هل تستفيد روسيا من “تحالف الطاقة” الجديد مع الصين؟

بكين – عبد السلام فريد

في الأول من الشهر الفائت، إفتتح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونائب رئيس الوزراء الصيني “تشانغ قاو لي” جزءاً من خط الأنابيب في حفل أقيم بالقرب من “ياكوتسك”، عاصمة جمهورية ياقوتيا الروسية. مع بداية 2019، سوف يتدفق الغاز من خلال هذا الجزء — وبقية خط أنابيب “طاقة سيبيريا” البالغ طوله 3،968 كيلومتراً — من الحقول الروسية إلى المستهلكين الصينيين. وقد وصف بوتين وتشانغ المسعى، الذي يربط شبكتي خط أنابيب حاليتين، بأنه أكبر مشروع إنشائي في العالم.
بنت روسيا والصين بسرعة بينها “تحالف الطاقة”، كما أطلقت عليه وكالة الصحافة الفرنسية في الشهر الفائت. في تشرين الأول (أكتوبر) 2013، وقّعت شركة “روسنفت” المملوكة للدولة ومؤسسة البترول الوطنية الصينية صفقة “إختراق”، التي تعطي الشركة الصينية المملوكة للدولة حصة في حقل نفط في شرق سيبيريا. في أيار (مايو) الفائت، دخلت شركة “غازبروم” الروسية وشركة النفط الوطنية الصينية في صفقة مدتها 30 عاماً تبلغ قيمتها 400 مليار دولار؛ إنه إتفاق تاريخي آخر.
وفي الشهر الفائت، قدم بوتين شريحة من حقل “فانكور” التي تستغله “روسنفت” إلى مؤسسة البترول الوطنية الصينية. وكما أشارت صحيفة “فايننشال تايمز” إن الصفقة “تمثّل تغيّراً مذهلاً في الإستراتيجية”. في الماضي، كانت روسيا تتشارك مع شركة طاقة خارجية إذا كانت هناك حاجة إلى التكنولوجيا. ومع ذلك، تمتلك البلاد كل الخبرات المطلوبة لهذا الحقل، كما أن “فانكور” ينتج فعلياً النفط. فلماذا تُطرح حصة على الصين؟ يبدو أن الكرملين متعطّش لنقد بكين.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن “هذا التقارب الجديد هو علامة على ضعف أكثر منه على قوة.” منذ العام 2009، كانت الصين تقرض المال ل”روسنفت” المحتاجة إلى السيولة، وجعلت العقوبات الغربية الأخيرة محنة الشركة حتى أسوأ، مما إضطرها إلى طلب خطة إنقاذ لكي تتمكن من دفع ديون بلغت أكثر من 30 مليار دولار.
يبدو أن روسيا لقيت ما يكفي من إزعاجات من الغرب وقرّرت التحوّل إلى الشرق. وكما قال بوتين أخيراً عن الوصول إلى موارد الطاقة في بلاده، “نحن نأخذ عموماً نهجاً حذراً جداً للموافقة على شركائنا الأجانب، ولكن بالطبع، بالنسبة إلى أصدقائنا الصينيين ليست هناك أية قيود”.
إن المال الصيني سوف يغذّي طموحات بوتين ويجعله أقل عرضة للضغط الإقتصادي الغربي، مع ذلك فإن الحل الذي إعتمده يخلق تعقيدات جديدة. أولاً، سوف يعرف الزعيم الروسي ما هو الحال عندما يكون تحت رحمة طرف مقابل لا يرحم. إن لعبة الكرملين القائمة على فرّق تسد التي إستخدمها ل”البلطجة” على مشتريي الغاز الأوروبيين لا يستطيع إستعمالها مع الصينيين، إذ أن بكين لم تترك نفسها عرضة مثل الأوروبيين. إستخدمت الصين مؤسسة البترول الوطنية الصينية في جميع الصفقات الكبرى مع موسكو، إضافة إلى الشركة الأصغر “يامال للغاز الطبيعي المسال”. سوف يعرف بوتين كيف يمكن أن تكون الحياة بائسة عندما يكون هناك فقط زبون رئيسي واحد في آسيا لموارده الهيدروكربونية.
ثانياً، قد لا يكون الصينيون بحاجة إلى جميع الهيدروكربونات التي إلتزموا بشرائها. للوهلة الأولى، يبدو أنهم سيضطرون إلى مواصلة البحث عن النفط والغاز، فيما تبيّن كل التوقعات زيادة الطلب. على سبيل المثال، تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن البلاد سوف تستهلك أكثر من ضعف ما تستهلكه أميركا في 2040. إن تنبؤات كهذه هي أساساً نتاج إستقراء، ومع ذلك، فإن الطلب على الطاقة في الصين يمكن أن يكون مسطحاً إذا إستمر قطاع الصناعات التحويلية بالإنخفاض. هناك دول أخرى في آسيا — وخصوصاً اليابان وكوريا الجنوبية– لكنها سوف تساوم على تخفيض الأسعار إذا توقف الصينيون عن إلتزاماتهم بالشراء.
المشكلة في نهاية المطاف لبوتين وشركاه هي أن الصين ليست شريكة مناسبة للإقتصاد الروسي. نعم، تُعتبر الصين أكبر شريك تجارى لروسيا، حيث بلغ حجم التجارة في الإتجاهين 90 مليار دولار في العام الفائت، ويهدف البلدان إلى الوصول إلى 200 مليار دولار في عشر سنين، ولكن هناك حدوداً لهذا النمو.
الصين تريد فقط السلع والتكنولوجيا العسكرية من روسيا، ولكن للأسف، بالنسبة إلى علاقات على المدى الطويل، فإن الصينيين لا يفعلون أو يصنعون ما يسعى إليه الروس، معدات متقدّمة لصناعة تكرير النفط ومواد الترف. لا تزال أوروبا والولايات المتحدة أفضل الشركاء الإقتصاديين لروسيا، كما تشير المحامية الأميركية مارلين كروزكوف.
لأسباب جيوسياسية، فإن موسكو سوف تبني إقتصادها على أساس مبيعات الطاقة إلى الصين. سوف تجد روسيا في بكين الدعم والتشجيع اللذين لا تجدهما في عواصم أخرى بسبب سلوك الكرملين الخارجي. في المدى الطويل، مع ذلك، إن الأمر أبعد ما يكون من اليقين بأن روسيا يمكن أن تحافظ على الحيوية الإقتصادية من خلال إعتمادها بشكل أساسي على الصينيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى