لبنان إلى أين؟

بيروت – سمير الحلو

تبدو العلاقة بين السكان اللبنانيين واللاجئين السوريين متوترة بشكل واضح. إن هذه الأزمة تتسبب في زيادة التوترات الإجتماعية والسياسية في لبنان الذي هو على شفا حرب أهلية. بعد أكثر من عامين على الصراع السوري هناك أكثر من مليون ونصف مليون سوري لجأوا إلى بلد الأرز المجاور. الآن يبدو أن الضيافة اللبنانية قد بلغت حدّها.
وفقا ل”هيومن رايتس ووتش”، مُنع لاجئون فلسطينيون فارون من العنف في سوريا من دخول لبنان خلال الشهر الفائت، وهذا يخالف إلتزامات لبنان الدولية. هذا العمل يدل على أن البلد بات قريباً من نقطة الإنهيار. إن التدفق الجماعي للاجئين السوريين يضع الموارد الشحيحة أصلاً في لبنان تحت ضغوط إضافية. في دراسة حديثة أجرتها “مؤسسة فافو”، وهي منظمة بحثية مستقلة، على عينة تمثيلية من 900 لبناني شملهم الإستطلاع، أظهرت أن الغالبية تريد مراقبة أكثر صرامة للحدود. أكثر من نصف العينة لم يكونوا مرتاحين من وجود اللاجئين السوريين كجيران، والمواقف المضادة للاجئين السوريين تتصاعد.
مثل غيرهم من السكان اللاجئين قبلهم، يجري الآن إستخدام السوريين ككبش فداء لتراجع الإقتصاد. وقد رفضت السلطات اللبنانية حتى الآن طلب الأمم المتحدة لإقامة مخيمات منفصلة لإيواء اللاجئين تحت حجّة أنه يُمكن أن يتحوّلوا إلى مستوطنين دائمين الأمر الذي من المحتمل أن يشجّع السوريين على البقاء. إن عدم وجود مخيّمات للاجئين يعني أن الأسر السورية تستقر في المجتمعات المحلية في جميع أنحاء البلاد وتنافس على فرص العمل الشحيحة الأمر الذي يخلق الإحتكاك. إن الفكرة تكمن في أن اللاجئين السوريين يمكنهم الجمع بين العمل المنخفض الأجر مع مساعدات، واللبنانيون المفقَّرون، من دون دعم مالي خارجي، أصبحوا الخاسرين في سوق عمل ضيق. مع زيادة الطلب على المساكن، وإرتفاع الإيجارات بشكل كبير يشكو اللبنانيون أن أسعار سوق الإسكان تجاوزت قدرتهم. إنهم يشعرون بأن اللاجئين السوريين يتلقون دعماً بدرجة غير عادلة، في حين أن حاجاتهم يجري إهمالها. وقد أدّت هذه الإحباطات إلى جانب الشعور بمعاملة إقتصادية تفضيلية إلى زيادة التحامل والتعصب تجاه السوريين. ويجدر الذكر بأن الكثير من اللبنانيين يحملون مظالم قديمة ضد “الإخوة” السوريين التي تكبدوها بسبب الوجود العسكري السوري في لبنان لمدة 29 عاماً (1975-2005) الذي رافقته إنتهاكات لحقوق الإنسان. والآن يتم إضافة صور نمطية جديدة لهذه الأحقاد القديمة. إن اللاجئين السوريين متهمون بإرتكاب الجرائم وسرقة الوظائف.
الكفاح من أجل البقاء على قيد الحياة يومياً في لبنان هوعمل شاق ومتعب. لقد وصل اللاجئون السوريون وهم مصابون بصدمة بسبب العنف المروع وتجزئة أو فقدان أسرهم حيث واجهوا تحديات جديدة في بلد حيث الفوارق الطبقية كبيرة والفقر منتشر. مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين يقدّم المساعدة إلى اللاجئين المسجّلين، ولكن الكثير من هؤلاء لم يتسجّلوا خوفاً من أن تُسرّب أسماؤهم إلى النظام السوري. لقد أعرب لاجئون إلتقيتهم في قرية سنية فقيرة “ببنين” عن إحباطهم من سوء الأحوال المعيشية، إلى جانب صعوبة الحصول على مساعدة من منظمات الإغاثة المختلفة. وعلاوة على ذلك، فإنهم يشعرون بالعنصرية المحلية. سائق سيارة أجرة، أحمد، فرّ من مسقط رأسه في إدلب مع زوجته وطفلين تحت القصف الشديد. بينما حرص على عدم التحدث سلباً عن المجتمع الذي يستضيفهم، فإنه يشعر بأن اللبنانيين يربحون من مأساتهم، فالإيجار مرتفع والأجور منخفضة. إن أحمد قلق بشأن المستقبل: “الله وحده يعلم كم من الوقت علينا أن نعيش هكذا”.
لقد طلب لبنان المزيد من المليارات من المساعدات للتعامل مع التدفق المتزايد للاجئين. حتى مع زيادة الدعم الدولي، فإن إستقرار لبنان يبدو هشاً. لفترة طويلة من الزمن، أبقت سياسة النأي بالنفس الرسمية في لبنان عن الصراع في سوريا الوضع متوازناً. إن تزايد مشاركة “حزب الله” الشيعي والجماعات السنية على طرفي نقيض في الحرب الأهلية السورية قد ساهم في تعزيز الإنقسامات الطائفية عينها في لبنان. ويتجلّى التوتر بشكل كبير في طرابلس، حيث السكان مستقطبون بعمق بين أولئك الذين يدعمون الأسد وأولئك الذين يعارضونه. في حي المسلمين الشيعة في الضاحية الجنوبية لبيروت فض الجيش اللبناني أخيراً مشاجرات بين سوريين وسكان محليين. وبالإضافة إلى ذلك هناك العواقب غير المعروفة للضربة التي تقودها الولايات المتحدة على سوريا.
وفقاً لدراسة “مؤسسة فافو”، إثنان من كل ثلاثة لبنانيين يعتقدون أن الصراع في سوريا يمكن أن يؤدي إلى حرب أهلية جديدة في لبنان. بالنسبة إلى الكثيرين، فإن السؤال ليس إذا كانت هناك حرب أم لا، ولكن متى ستنفجر. يبقى أن نرى ما إذا كان لبنان سيكون الدومينو الخامس الذي سيسقط من “الربيع العربي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى