المعركة ضد التطرف تطيل عمر نظام الأسد

دمشق – محمد الحلبي

كان جهد النظام السوري في أواخر الشهر الفائت، الذي إنصب على تصوير نفسه بأنه جزء من التحالف ضد الإرهاب، غنياً بالسخرية والإبتذال. في مؤتمر صحافي في دمشق، أعلن وزير خارجيته وليد المعلم أن سوريا مستعدة للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، التي تجسّده “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش).
لم يغب عن بال أحد بعد بأن نظام الرئيس بشار الأسد هو الذي سهّل صعود “داعش”، في جزء كبير منه لخلق العدو الذي يسمح له بتصوير نفسه على أنه ضحية الإرهاب. مع ذلك، لنضع نفاق الوزير المعلم جانباً، إن النظام السوري، في جهوده من أجل البقاء مهما كلّف الأمر وعبور الإضطرابات الداخلية التي بدأت في العام 2011 إلى برّ الأمان، قد إشترى وقتاً قيِّماً أكثر ليقوم بذلك بالضبط.
سارعت الولايات المتحدة وألمانيا إلى التنديد بدعوة سوريا، متهمتين نظام الأسد بإرتكاب جرائم فظيعة في الداخل، وبأنه مسؤول عن السماح ل”داعش” في التوسع. وردت إدارة أوباما بأنها ستواصل العمل مع الجماعات “المعتدلة” في سوريا وليست لديها نية للتعاون مع السلطات السورية في دمشق.
ومع ذلك، وبصرف النظر عن المبادىء الأميركية والألمانية، فإن قراراً أميركياً بمحاربة “داعش” داخل بلاد الشام قد يؤدي حتماً إلى التعاون الضمني بين نظام الأسد وواشنطن. والسبب هو أن الغارات الجوية تكون أكثر فعالية جنباً إلى جنب مع القوات البرية، وليس هناك العديد من الأماكن حيث أن “المعتدلين” السوريين، على النقيض من جيش النظام، يمكنهم الإستفادة من الهجمات الأميركية.
بطبيعة الحال، تستطيع الولايات المتحدة قذف قنابلها وصواريخ طائراتها على أهداف ثابتة لإضعاف القدرات العسكرية ل”داعش”، ويمكنها إستخدام طائرات من دون طيار لإغتيال قادته. ومع ذلك، إذا كان الهدف هو هزيمة التنظيم، فإن ذلك يتطلب جهداً أكثر منهجية لإستعادة الأراضي، وهذا يعني الإعتماد على مقاتلين على الأرض.
إن هذا لا يعني أنه سيكون هناك تنسيق متّسقاً بين الولايات المتحدة والجيش السوري. في الواقع إنه من غير المحتمل أن يحدث هذا الأمر. ومع ذلك، فإنه يمكن أن يعني أن تفاهمات حصلت، ربما من خلال أطراف ثالثة، مفادها أنه إذا حدثت هجمات في بعض المناطق يمكن للجيش السوري الإستفادة من ذلك.
إن رفض إضفاء الشرعية على الأسد لم يكن خالياً من الغموض.
في الأسبوع الأخير من آب (أغسطس)، على سبيل المثال، إجتمع وزراء خارجية خمس دول عربية مشاركة في مجموعة أصدقاء سوريا في جدة. الغرض من الإجتماع، على النحو الموجز في بيان وزارة الخارجية المصرية، كان لبحث “حل سياسي” للنزاع السوري بعد “توسّع وصعود “داعش” في العراق وسوريا، الأمر الذي يهدّد الأمن الإقليمي”.
في حين أن لا شيء من هذا يتناقض تحديداً مع مواقف سابقة لهذه الدول، فإن اللهجة بدت مختلفة. لقد مضى بعض الوقت منذ أن تحدّثت الدول العربية عن “حلّ سياسي” في سوريا، بالنظر إلى أن المصطلح كان يُستخدم من قبل النظام السوري ومؤيديه الروس والإيرانيين ليعني حلاً من شأنه أن يشمل شخصيات النظام، وقبل كل شيء الرئيس الأسد.
علاوة على ذلك، أشار الربط بين الحل السياسي وصعود “داعش” إلى أن هناك مجموعة جديدة من الأولويات موجودة في سوريا: نهاية الصراع هناك أمر ضروري لمواجهة التهديد الإقليمي الأكبر الذي يشكّله “داعش”. وهذا يعني بأن التخلص من بشار الأسد قد يكون الآن صار ثانوياً.
والإشارة إلى حل سياسي تُمثّل، إذا كان أي شيء، الإعتراف بأنه ليس هناك حلّ عسكري في سوريا. في حين أنه يمكن لبعضهم أن يلوم الدول الغربية لتردّدها في تسليح المتمرّدين السوريين، وأميركا لعكس قرارها في العام الفائت لقصف جيش الأسد عندما إستخدم أسلحة كيميائية ضد المدنيين، فإن الدول العربية كانت منقسمة حول سوريا.
الأردن، أحد المشاركين في الإجتماع الوزاري في جدة، رفض السماح بإمدادات أسلحة نوعية من خلال حدوده. فهو يخشى فتح جبهة الجنوب الأمر الذي من شأنه زعزعة إستقرار المملكة. هذا أمر مفهوم نظراً إلى الأوضاع المتقلبة جداً على الحدود السورية في مكان آخر.
كما أنه ليس واضحاً مطلقاً إذا كان هناك عزوف مماثل من عواصم عربية أخرى بالنسبة إلى إتخاذ وتحمل المخاطر لإسقاط نظام الأسد. علماً أن هذا النظام سعى طويلاً إلى السماح بظهور الجماعات المتطرفة في المعارضة السورية من أجل تصوير نفسه على أنه البديل الأفضل. إن القمع الوحشي لشعبه، عرف الرئيس السوري، من شأنه أن يسرّع في هذه العملية.
اليوم، مع ذلك، باتت المعادلة واحدة بسيطة بالنسبة إلى العديد من الحكومات الأجنبية: إذا إنهار النظام السوري، فهذا من شأنه أن يترك فراغاً ل”داعش” لإستغلاله.
من جهة أخرى، إذا إستولى التنظيم التكفيري على دمشق لن يكون ذلك مرعباً فقط لإيران وروسيا المؤيدين الرئيسيين للأسد، ولكن أيضاً لمعظم الدول العربية وإسرائيل. وهذا هو السبب في أن الدول الغربية، حتى لو كانت تكره النظام السوري، تشعر بأن لديها مصلحة في بقائه.
ولكن هل هذا يعني أن الأسد إنتصر على الصعاب وسيبقى في منصبه؟ إن إستنفاد الشعب السوري قد يساعده، ولكن بعد المذبحة التي أشرف عليها في سوريا، فإن بقاءه طويلاً ليس مضموناً مطلقاً. إن الأسد بحاجة أيضاً إلى إعادة بناء سوريا لتوطيد سلطته. لكن ذلك سيتطلب مساعدات مالية ضخمة حيث أن عددا قليلاً من الدول على إستعداد لمنحه ذلك.
إلى الآن على الأقل، وصل الأسد إلى محطة – طريق جديدة في جهوده للبقاء في منصبه؛ وهي تُدعى مكافحة الإرهاب. يا لها من سخرية بأن النظام الذي أظهر موهبة متأصّلة بإستخدام السلوك الإرهابي يستطيع الآن إستخدامه عكسياً مدّعياً محاربته لأخذ الدم لبث الحياة من جديد في شرايينه ولو مؤقتاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى