العنف وتداعياته

بقلم الدكتورة أمل الشنفري*

يكثر الحديث في هذه الأيام عن حركات الإرهاب وتفشّيها في المجتمعات العربية والإسلامية؛ وهي إن تعدّدت أسماؤها فإنها جميعاً تتوحّد تحت راية الخراب والدمار بإسم الإسلام الذي هو براءٌ منها. ولقد تباينت التحليلات والتأويلات بسبب تفشّي هذه الظاهرة حيث ألقت في معظمها اللوم على المجتمعات الغربية التي غرّرت بالشباب المسلم، وجرّتهم إلى ولوج هذا النفق المظلم بإسم الدين والدفاع عن حرمته.
إن العنف بتداعياته المختلفة وموجباته العميقة يصنع مناخاً وظروفاً إستثنائية غير مستقرّة تُعرقل الحياة الإجتماعية والسياسية والتنموية. وهو في كل مستوياته وأشكاله، مثل كل الظواهر الإجتماعية، لم يتواجد بمحض المصادفة، إنما هو نتاج عوامل وأسباب متداخلة. من أهم هذه الأسباب هي الدينية والثقافية، فهذه الجماعات التي تقود حركة العنف تنسب نفسها الى الإسلام، رافعةً الدين شعاراً لأجنداتها وأهدافها. ومن خلال سبر أغوار هذه الظاهرة يتضح لنا أن الفهم الديني الخاطئ لهذه الفئة هو العامل الذي يؤدي بها إلى الإنسياق للعنف لأن كثيرين منها يجدون أنفسهم غير متكيِّفين مع مستجدات العصر الحديث، حيث يرون أن كل جديد بدعة وإنحراف عن المسار الديني والأخلاقي. فينصبون أنفسهم أوصياء على الدين ويكفّرون المجتمع الحديث الذي هو في نظرهم مجتمع جاهلي ولكن بثوبٍ جديد، وبالتالي وجب إقامة حدّ للمرتدّين الجدد ومعاقبتهم وفق فهمهم الضيِّق للدين. ومن خلال هذا المفهوم يتذرّع هؤلاء المتطرفون بمبدأ الجهاد لتبرير جرائمهم المشينة ضد الإنسانية.
وهذا لا يعني إنكار الحقيقة الأزلية، والتي هي متواجدة منذ فجر الإسلام، أن أعداء الدين الحنيف هم دائماً متربّصون. ولكن علينا أن لا نُنكر أن هناك أيضاً خللاً في مجتمعاتنا مكّنت المتربصين من بلوغ أهدافهم. فمن سمات الحكمة هي التدبّر ومحاسبة النفس قبل لوم الآخرين، وذلك للوقوف على مكامن الضعف فينا، والتي من شأنها أن تفسح المجال أمام الكائدين للتسلل من خلالها إلينا وإصابتنا بمقتل. وهنا تأتي التساؤلات: لماذا أصبحت مجتمعاتنا مجتمعات عنيفة في كل مظاهرها؟! لماذا أصبحنا لا نقبل بالإختلاف في الرأي؟ ولا نقبل أو نتقبّل النقد حتى البّناء منه؟!. لقد تشبّعنا كمجتمعات عربية مسلمة منذ الصغر بثقافة التعسّف والرأي الأوحد، حيث أن موروثاتنا الثقافية أصبحت موروثات ممسوخة عن ديننا الحنيف الذي يتمتع بثقافة الحوار والمشورة والإقناع القائمة على الرحمة واللين. إن ثقافة المجتمع العربي التي أصبحت تقوم على عدم تقبل حق الإختلاف، ورفض التعددية، وأخذ القشور من الحضارة الإنسانية الحديثة، هي أرضٌ خصبة لنمو ظاهرة العنف والتشدّد في مجتمعاتنا. فهذه الثقافة القائمة على أُحادية الفكر هي التى أدّت إلى تفشّي سياسة الإقصاء، والنبذ الإجتماعي والثقافي. وهي لا ترى لها مسلك غير أسلوب القوة والعنف لتحقيق أهدافها ورؤاها.
لذلك فإن أهم وسائل محاربة الإرهاب تكمن في غرس مبدأ حرية الفكر في النشء، وأن تعمل مجتمعاتنا العربية والمسلمة على نشر روح الديموقراطية بين مواطنيها، وأن تكون كل قراراتها مبنيّة على هذا المبدأ لتحقق الوحدة والتعاون بين أفرادها لكي تتمكن من تنسيق مواقفها ولتقف ككتلة واحدة أمام هذه التحديات، وأمام الإتحادات المتعددة في العالم. فغياب الإستراتيجيات والرؤى المستقبليه المدروسة لكثير من الدول العربية يجعلها وهنة وضعيفة أمام أي رياح قد تهب على مجتمعاتها. ولكي تحصّن هذه المجتمعات نفسها من جميع الظواهر التي قد تجرفها إلى مسارات الدمار والخراب، فإنه يتوجب عليها أن توظّف طاقات شبابها وتوجّهها بحكمة نحو ما فيه النفع لهم ولأمتهم من دون غلوٍّ أو تفريط، مع تقبّل وقبول روح التطور والحداثّة.

• باحثة عُمانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى