان مقابل الحاجة إلى تقديم مشاريع جذابة للوافدين الجدد. مستثمر الثروة السيادية، شركة النفط العُمانية، بعد سنوات من البحث في الخارج، عادت الآن إلى تركيز إهتمامها على المشاريع المحلية. لذا كان عليها تطوير مهاراتها بسرعة، وفي الوقت عينه السعي إلى جمع الأموال لبعض التطورات الكبيرة جداً. ومن المعلوم حالياً أنها تجري محادثات مع شركة أوكسيدنتال لزيادة حصتها في “مخيزنة” فيما تبحث الشركة الأميركية إلى تخفيف وجودها في الشرق الأوسط.
تُعتبر سلطنة عُمان واحدة من الدول الأكثر نشاطاً بالنسبة إلى عمليات الحفر الهيدروكربوني في المنطقة، فقط وراء العراق والمملكة العربية السعودية اللتين لديهما إنتاج أكثر بكثير. بل هي أيضاً رائدة الشرق الأوسط في الإستخلاص المعزّز للنفط – مجموعة من التقنيات لإستخراج المزيد من النفط من الحقول الناضجة. وهذا يمكن أن يرفع كمية النفط المستخرجة بطريقة نموذجية من 30 و40 في المئة إلى 50 أو 60 في المئة. وتشمل هذه التقنيات نهج الحقن بالبخار في حقول النفط الثقيلة مثل “مخيزنة” و”قرن علم” لتسخين النفط الثقيل الكثيف والسماح له بالتدفق بحرية أكثر؛ والسطحي (وهو نوع من الصابون) يُستخدم في حقل “مرمول” في الجنوب؛ وغاز الهيدروكربون يستعمل في “هرويل”. وتبحث شركة تنمية نفط عمان عن مواد كيميائية لتخفيف النفط الثقيل الكثيف في تراكم الحبحاب العملاق، وكذلك تطوير حقول النفط الثقيل التي تحتوي على مليار برميل في “الغبار جنوب”، إلى حد ما إلى الجنوب من جبال عُمان.
من ناحية أخرى، لتوفير الغاز لحقن البخار، تعمل شركة تنمية نفط عمان مع شركة “غلاس بونت” الأميركية في حقل “أمل” على تجريب الطاقة الشمسية المركّزة من خلال المَرَايا لغلي الماء. وتحمي صفوف من البيوت البلاستيكية هذه المَرَايا من الرمال المنجرفة. هذا الزواج المبتكر للطاقة المتجدّدة والتقليدية يمكن أن يعمل أكثر على نطاق واسع في جميع أنحاء المنطقة، كما هو الحال في المنطقة المحايدة الكويتية – السعودية.
في أماكن أخرى تنتج الحقول الناضجة في السلطنة ما يصل إلى عشرين برميلاً من الماء مقابل واحد من النفط. هذا الماء، ذو درجة عالية من الملوحة ويحتوي على آثار من النفط والمعادن الثقيلة، لا بدَّ من تنظيفه، وقد حاولت شركة تنمية نفط عمان ري القصب للعلاج البيولوجي الطبيعي.
وقد نما إنتاج الغاز في عُمان بشكل مطرد ولكنه كافح لمواكبة الطلب، الذي يحرّكه التوسع في الصناعة فضلاً عن إحتياجات الطاقة والمياه المحلاة، والإستخلاص المعزّز للنفط. وبسبب هذا، تراجعت صادرات الغاز الطبيعي المسال 20 في المئة أدنى من قدرة المصانع. وقد رفعت مسقط أسعار الغاز للصناعات لكي تعكس تكاليف الإنتاج، ولكن بقيت أسعار الغاز والطاقة للمستخدمين المحليين مدعومة بشكل كبير.
ولذلك أصبحت السلطنة أيضاً رائدة في موارد الغاز الصعبة – الغاز “الضيّق” في صخور منخفضة النفاذ، الذي يتدفق فقط في حالة تفتت الصخور هيدروليكياً. وهذا مشابه، وإن كان أقل كثافة، لإنتاج الغاز الصخري الذي أصبح ناجحاً جداً في الولايات المتحدة. ويُعتبر حقل “الخزان” العملاق الذي تديره “بي بي” (BP) والذي يكلّف تطويره 16 مليار دولار هو الأكبر في هذا المجال، ولكن الحقل النفطي العُماني “أبو طبول” سوف يكون الأول على خط الإنتاج، حيث سينتج الغاز في الشهر المقبل أو بعد شهرين. هذه الحقول للغاز الضيّق هي، وفقاً للمعايير العالمية، على غير العادة عميقة تحت السطح، مما يجعل تكلفة الحفر مرتفعة، وتواجه تحديات أخرى، أبرزها عدم وجود مياه لعمليات التكسير. إن الصخر الزيتي والغاز أيضاً قد يحملان وعداً جيداً في المستقبل.
وتتطلع مسقط أيضاً إلى واردات الغاز؛ إنها تشتري كمية صغيرة من قطر عبر خط أنابيب “دولفين”، ولكن حالياً تتفاوض مع إيران لتوفير كميات أكبر، التي يمكن أن تكون ما يقرب من خمس إجمالي الإمدادات بحلول العام 2020. وسوف يمتد خط أنابيب من رودان في جنوب إيران، عبر الجزء الضحل نسبياً من خليج عُمان، وصولاً إلى محور البتروكيماويات في صحار في شمال شرق السلطنة. ومع ذلك، يبدو أن سعر الغاز – الذي هو دائماً نقطة الخلاف الرئيسية في الصفقات مع إيران – لم يتم الاتفاق عليه بعد. الأهم من ذلك، هو أن العقوبات الدولية على بلاد فارس يجب أن تكون قد خُفِّفت إلى حد كبير قبل تنفيذ هذا المشروع. إن إستعداد السلطنة للإنخراط علناً مع الجمهورية الإسلامية هو علامة من السياسة الديبلوماسية المرنة التي تتبعها، والتي هي في الأساس موالية للغرب ولكنها عملية.
من المستغرب، نظراً إلى نقص الغاز وإرتفاع الأسعار، أن عُمان كانت بطيئة في الإنتقال إلى الطاقة المتجدّدة. مثل جيرانها الخليجيين، لديها إمكانات ممتازة من الطاقة الشمسية، ولكن على غير العادة فلديها أيضاً فرص جيدة لطاقة الرياح. وقد بدأت للتو بتقديم خطط لطاقة الرياح والطاقة الشمسية لتزويد المناطق الريفية، وإلّا سيكون الإعتماد على مولّدات الديزل المكلفة.
في مجال الأسواق، إختارت مسقط في العام 2007 أن يكون تسعير نفطها عبر بورصة دبي للطاقة، التي يملك فيها الصندوق العماني للإستثمار حصة 29 في المئة. علماً أنه، غير دبي، تستخدم دول الخليج الأخرى التقييمات من وكالات تقارير الأسعار مثل “بلاتس” (Platts). الواقع أن هذه المحاولة كانت ناجحة للعُمانيين لجعل أسعارهم أكثر تنافسية، وتستجيب لتحركات السوق ومريحة للعملاء والتجار. ويضع سعر دبي -عمان معياراً جديداً للشحنات إلى آسيا من النفط الخام الحامض (كبريت عالي الكثافة) ذي الدرجة المتوسطة، وهي الدرجة النموذجية في الخليج. مع جميع المصدّرين في الشرق الأوسط يتنافسون على الأسواق الآسيوية، كان العُمانيون على حق في سياستهم التي أكّدتها الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس بورصة شانغهاي للطاقة الجديد إلى دبي.
صعّدت عُمان في وقت لاحق دورها الإستراتيجي في السوق، مع وجود خطط لبناء منشأة لتخزين النفط على نطاق العالم قرب الدقم على الساحل الجنوبي الشرقي، وهو موقع إستراتيجي على المحيط الهندي الذي يتجنّب مضيق هرمز ويتموضع بين أوروبا وآسيا. والمقصود هنا أيضاً تحويل الدقم كي تصبح مركزاً للبتروكيماويات، رغم أن هذا يثير تساؤلات من أين سيأتي الغاز اللقيم اللازم. مثل جيرانها، تواجه عُمان أيضاً تحديات إجتماعية وإقتصادية، ولا سيما في مجال تنويع الإقتصاد وإبعاده من النفط، وتوليد وظائف ذات جودة عالية للسكان الشباب. مع إنخفاض سعر النفط والغاز، ما زال الإنتاج العُماني يرتفع ولكن فقط بسعر التكلفة المتصاعدة. إن نمو الطلب السريع على الطاقة يجب أن يُسيطَر عليه برفع الأسعار إلى مستويات السوق. من دون حيازات الثروة السيادية العملاقة لجيرانها، على السلطنة إيجاد توازن دقيق – كيف تعصر كل قطرة من قيمة الموارد النفطية في البلاد، وفي الوقت عينه تطوير القطاعات الأخرى التي لا تعتمد على سخاء الحكومة.
وهكذا تحوّلت عُمان إلى نوع من المختبر الطبيعي. فقد إستخدمت “شل” تقنيات إختبرت للمرة الأولى في السلطنة لعملياتها في دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر والعراق، بالإضافة إلى حقول أخرى أبعد. قد تبدو المدن القديمة كمسقط أو نزوى نافذة على الماضي، ولكن قطاع الطاقة هو بوابة إلى المستقبل. إنه ينبىء بأن هذا النوع من النهج التكنولوجي والتسويقي والإقتصادي الذي تعتمده عُمان سيحتاج إليه جميع منتجي النفط في الشرق الأوسط على مدى العقود القليلة المقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى