لماذا مصر، بين جميع الدول، تراقب بقلق إنخفاض أسعار النفط ؟

هبوط أسعار النفط لن يكون لها تأثير فقط على البلدان المنتجة للمواد الهيدروكربونية ولكن أيضاً ستكون لها تداعيات على الدول غير النفطية كالأردن والمغرب ومصر التي تعتمد على المساعدات الخليجية.

القاهرة – هدى أحمد

الرئيس عبد الفتاح السيسي: عينه على أسعار النفط
الرئيس عبد الفتاح السيسي: عينه على أسعار النفط

يبدو أن “الدببة” التي إقتحمت سوق النفط وخفّضت أسعار الخام فيها حوالي الربع من أعلى مستوياتها في الصيف تتمترس لإقامة مطوّلة. البنوك الإستثمارية الكبيرة، بما في ذلك “غولدمان ساكس” و”باركليز”، خفّضت توقعاتها لأسعار النفط في العام المقبل. وقال محلّلون في مجال الطاقة من مؤسسة “وود ماكينزي” أن الإقتصاد الراكد يمكن أن يبقي أسعار النفط المتدهورة في حدود 80 دولاراً للبرميل ما لم تُقدِم دول “أوبك” على خفض إنتاجها. وهذا يعني أن تراجع أسعار النفط في الأشهر الأربعة الأخيرة قد لا يكون خطأ، ولكن سمة من سمات المزبد من الفائض الذي تشهده الأسواق من المعروض.
وهذا الأمر من الواضح أنه ليس من الأنباء الجيدة بالنسبة إلى بعض منتجي النفط المبذّرين، خصوصاً العراق وإيران وروسيا وفنزويلا، والتي تتطلب إقتصاداتها المشوَّهة أسعار نفط عالية جداً لموازنة موازاناتها. ولكن السؤال الذي يلوح في الأفق هو كيف يمكن لإنخفاض أسعار النفط لفترة طويلة أن يؤثر في أخواتها الأفضل حالاً، خصوصاً في الدول النفطية الغنية في الخليج العربي.
وبفيد أهل الخبرة بأن هناك شيئين ينبغي إبقاء العين عليهما ومراقبتهما. أولاً، هذه الدول لديها إلتزامات محلية ضخمة ومكلفة، مثل الدعم السخي للطاقة والإنفاق الإجتماعي، الذي يهدف إلى إحباط ذلك النوع من الإستياء العام الذي غلى ببطء في البلدان المجاورة لسنوات والذي وصل إلى ذروته مع ما يسمّى ب”الربيع العربي”.
إذا ظلت أسعار النفط تنخفض، قد تكون دول الخليج أيضاً غير قادرة على الإحتفاظ ب”رش” كميات هائلة من المساعدات الخارجية على الدول المترنّحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي لم تُنعم بإحتياطات من النفط والغاز، مثل مصر والمغرب. على مدى عقود، في بعض الحالات، دعمت دول الخليج الغنية الجيران البعيدين، على حد سواء لصدّ وتفادي التأثير الأوروبي المفرط وضمان الإستقرار السياسي في المنطقة الذي تفتقر إليه تاريخياً.
وهذا يجعل الصحة المالية للدول الخليجية مصدر قلق رئيسياً بالنسبة إلى القاهرة والرباط وعَمّان – خصوصاً وأن الإقتصاد في الشرق الأوسط كان يتعثّر حتى قبل أن تهبط أسعار النفط. ولكن هناك عزاءَ واحداً لمصر وغيرها هو أن جوهر دول الخليج ما زال معبأً بالنقد، الذي ينبغي أن يكون كافياً فقط للسماح لها بالحفاظ على أولوياتها بالنسبة إلى الإنفاق المحلي والأجنبي – على الأقل حتى الآن.
أعلن صندوق النقد الدولي في 27 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تستعد لعام آخر من النمو المخيّب للآمال. وقد حذّر مسعود أحمد، مدير قسم الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي، من أن حتى الدول الغنية مثل المملكة العربية السعودية يمكن أن تنزلق إلى عجز في أقرب وقت في العام المقبل اذا ظلت أسعار النفط منخفضة. بالنسبة إلى دول الخليج ككل، أوضح صندوق النقد الدولي، إن إنخفاض أسعار النفط يمسح 175 مليار من الفوائض المالية المتوقعة لها.
ومن شأن ذلك أن يضع ضغطاً إضافياً على تلك البلدان لإصلاح موازناتها التي لا يمكن تحمّلها، والتي تستخدم دعم الطاقة الذي يشجّع على التبذير والذي يكلّف الحكومات مليارات الدولارات كل عام. في الكويت، تبلغ تكلفة ليتر الوقود في محطات البنزين 0،19 دولار قبل الإصلاحات الأخيرة؛ والسعوديون يتركون مكيِّفات االهواء البارد لديهم التي يغذّيها النفط الرخيص مفتوحة حتى عندما يكونون في إجازة.
في الواقع، لقد كان على الأسوأ حالاً من البلدان في المنطقة السير فعلياً في هذا الطريق. وقد أعلنت أخيراً كلٌّ من مصر والمغرب والأردن وتونس عن خطط لخفض دعم الطاقة لتوفير المال. الآن، حتى الدول الغنية بالنفط تدرس خطوات مماثلة.
في إفتتاح الإنعقاد التشريعي الجديد في مجلس الأمة، دعا أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الحكومة والمجلس الى الحفاظ على موارد البلاد وترشيد الإنفاق من أجل مواجهة الدورة الحالية من الإنخفاض في أسعار الخام. وقال: “ها نحن نشهد دورة أخرى من إنخفاض أسعار النفط نتيجة لعوامل إقتصادية وسياسية تعصف بالإقتصاد العالمي مما يلقي بظلالها السلبية على إقتصادنا الوطني”. وأضاف :”إنني ادعوكم حكومة ومجلساً، لتحمل مسؤولياتكم الوطنية لإصدار التشريعات وإتخاذ القرارات اللازمة التي تحمي ثروتنا النفطية والمالي. كما كان وزير المالية الكويتي أنس خالد الصالح دعا قبل ذلك بأيام إلى أن خفض الإنفاق “حتمي”، في حين ردّد وزير المالية العُماني درويش البلوشي المشاعر عينها، واصفاً الدعم ب”الإسراف”، وقال إن إصلاحات الإنفاق ضرورية في وقت إنخفاض أسعار النفط. وأمضت البحرين كل العام في محاولة لتخفيض ووقف الإعانات، لكنها واجهت قدراً كبيراً من المعارضة السياسية.
ولكن هناك خطراً محتملاً آخر كبيراً في المنطقة: إن آثار الموازنة من تراجع أسعار النفط قد تتسرب الى الدول التي لا تصدّر المواد الهيدروكربونية. إن شدّ الحزام في دول النفط، بعبارة أخرى، يمكن أن يؤدي إلى تقليص المساعدات الخارجية السخية التي تقدمها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى إلى مصر والأردن والمغرب للحفاظ على إقتصاداتها واقفة على قدميها، ودرء الشبح غير الودّي للحكومات الغارقة في الإيديولوجية الإسلامية السلفية.
لسنوات كانت الرياض وعواصم أخرى في الخليج تمنح مليارات الدولارات إلى دول المنطقة. منذ سقوط صدام حسين في العام 2003، أصبح الأردن يعتمد بشكل متزايد على المساعدات السعودية، على الرغم من أن الطبيعة المتقلّبة لتلك المعونة تخيف الكثير من الناس في المملكة الأردنية الهاشمية. لقد حصل كلٌّ من الأردن والمغرب على تعهد ب2.5 ملياري دولار في العام الفائت للمساعدة في تطوير إقتصاداتهما ومعالجة البطالة المتوطنة التي قد تقوّض النظامين الملكيين الحاكمين فيهما. الحقيقة أن دول الخليج سخية لا سيما مع الأردن لأنها تحاول مساعدة المملكة الهاشمية على التعامل مع تكاليف إستيعاب مئات الآلاف من اللاجئين الفارين من تقدّم “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق.
من جهة أخرى، ناقشت دول الخليج مع الأردن والمغرب أيضاً تداول المساعدات المالية مقابل علاقات عسكرية أوثق. ويخشى بعض المراقبين بأن يجبر الركود المطوّل في أسعار النفط دول الخليج على كبح جماح موازنات المساعدات الخارجية الأمر الذي سيؤدي إلى عواقب سيئة لجيرانها.
“يبدو أن معظم محادثاتي كان للإشارة إلى أنه سيكون” المحيط البعيد” الذي سيحصل على قطع المساعدات أولاً، ومن المحتمل أن يكون ذلك قريباً جداً – وهذا يكمن في التمويل السعودي الموعود إلى الأردن والمغرب لمشاريع البنية التحتية وخلق فرص عمل عاجلة لديهما”، قال كريستوفر ديفيدسون، المتخصص في سياسات الشرق الأوسط في جامعة دورهام ومؤلف كناب “بعد الشيوخ” (After the Sheikhs).
وقال أن “هناك دلائل تشير إلى أن السعوديين وفروا المزيد من التمويل الأجنبي أكثر مما يظهر في الموازنات الرسمية. وذلك يعني أن “نقطة التعادل” في سعر النفط يمكن أن تكون أعلى للمملكة العربية السعودية مما تشير إليه الشخصيات العامة”.
وربما الأهم من ذلك هو أن المساعدات السعودية والإماراتية مُنحت لمصر لدعم المشير عبد الفتاح السيسي منذ أن أطاح الرئيس المصري السابق الإسلامي محمد مرسي. وقد تعهّد السعوديون والإماراتيون معاً بمنح 20 مليار دولار لإبقاء الإقتصاد المصري واقفاً على قدميه، وسلمتا حتى الآن ما يقرب من 17 مليار دولار أميركي، بما في ذلك النقد والمنتجات النفطية.
من جهتها عدّلت خدمة المستثمرين في وكالة “موديز” للتصنيف الإئتماني أخيراً توقعاتها بالنسبة إلى مصر صعوداً من سلبي إلى مستقر، وأعلنت بأن المساعدات الخارجية من دول الخليج الكبيرة كانت أحد الدوافع الرئيسية للتحسين. وساهمت هذه المساعدات في البداية في التعويض عن إنسحاب قطر من الدعم المالي لمصر (كانت تدعم مرسي) وفي ما بعد ساعدت في منع حدوث أزمة طاقة هائلة.
“بأخذ السعودية والإمارات معاً، فإنهما قد لعبا دوراً مهماً في تعزيز الثقة وإعطاء الحكومة بعض المتنفس لبدء إجراء الإصلاحات”، قال ستيفن دايك، محلل “موديز” للشؤون المصرية. وقد خفضت مصر دعم الوقود في فصل الصيف، ووضعت للتو خططاً طموحة لإصلاح جباية الضرائب وغيرها من مجالات إقتصادها المتعثّر.
وزير الخزانة الأميركي جاك ليو، أشاد خلال زيارته الأخيرة إلى القاهرة، (27/10/2014)، بتلك الإصلاحات، لكنه شدّد على أن المساعدات الخارجية، بما فيها المساعدات من الولايات المتحدة والمؤسسات المالية المتعددة الأطراف، لا تزال أساسية لمساعدة مصر على الوقوف على قدميها وجذب مزيد من الإستثمارات الخاصة.
بالنسبة إلى السيسي، إن خزائن الخليج الفائضة بعد عشر سنين من أسعار مرتفعة نسبياً للنفط هي أخبار سارة. الدول الست في مجلس التعاون الخليجي – البحرين والكويت وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، وقطر، والإمارات – لديها 2.5 تريليوني دولار أميركي مخبأة بعيداً. لدى الرياض وحدها أكثر من 740 مليار دولار، في حين أن الكويت أكثر من نصف تريليون دولار في الإحتياط. أشخاص مقربون من أبو ظبي يؤكدون أن الإمارات ليست في خطر من أزمة سيولة في أي وقت قريب: لديها إحتياطات نفط هائلة، وتكاليف منخفضة لإستخراج النفط، وأكبر صندوق للثروة السيادية في العالم.
إضافة إلى هذا، هناك خطر وجودي يكمن في أن مصر سوف تنهار إذا لم تبقَ دفاتر الشيكات الخليجية مفتوحة وبعيدة من الإغلاق في أي وقت قريب.
“إن قادة الخليج يعرفون بأن مصر كبيرة جداً للسماح لها بالفشل والإنهيار، ولهذا السبب هناك إلتزام لتقديم الدعم لها”، قال دايك. “لا أعتقد أن تواجه الدول الثلاث والمانحة الرئيسية أي ضغط حرج بعد إنخفاض أسعار النفط”، مضيفاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى