الكويت على مفترق طرق

منذ سنوات ثلاث والمحاولات جارية في الكويت للضغط على الحكومة من أجل إدخال إصلاحات في النظام السياسي، لكن أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح والعائلة الحاكمة والحكومة لم يتجاوبوا مع هذه المحاولات الأمر الذي أحدث بعض الإحتجاجات والتظاهرات وأدى إلى خلق نوع جديد من المعارضة لم تعرفه الدولة الخليجية في تاريخها ووضع الكويت على مفترق طرق.

التظاهرات في الكويت في 2011: هل تعود لتحقق الإصلاحات؟
التظاهرات في الكويت في 2011: هل تعود لتحقق الإصلاحات؟

الكويت – خالد الديب

على الرغم من أن الكويت لم تَعرف تغييرات كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية فهذا لم يكن بسبب عدم وجود محاولات. في العام 2011، في الوقت “المُسكِر” لبداية الإنتفاضات العربية في أنحاء المنطقة، دخلت الكويت عهداً جديداً مليئاً بالتحدّي تقوده الحركات الشبابية وقوى المعارضة الشعبية التي إلتزمت الإصلاح الحكومي الذي يدعو بشكل خاص إلى نظام إنتخابي أكثر تمثيلاً، وقانون يسمح بإنشاء الأحزاب السياسية، ومشاركة شعبية واسعة في تشكيل الحكومة. في حين ووجه هذا الحراك لقوى المعارضة بالهياكل السياسية والإقتصادية الصارمة والجامدة التي تجعل الإصلاح في الكويت صعباً، فإنها ليست سوى مسألة وقت قبل أن تستسلم البلاد للتغيير.
الواقع أن هناك أسباباً حتمية لذلك. أولاً، إن الكويت حالة خاصة في منطقة الخليج العربي من حيث الحكم. وعلى الرغم من كونها ملكية (أميرية) شبه دستورية، فإن مواطنيها يتمتعون بهامش من الحرية الذي لا وجود له في دول الخليج الأخرى. ويمكن رؤية هذه الحرية في كيفية تعبير الكتاب والمفكرين الكويتيين عن أفكارهم حول أهم القضايا في بلدهم وفي المنطقة. ويمكن أيضاً رؤيتها في المعارضة النابضة بالحياة، والتي تتألف من الإسلاميين والليبراليين الذين ينقلون ضغوط جمهور معبّر. هذه الظروف تعود جزئياً إلى قدرة عائلة آل الصباح المالكة على الإرتقاء إلى مستوى بنود دستور العام 1962 شبه الديموقراطي، ولو كان أحياناً بتردد.
ثانياً، إن التغيير الإجتماعي والثقافي خلال العقد الفائت قد أثّر بشدة في المجتمع الكويتي وزاد الوعي المدني. فإرتفاع مستوى التعليم بين الشباب المتزايد عددهم — حالياً 70 في المئة من المواطنين هم تحت سن 29– جنباً إلى جنب مع العولمة وشبكات التواصل الإجتماعي ساهمت في ظهور قوى جديدة في المجتمع. ومن بين هذه القوى تبرز الطبقة الوسطى التي باتت تُدرك بشكل متزايد مدى سوء الإدارة الحكومية وإرتفاع مستويات الفساد وإنعدام الشفافية الإقتصادية. كما أن الفئات المهمَّشة مثل الشباب والقبائل والبدون هم أيضاً يطالبون بشكل واضح أكثر بحقوقهم.
ثالثاً، إن الإرادة والضغط السياسيين لم يصلا بعد إلى الجمهور الكويتي بشكل عام، ولكنهما سيصلان بالتأكيد. وفي غياب الإصلاح، فإن رزمة كبيرة أخرى من المطالب والتعبير السلمي ليست سوى مسألة وقت قبل أن تنطلق مجدداً، لذا فمن المرجح أن يحمل المستقبل نتائج أكثر دراماتيكية.

التغيير الإجتماعي والثقافي

خلال خمسينات وستينات القرن الفائت، ظهرت معارضة قائمة على الأفكار القومية العربية بين المجموعات التجارية الحضرية. لذا عمدت النخبة من آل الصباح، وخصوصاً بعد وفاة الأمير التقدمي عبد الله السالم الصباح في العام 1965، إلى التحالف مع القبائل فيما كانت تحاول جعل النخبة التجارية أكثر إعتماداً على المشاريع التي ترعاها الحكومة. من خلال هذه الإستراتيجية، تم جلب القبائل إلى العملية السياسية لتقويض المواقف الحرجة للطبقة الوسطى في المناطق الحضرية. في مقابل دعم القبائل، قدّم النظام، الذي يهيمن عليه آل الصباح، إلى زعمائها المساعدة المباشرة ولأفرادها ككل فرص العمل. الواقع، إن إعتماد نخبة العائلة المالكة على الدعم القبلي هو واحد من الأسباب الذي جعل الحكومة قادرة على إحباط تطور الطبقة الوسطى الحضرية المعارضة وتأخير ظهور “أجندة” فعّالة للإصلاح. ومع ذلك، في حين عملت هذه الصيغة بطريقة جيّدة خلال ستينات وسبعينات القرن الفائت، فإنها بدأت تواجه تحديات في ثمانينات القرن العشرين.
في هذه الأثناء كان أفراد القبائل المختلفة يواصلون الإنتقال من مراكزهم الصحراوية والسكن إلى جانب بعضهم البعض حول مدينة الكويت، وشرعوا في الإندماج في الحياة الحضرية الكويتية حيث شهدوا نمواً هائلاً في المؤهلات العلمية والمهنية. وفي تسعينات القرن المنصرم، أصبح العديد منهم أساتذة جامعات بارزين ومهندسين وأطباء ومحامين ورجال أعمال. ومع مرور الوقت صارت مناطقهم مكتظة بالسكان وبدأوا يعانون من عدم كفاية الخدمات.
بسبب إرتفاع معدلات المواليد لديهم، يمثّل أفراد القبائل اليوم نسبة مقدّرة ب60 في المئة من سكان الكويت. لكن على الرغم من بروز القبائل كغالبية ديموغرافية، فقد واصلت الأسر التجارية الحضرية هيمنتها على الساحات الإقتصادية من طريق سيطرتها على القطاع الخاص والتأثير في القرارات الرئيسية. هذا المزيج المؤلّف من هذه الثروة الحضرية المركّزة بشكل مفرط والنظام السياسي الذي يهيمن عليه آل الصباح ساهم ببطء في تسييس القبائل.
إن عدم قدرة القبائل على كسب النفوذ والمكانة بما يتناسب مع عدد أفرادها دفعها إلى البحث عن ممثلين قادرين على التعبير عن مطالبها. لذا كانت الرغبة في إسماع الصوت الطريق الذي عبرت منه الحركات الإسلامية إلى المناطق القبلية، ما أدّى إلى نوع جديد من ناشطي القبائل وتمثيل برلماني مستقل من شيوخ القبائل الموالين للحكومة. لقد أصبح أعضاء البرلمان من المناطق القبلية أصغر سناً وأكثر تعليماً، وفي أواخر تسعينات القرن الفائت بدأت هذه المجموعة تشكّل حركة المعارضة الجديدة في الكويت. وهكذا قدّم البرلمان الكويتي للقبائل فرصة لتجديد ديناميات السلطة في البلاد.
إن تحوّل القبائل إلى قاعدة للمعارضة السياسية والإحتجاجات الشعبية والحراك الإجتماعي وحركات الشباب ليس مستغرباً أو مفاجئاً نظراً إلى وضعها بإعتبارها من قطاع المحرومين نسبياً في المجتمع الكويتي، ومتخلفة في مجال الخدمات والتعليم و–حرفياً ومجازياً– تعيش على هامش العاصمة. إن أي إعادة ترتيب مرغوب فيه من جانب القبائل يتطلب بناء هيكل سياسي وإقتصادي قائم على المزيد من المساواة لكل مواطن. لهذا السبب، لدى هذه المجموعة مصلحة في الإصلاح السياسي والمدني، والذي سوف ينتهي مع تخلي آل الصباح عن بعض آليات النفوذ في الدولة وأجهزتها. كحد أدنى، يسعى أعضاء القبائل إلى المساواة كمواطنين وإنهاء الحرمان النسبي والعزلة.
من جهة أخرى، ضمن الإنقسام الحضري -القبلي، هناك عناصر من المثقفين المستنيرين والمسيّسين في المركز الحضري لديها تاريخ في دعم الإصلاح. فجماعات ليبرالية مثل “المنبر الديموقراطي” و”التحالف الوطني” جنباً إلى جنب مع الجماعات الإسلامية تعكس الرغبة في المساواة والديموقراطية والمشاركة في تشكيل الحكومة. وهذه القوى كانت لها منابر إصلاح نشيطة بين الحركات الشبابية والشعبية في المناطق القبلية والحضرية على حد سواء.
بينما تجنّس العديد من أفراد المجموعات القبلية في ستينات القرن الفائت فإن بعضهم بقي من دون جنسية– وقضية “البدون”، التي تُعرّف ب”الأشخاص الذين هم من دون وثائق قانونية”، بدأت تتطور إلى مشكلة خطيرة خلال العقود التالية. ينتمي “البدون” في معظمهم إلى القبائل الذين هاجروا الى الكويت من مناطق أخرى مثل العراق والسعودية وسوريا، للإلتحاق بالاقارب الذين تم تجنيسهم. على عكس أقاربهم، فقد وصلوا بعد فوات الأوان. ويزعم العديد منهم أنهم من صحراء الكويت، ولكن ليست لديهم أوراق ثبوتية أو لم تجدّد جوازات سفرهم الأصلية أو بطاقات الهوية الوطنية. ونتيجة لذلك، تم رفض طلباتهم للحصول على الجنسية.
على مدى عقود، إرتفع عدد هذه المجموعة إلى 200،000 شخص. اليوم يبلغ عدد “البدون” حوالي 120،000، حوالي عشرة في المئة من سكان الكويت، بعد هروب عدد كبير منهم على خلفية قبلية عراقية بعد الغزو العراقي في 1990 حيث خافوا من الإنتقام عندما تحرّرت الكويت.
كان “البدون” في وقت سابق يُعتَبرون “كويتيين في الإنتظار” وقد أدرجوا في الإحصاءات السنوية للكويتيين. ويمكنهم الحصول على الإمتيازات الأساسية للتعليم العام، والإستشفاء المجاني، والخدمات الأخرى. وقد نشأت مشاكل “البدون” في العام 1988، عندما بدأت الحكومة حرمانهم من بعض الإمتيازات التي مُنحت لهم في السابق. ثم، في العام 1991، وبعد تحرير الكويت من الإحتلال العراقي، كانوا يُعامَلون كأجانب غير قانونيين وضُغِط عليهم لمغادرة البلاد.
وإرتبط هذا التغيير في المعاملة بحقيقة أنه بعد تحرير الكويت، أرادت الحكومة أن تكون لدى كل مقيم أوراق قانونية لكنها لم تضع وسيلة أو تشريعاً لتحقيق حقوق التجنس أو الإقامة. لقد إتخذت قراراً يفيد بأن أي شخص في حالة “البدون” غير قانوني ويجب أن يُظهر وثائق من بلده الأصلي. وبما أنهم مقيمون بصورة غير قانونية فإنه يُحظَّر على “البدون” الحصول على بطاقات هوية مدنية وشهادات ميلاد وزواج ورخص قيادة أو عمل، وأصبحت محنتهم مصدراً للإحتجاج ونشاط جمعيات حقوق الإنسان.
منذ العام 2011 إنضم “البدون” إلى تظاهرات في الشوارع مع المعارضة الكويتية، كما أن الناشطين الكويتيين وجماعات الإصلاح أيضاً تحالفوا مع حركة “البدون”. علماً أن أعضاء هذه الحركة الذين كانوا يحتجّون هم من الشباب وينتمون إلى الجيل الثالث من “البدون” في الكويت.
من جهة ثانية، يمثّل الشيعة، أقلية أخرى في الكويت، من 20 الى 25 في المئة من السكان. إنهم بغالبيتهم مجموعة حضرية هاجروا على مراحل من الخليج العربي والعراق وإيران. وقد كان لرسالة “الثورة الإسلامية الإيرانية” تأثير في بعض قطاعات المجتمع الشيعي في الكويت الذي أدى بدوره إلى تشكيل مجموعات شيعية سياسية قائمة.
في حين أن الشيعة يرغبون في الحصول على دور أكبر والمزيد من الإحترام لحقوقهم، فقد شعروا في السنوات الأخيرة بأنهم أقرب إلى النظام السياسي القائم، وبالتالي أقلّ إستعداداً مما كانوا عليه في الماضي للإنضمام إلى دعوة المعارضة. على هذا النحو، فإن الشيعة لم ينضموا إلى المعارضة بعد الإنتخابات التي جرت في البلاد في العام 2012، ولكن موقفهم قد يتغير إعتماداً على كيف ينظرون إلى حقو قهم السياسية وحقوق الإنسان في كويت متطورة.
على سبيل المثال، إنضم الشيعة إلى الجماعات السنية الإسلامية والأحزاب الليبرالية في معارضة التصديق على الإتفاقية الأمنية مع دول مجلس التعاون الخليجي في شباط (فبراير) 2014 بسبب خوفهم من فقدان حقوقهم للنهج الأمني السائد في بلدان مجلس التعاون. وقد إعتبرت قوى المعارضة الإتفاقية بأنها تتعارض مع مواد وبنود الدستور الكويتي بالنسبة إلى حرية الرأي وحقوق الإنسان. علماً أن بقية دول مجلس التعاون الخليجي قد وافقت على الإتفاقية.
على المنحى الآخر، يخشى الشيعة بعض قطاعات الغالبية السنية في الكويت، وخصوصاً الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تعتبر أعضاء طائفتهم مرتدّين. هذا التعصّب السني يساهم في التعصب الشيعي والعكس صحيح. وتنعكس العلاقات السلبية بين الإثنين أحياناً على علاقاتهما التجارية وتفاعلاتهما الشخصية. ومع تورط الجهاديين السنة و”حزب الله” اللبناني المستمر في النزاع السوري، فقد إرتفعت وتيرة التوترات السنية – الشيعية في الآونة الأخيرة. وبغض النظر عن ذلك، فقد إجتاز الشيعة شوطا طويلاً في الكويت، ومقارنة مع إخوانهم في دول الخليج الأخرى، فقد حققوا قدراً من المساواة مع الغالبية السنية على الرغم من إستمرار التمييز في بعض المجالات والمناطق.
أصبح القبائل و”البدون” وإلى حد أقل الشيعة، أكثر صخباً ويطالبون بحقوقهم فيما صار الهيكل السياسي والإقتصادي في الكويت أكثر فأكثر تحت هيمنة النخبة الإقتصادية والإجتماعية الحضرية. وهذا الوضع قيَّد على نحو متزايد فرص التحرك، والمشاركة السياسية، وتحقيق المساواة لكتلة كبيرة من السكان. في حين كانت القبائل و”البدون” في مقدمة إحتجاجات المعارضة منذ العام 2011، فإن دعواتهم إلى التغيير لم تلقَ سوى جمود من المؤسسات الرسمية وآذان صماء من السلطة، الأمر الذي قيّد تأثيرها المحتمل حتى الآن.

القضية الجوهرية: الديموقراطية الجزئية

وفقاً للدستور الذي وضع في العام 1962، إن أمير البلاد هو دائماً من آل الصباح، ولا سيما من سلالة مبارك الصباح، الذي تولّى السلطة في الكويت بعد إنقلاب في نهاية القرن التاسع عشر. حتى العام 2003، كان ولي العهد دائماً يتسلّم منصب رئيس الوزراء، ولكن نتيجة لضغط الرأي العام والمرض الشديد الذي ألمَّ بولي العهد آنذاك الشيخ سعد العبدالله الصباح، دفعت الكويت تجربتها الديموقراطية خطوة إلى الأمام حينما قرر الأمير السابق الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح بفصل ولاية العهد عن رئاسة مجلس الوزراء. ومع ذلك، فإن الأمير بقي هو الذي يختار رئيس الوزراء من داخل أسرة آل الصباح.
يتكون مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي من 50 نائباً من الأعضاء المنتخبين من المعارضة ومجموعات من الموالين للحكومة، فضلاً عن المستقلين. من جهتها تتفوق السلطة التنفيذية، الممثلة من الأمير والأسرة الحاكمة بالحقوق، بما في ذلك الحق في تشكيل الحكومة. علماً أن تصويت الأعضاء ال15 لمجلس الوزراء في البرلمان، يعطي الحكومة ميزة هائلة في عمليات التصويت ويجعل العدد الإجمالي لأعضاء البرلمان حوالي 65. (العدد يمكن أن يكون 64 أو أقل إذا واحد أو أكثر تم إختياره ليكون بين الأعضاء المنتخبين للخدمة في مجلس الوزراء). الواقع أن الصراع بين برلمان ضعيف وحكومة أقوى متأصل في مثل هذا الهيكل.
إن معضلة المعارضة الكويتية تكمن في هذا الخلل في النظام السياسي، وغياب البرلمان عن تشكيل الحكومة، وعدم وجود إنتخابات على أساس التنافس بين الأحزاب السياسية. إن الجماعات السياسية الكويتية تعمل بطريقة غير رسمية من دون قوانين تحكم دورها أو حقوقها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لكل نائب في المعارضة إتخاذ أي موقف يريد، الأمر الذي يجعل من الصعب وضع سياسات متماسكة ومدعومة بقوة.
الديموقراطية الجزئية الكويتية تتناسل و”تتنفس” أزمات. إن المشكلة الأساسية هي أنه، بإستثناء تنفيذ حق التصويت للنساء في العام 2006، لم تطوّر الكويت تقاليدها السياسية منذ العام 1962، كما أنها لم تعدّل الدستور لتطوير ديموقراطيتها. وقد أنتج هذا الركود خلافات لا يمكن حلّها إلا من خلال التطوير السياسي. إن المجتمع قد تطوّر وتغيّر، لكن الهياكل السياسية الحاكمة بقيت على ما هي عليه.
نشأ البرلمان على عادة إستخدام ما لديه من موارد قليلة لتحدّي وإضعاف قبضة الحكومة التي يهيمن عليها آل الصباح التي تتحكّم بكل مفاصل السلطة. يقوم النواب بإنتظام بإستجواب وزراء في جلسات إستماع، ما يجعل الأمر غير مريح بالنسبة إلى هؤلاء الوزراء لتنفيذ كل ترغب به الحكومة. خلال السنوات القليلة الماضية تعرّض أفراد من عائلة الصباح في الحكومة لهذه المعاملة، بما في ذلك التصويت بحجب الثقة. وقد أدى هذا الوضع إلى سلسلة من الأزمات الحكومية وحل متكرر للبرلمان، وبالتالي إلى إجراء إنتخابات جديدة.
من جهة أخرى، إن المنافسة السياسية بين أعضاء بارزين من عائلة الصباح لم تؤدِّ إلّا إلى تفاقم مشاكل هذا الحكم. يسعى أفراد من الأسرة الحاكمة إلى النفوذ من طريق شراء وسائل الإعلام مثل الصحف وقنوات التلفزيون. ومع مسألة الخلافة حاضرة بشكل دائم، فإن المنافسة هي أكثر وضوحاً بين الأجيال المتوسطة والشابة من آل الصباح. بعضهم يحظى بشعبية كبيرة بين السكان وله حلفاء داخل المعارضة، والتي ستكون لها أهمية حاسمة إذا نفّذت الإصلاحات السياسية. مثل هذا التطور في علاقات آل الصباح مع المعارضة يمكن أن تعزّز “أجندة” الإصلاح مع مرور الوقت.

هيمنة الدولة على الهياكل الإقتصادية

هناك مشكلة مركزية لسوق العمل الكويتية تكمن في أن غالبية خريجي الجامعات في البلاد تعمل في وظائف رسمية حكومية. في الواقع، تستخدم الدولة 90 في المئة من القوى العاملة. وعلى الرغم من أن المستشارين الدوليين قد شجّعوا على نمو القطاع الخاص، فإن هذه النصيحة نُفذّت بدرجة محدودة جداً. مازال معظم الكويتيين ينجذبون إلى ساعات إسترخاء العمل الحكومي مع سياسات مرتبات سخية وعطلة.
وكشفت سلسلة من الإضرابات في العام 2011 قضية إقتصادية أخرى. فقد نظّم المعلمون وعمال الجمارك والقضاة وغيرهم من المهنيين إحتجاجات للمطالبة بزيادة الرواتب وفقاً للتضخم. وقد أسفرت أعمالهم عن خسائر كبيرة للتجار، وفي النهاية لم يكن أمام الحكومة أي خيار سوى الموافقة على العديد من مطالب المضربين. مع إفتقارها إلى تقاليد أكثر تطوراً من العمل النقابي أو نظام الموارد البشرية وجداول للرواتب، فإن الحكومة الكويتية مع بيروقراطيتها الضخمة ليست مجهّزة للتفاوض مع قطاع عمل منظّم.
من المهم أن نتذكر أن الكويت تعتمد على سلعة واحدة، النفط، ذلك أنها حاولت وفشلت في وضع إستراتيجية للتنويع الإقتصادي. وتنفق الإمارة الخليجية اليوم 60٪ من دخلها و80 في المئة من موازنتها السنوية على رواتب الدولة الرسمية. مع إرتفاع مستوى أسعار النفط حالياً، فإن الكويت تعيش جيداً من دون أي مشكلة ويمكنها أن توازن موازنتها. ولكن إذا عرفت الأسعار إنخفاضاً حاداً يمكن عندها أن تواجه الكويت صعوبة لتلبية دفع الرواتب وغيرها من الإلتزامات. مع تطوير مصادر جديدة للنفط والطاقة في أماكن أخرى، فإن مشكلة التنويع الإقتصادي في الكويت سوف تزداد حدة.
إن رؤوس الأموال الخاصة بالطبقة التجارية هي واحدة من أهم العوامل لتنمية الكويت مستقبلاً. إلا أن أكبر شكوى من المستثمرين المحتملين كانت البيروقراطية الكويتية والقيود على القطاع الخاص، والكثير منهم يعتمد بشكل مفرط على الحكومة للحصول على عقود ومشاريع. وبطبيعة الحال، يتم تحديد العديد من العقود من طريق العلاقات السياسية، الأمر الذي يحفز بعض رجال الأعمال إلى الإنتقال إلى بلدان أخرى مع عدد أقل من العقبات. ونتيجة لذلك فإن الكويتيين هم بين كبار المستثمرين في دبي. لقد فعلوا جيداً أيضاً في الخليج ومصر ولبنان وأماكن أخرى في قطاعات مثل الغذاء والكساء والضيافة. أما في الكويت فإن أنشطتهم قد ركدت.
مع إعتماد المواطنين عامة على مثل هذا النظام الإقتصادي الجامد المعتمد على الوظائف الحكومية والمحسوبية، فإن جهود الإصلاح -الاقتصادي والسياسي- تبدو في وضع حرج. مع ذلك، ما كان يعتبر مناسباً ومقبولاً في الكويت في ستينات القرن الفائت لم يعد كذلك حالياً، فيما التغيّر الحاصل في بنية المجتمع الكويتي، وخصوصاً التحوّلات الإجتماعية والتعليمية، لا ينعكس في السياسة أو التسلسل الهرمي في إدارة البلاد. إن السلطات ليست قريبة بأي حال من إبتكار حل لحاجة البلاد للتنويع الإقتصادي والخصخصة، ولا للإدارة الجامدة التي تعاني من زيادة الفساد. بدلاً من ذلك فهي تفضل التعامل مع أشخاص تعتبرهم موالين على حساب أولئك الذين قد يكونون أفضل مهارة وكفاءة. هذه الممارسة لا تؤدي إلى تشجيع المواطنين على العمل.

بذور عاصفة

في العام 2011 إلتقى عدد من المنظمات الشبابية المستقلة، بدعم من أعضاء المعارضة البرلمانية وإشتراك الإسلاميين وكذلك الجماعات العلمانية، حول برنامج يركّز على تغيير الحكومة. وقد إستهدفت شعارات هؤلاء محاربة الفساد وإقالة رئيس الوزراء آنذاك الشيخ ناصر محمد الأحمد الصباح، الذي تولّى السلطة منذ العام 2006.
وفي خريف ذلك العام، فُتِح صندوق من الفضائح عندما سَرّبت بنوك معلومات تكشف عن حسابات ضخمة ل15 عضواً في مجلس الأمة. وقد ضمت هذه اللوائح المصرفية حيازات ودائع بملايين الدولارات ولكن مع عدم وجود مؤشر إلى أصول الأموال. لذا إتّهم زملاء برلمانيون وأعضاء من الجمهور هؤلاء النواب بقبولهم رشاوى مقابل التصويت لصالح الحكومة.
قادة حركة المعارضة، الذين تأثّروا بالأحداث المحلية و”الربيع العربي”، نظّموا تجمّعات أسبوعية في الفضاء العام بجوار مبنى البرلمان. وبدأت الإعتصامات في ربيع 2011 مع بضع مئات فقط من المشاركين، ولكنها نمت في الخريف مع طاقة متجددة وحافز آخر بعد فضيحة الرشوة. في 16 شباط (نوفمبر) 2011، إقتحم عدد كبير من الشبان بدعم من أعضاء المعارضة في البرلمان، مثل مسلم البراك، مبنى البرلمان بهدف الضغط من أجل إستقالة رئيس الوزراء. كما تجمّع عشرات الآلاف في شوارع مدينة الكويت للمطالبة بالشيء عينه.
قدّم رئيس الوزراء إستقالته في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011. وكانت أول إستقالة تنتج من الضغط الجماهيري والشعبي في أي دولة خليجية. وجاء حل مجلس الأمة في 6 كانون الأول (ديسمبر) 2011، مع تحديد موعد الإنتخابات التشريعية الجديدة في 2 شباط (فبراير) 2012.
بعد إقتحام مبنى البرلمان، ألقت السلطات الأمنية القبض على عدد من الناشطين الشباب. وأدى ذلك إلى تجمعات يومية نظمتها شابات أمام وزارة العدل للمطالبة بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين. هؤلاء المشاركات والمشاركين في التجمعات صاروا ملمّين بمثل هذه التكتيكات بمتابعتهم للأحداث الجارية في المنطقة. من جهتهم فإن الأساتذة والكتاب الذين لم يشاركوا في التظاهرات إنخرطوا مع المتظاهرين في مناقشات حول الديموقراطية وحقوق الإنسان والإصلاح.
وشهدت الإنتخابات التشريعية في شباط (فبراير) 2012 تحوّل 35 من 50 مقعداً في مجلس الأمة إلى مرشحي المعارضة، الأمر الذي عكس يومها مناخاً من السخط في المجتمع الكويتي. وقد مثلت النتائج للمرة الأولى هيمنة المعارضة على السلطة التشريعية، ومنحت بعض الأمل في إمكانية وضع رئيس الوزراء الجديد، جابر المبارك الصباح، الذي عينه الأمير وفقاً للدستور، تحت ضغط وذلك للتأثير على الحكومة.
وطرح أعضاء البرلمان الجديد، بقيادة مسلم البراك ودعم حركة الشباب في الشارع، فكرة الحكومة البرلمانية في الكويت وطالبوا بنصف مقاعد مجلس الوزراء. في حين أن هذا لم يحدث، فإن مجلس الأمة هذا كان أكثر حزماً من أي برلمان عرفته الكويت، بتقديمه قانون يضمن إستقلال المحاكم. ولكن، قبل ثمانية أيام من التصويت على هذا القانون الذي كان سيجري في حزيران (يونيو) 2012، حلّت المحكمة الدستورية البرلمان، معللة قرارها بخلل إجرائي حدث في الدعوة التي وجهها الأمير سابقاً إلى إنتخابات جديدة. وهذا قد أثار العديد من الأسئلة بشأن حياد القضاء.

تغيير نظام التصويت

بعد حل البرلمان، طلبت الحكومة من المحاكم مراجعة دستورية على نظام “خمس دوائر إنتخابية، أربعة أصوات” وما إذا كان يمكن أن يستمر لإستخدامه في إنتخابات مقبلة. وبالتالي بدا من الواضح أن الحكومة كانت قلقة من التكرار المحتمل لإنتخابات شباط (فبراير) 2012 التي حملت الغالبية للمعارضة.
كان نظام التصويت في الكويت في ذلك الوقت نتاج مطالبة حركة الشباب في 2005 لإصلاح النظام الإنتخابي، حيث وافقت في حينه الحكومة والبرلمان على تقسيم البلاد إلى خمس دوائر إنتخابية وإعطاء كل ناخب حق التصويت لأربعة مرشحين في دائرته. وقد جرت إنتخابات عدة على أساس هذا الترتيب حتى أدركت الحكومة أنه من المرجح أن يُنتِج قوى خارجة عن سيطرتها وتشكل بالتالي برلماناً قد يُقدِم على تقنين الأحزاب السياسية والحصول على نفوذ أوسع على حساب السلطة التنفيذية.
تحت نظام “الدوائر الخمس والأربعة أصوات”، يتم إنتخاب عشرة مرشحين في كل دائرة من بين 70 و100 أو أكثر من المتنافسين. كل ناخب في المنطقة يصوّت أربعة أصوات (لأربعة مرشحين)، أي كل ناخب ينتخب “قائمته” الخاصة. وفي النهاية يجد كل ناخب عادة مرشحاً على الأقل إنتخبه نائباً عن دائرته. وقد إعتبرت المحكمة الدستورية النظام دستورياً.
بغض النظر عن ذلك، في تشرين الأول (أكتوبر) 2012، مارس الأمير واحداً من حقوقه الدستورية وأصدر “مرسوم الضرورة الملحة”، والذي سمح له بتغيير النظام الإنتخابي من جانب واحد. وبموجب القواعد الجديدة، صار لكل ناخب صوت واحد فقط ينتخب بواسطته أحد ال70 أو ال100 متنافس في الدائرة. وكل دائرة من الدوائر الخمس تستمر بإنتخاب عشرة ممثلين، الأمر الذي يضع عدد البرلمانيين 50 نائباً. ودعا الأمير إلى إنتخابات جديدة على أساس هذا القانون الجديد.
من جهتها إتهمت المعارضة أن القصد من هذا المرسوم الأميري هو لتأخير التطور الديموقراطي في البلاد. إن إتباع نظام الصوت الواحد لإختيار مرشح واحد من العشرة الفائزين في منطقة يتنافس فيها 70 أو 100 متنافس، في غياب القوائم الحزبية، يؤدي إلى تفتيت الأصوات وتشجيع الفساد الإنتخابي، مثل شراء الأصوات. وقد زعمت المعارضة أنه من خلال التقليل من قوة تصويت كل شخص، فإن النظام الجديد سوف ينتج بإستمرار مجلساً تشريعياً موالياً للحكومة. إن مرشحاً في منطقة عدد ناخبيها 120،000 ناخب يمكن أن يفوز بمقعد بحصوله فقط على 2،000 أو 3،000 صوت أو أقل. ومن شأن هذا النظام أن يكون عاجزاً عن عكس التيارات الإجتماعية على نحو كاف في البرلمان. الأردن فقط وحفنة من الدول الأخرى، كلها إستبدادية، لديها نظام الصوت الواحد. إن فرض هذا النظام أثار دعوات لمقاطعة الإنتخابات المقبلة، وكذلك إحتجاجات في الشوارع.

دورة جديدة من الإحتجاج

من تشرين الأول (أكتوبر) 2012 إلى أوائل العام 2013، شهدت الكويت تظاهرات غير مسبوقة، مرخّصة وغير مرخصة، شارك فيها عشرات الآلاف من الناس حيث بثّوا معارضتهم لنظام التصويت الجديد مطالبين بالإصلاح الذي من شأنه أن يمنح المزيد من الديموقراطية في البلاد. ووقعت إشتباكات مع الشرطة، وهذا شيء جديد بالنسبة إلى الكويت. وتبعت ذلك ملاحقات سياسية وأمنية، فضلاً عن عقوبة السجن للناشطين والمتحدثين من الشباب والحركات الشعبية وأعضاء سابقين في البرلمان.
هذا العصر الجديد من الإحتجاج بدأ مع خطاب مشهور ألقاه مسلم البراك في تشرين الأول (أكتوبر) 2012 إنتقد فيه الأمير في مسيرة شعبية. كان هذا أول تحد سياسي من مواطن أو سياسي كويتي أو حتى في الخليج ضد أمير في السلطة، وكان ذلك ضد القانون الكويتي، الذي يفرض على أن الأمير لا ينبغي أن يُنتقَد بشكل مباشر أو غير مباشر. لقد كسر البراك هذا التقليد القديم علناً الأمر الذي شجّع مئات الشبان والشابات على أن يحذو حذوه.
تحوّل البراك من كونه سياسياً محلياً في منطقة القبائل في تسعينات القرن الفائت ليصبح شخصية وطنية يُنظر إليها على أنها تنشط لتمكين القبائل والفئات الإجتماعية المهمّشة. وقد فاز في كل الإنتخابات البرلمانية تقريباً بسهولة منذ العام 1992. وإذا جرت إنتخابات حرة اليوم في الكويت لإختيار رئيس وزراء يتمتع بتأييد كبير، فإن شعبية البراك وقواعده سوف تؤكد وتؤمّن له الفوز. إن البراك ليس إسلامياً، بل هو مزيج من النقابي، وزعيم وطني يتمتع بكاريزما، وسياسي، يهدف إلى تغيير سلمي لسياسة النخبة في الكويت وتحويلها إلى هيكل أكثر ديموقراطية وشمولاً وإنفتاحاً. الواقع أن البراك يعكس التغييرات العميقة في المجتمع الكويتي؛ لأول مرة تظهر شخصية بارزة من الغالبية القبلية وليس من النخب التجارية؛ وبسبب قوته الشعبية، فإن بعض الأعضاء البارزين في النخبة التجارية الكويتية والعديد من آل الصباح يخشى بشدة من صعوده. لكن البراك هو صمام أمان للنظام السياسي الكويتي، إذ أنه من بين عدد قليل من المتشدّدين في هيكل القيادة في المعارضة الذي لديه المصداقية لعقد صفقة تسوية مع آل الصباح. قوته تكمن أيضاً في أنه يقف في منتصف الطريق سياسياً بين السلطة وحركة الشباب.
عوقب البراك على أفعاله أمام المحكمة، جنباً إلى جنب مع مئات آخرين، بما في ذلك أعضاء بارزين في برلمان 2012 المنحلّ. وكانت التهم عديدة: إقتحام مبنى البرلمان (تورط 62 مشاركاً)؛ إنتقاد الأمير أو التشهير بعظمة الأمير (أكثر من 35 متورطاً نتيجة عشرات التحقيقات، مع إمكانية السجن خمس سنوات)؛ الدعوة إلى تظاهرة غير مرخّصة (تورّط العشرات)؛ الكلمة الإنتقادية التي ألقاها البراك بمثابة رسالة مفتوحة إلى الأمير؛ إنتقاد القضاء. ورغم مرور الوقت، لا تزال قضايا عشرات الشبان معلّقة، والعديد منهم يواجهون إتهامات مستمرة. في تموز (يوليو) 2013، أعلن الأمير براءة جميع المحكومين بتهم تتعلق بإنتقاده، ولكن إتهامات أخرى بقيت في المحاكم. كثير من هؤلاء المعتقلين لا يستطيع السفر بأمر من المحكمة، وبعضهم لا يمكنه حتى الحصول على وثيقة حكومية عادية.
إنصافاً، لا بد من القول أن السلطات قد أظهرت في بعض الأحيان علامات ضبط النفس، مثل تبرئة جميع المتهمين بإقتحام مبنى البرلمان. علماً أنه كان هناك ضرب وإصابات خلال الإشتباكات في عامي 2012 و2013، لكن لم يسقط خلالها قتلى.

المجموعات السياسية والشبابية

نتيجة لهذه الأنشطة، إكتسبت حركة الشباب الكويتي الخبرة في العمل السلمي والإحتجاج اللاعنفي. وقد نشأت الحركة عضوياً ووترتبط بمجموعة متنوعة من المكوّنات، مثل الحركة الديموقراطية المدنية (حدم) والتحالف الإسلامي الذي يضم جماعة ا”لإخوان المسلمين” والسلفيين. وفي حين أن جماعة الإخوان، التي شكّلت في الكويت “الحركة الدستورية”، ليست المحرّك الذي يقود المعارضة، فهي تمثل قوة مهمة لها تأثير مهم. ويشكل أعضاؤها وأنصارها نحو ثلث الحركة الشعبية. والحركة السلفية أيضاً متحالفة مع المعارضة، في حين أن مجموعة سلفية ثانية، “التجمع الإسلامي السلفي”، يعتقد بأن السلفيين لا ينبغي عليهم أبداً عصيان حاكم مسلم. ومع ذلك، عانى التجمع قضائياً عندما إنضم عدد من قادته إلى حركة الإحتجاج في 2012. كما أن جماعات ليبرالية سائدة أخرى والشبان المستقلون كانوا ناشطين للغاية في حركة الإحتجاج أيضاً.
من جهة أخرى يكتسب هذا الجيل أيضاً خبرة في السياسة. حتى الآن، تبدو “حدم” الأكثر نضجاً سياسياً بين الجماعات. وقد كتبت برنامجاً خاصاً بها، ووضعت نفسها في مكانة كي تصبح حزب الشباب الأول في الكويت.
في المدى القصير، إن هدف مجموعات الشباب هو ببساطة محاسبة الحكومة عن أفعالها. ولكن المناقشات والمناظرات توضّح أن الهدف النهائي هو لدفع الكويت نحو رئيس وزراء منتخب شعبياً ومجلس وزراء مبني على قوائم تنافسية للأحزاب البرلمانية. وربما الأهم من ذلك، فقد وضعت حركة الشباب ضغوطاً على المعارضة التقليدية للتوصل الى حكومة برلمانية أيضاً.

إستمرار سياسة الحكومة

على الرغم من التظاهرات في 2012 و2013 وموجة النشاط السياسي المتصاعدة بين الشباب والمعارضة التقليدية، ظلت قرارات النظام سارية المفعول. فقد إنتُخِب برلمان ضعيف جداً في أوائل كانون الاول (ديسمبر) 2012 بعد مقاطعة 62 في المئة من الناخبين. وأصبح مجلس الأمة الجديد على الفور هدفاً للسخرية، بالإضافة إلى مراقبته من قبل سكان ناقدين بشكل متزايد.
وقد إستؤنف النظام الانتخابي للصوت الواحد أمام المحكمة الدستورية التي حكمت بقبوله وشرعيته في حزيران (يونيو) 2013. ولاحظت المحكمة أن العديد من البلدان تستخدم مثل هذا النظام، على الرغم من أنها لم تذكر بأنه يمكنه أن يعمل بطريقة عادلة فقط بالتعاون مع أحزاب سياسية، مثل كما في نظامي التمثيل النسبي والفائز يحصل على كل شيء. ومع ذلك، قامت المحكمة بعدها بحل البرلمان الذي إنتخب في كانون الأول (ديسمبر)، وأيضاً لأسباب إجرائية، أعطت نفسها صلاحية الإشراف على المراسيم المستقبلية التي أعلن عنها الأمير. هذه الرقابة هي خطوة صغيرة إلى الأمام في المسائل الدستورية والضوابط والتوازنات.
الإنتخابات البرلمانية التي جرت مرة أخرى في 27 تموز (يوليو) 2013 قوطعت من قبل عدد أقل من الناخبين (38 في المئة). وإنتخب مرزوق الغانم رئيساً للبرلمان الجديد، وهو شاب ذو شخصية كارزمية من النخبة التجارية. ولكن في غياب مشاركة القوى السياسية والإصلاح الرئيسية، فإن هذا البرلمان سيشكّل جولة أخرى من الفشل.
إن الكويت بحاجة ماسة إلى إصلاح نظام التصويت من أجل إستعادة مشاركة المعارضة. من دون هذا التغيير، فإن غالبية المعارضة ستبقى خارج البرلمان. وبالتالي، من المتوقع ان يعود الحراك الشعبي إلى الإحتجاج والتعبير العلني رداً على فضيحة جديدة أو قرار حكومي غير شعبي.
هذا التعبير هو واضح في التطورات التالية. مجموعة كبيرة –يشار إليها في البرلمان با”الشعبي”، بقيادة شخصية برلمانية معارضة رائدة والرئيس السابق للبرلمان، عبد العزيز السعدون، والبراك– أعلنت خلال هذا العام عن تشكيل ما يشبه حزباً سياسياً على طريق الولادة، يدعى “حشد”. لدى المجموعة الآن العديد من المؤيدين، على الرغم من أنها تفتقر إلى التنظيم. ومع ذلك، فإن تشكيلها أعاد تنشيط حركة الإصلاح.
وقد إتخذت إعادة التنشيط هذه شكل إئتلاف أكبر، دعي “تحالف المعارضة”الذي تم تشكيله في ربيع 2014 ويتألف من معظم جماعات المعارضة، بما في ذلك مجموعات الشباب، “حدم”، “حشد”، وجماعة “الإخوان المسلمين”. ويركّز برنامجها الجريء على الضغط من أجل تعديلات وتغييرات دستورية تستطيع تحويل الكويت إلى نظام برلماني، وإستهداف صلاحيات الأمير، وتطوير إستقلال المحاكم.
كان ل”حدم”، ومجموعة الشباب، التأثير الأكبر بالنسبة إلى هذا البرنامج. في حين إنسحب السلفيون من الإئتلاف بسبب رغبتهم في تطبيق الشريعة الإسلامية، والتي ليست مدرجة في البرنامج، فقد وافق “الإخوان المسلمون” على كل التغييرات الدستورية المقترحة ووضعوا طلب تنفيذ الشريعة على الرف من أجل “أجندة” الإصلاح. ورأى بعض الجماعات الليبرالية أن البرنامج أمامه عقبات كبيرة وبعيد كل البعد عن التحقيق فترك الإئتلاف. إن روابط هذه الجماعات بالنخبة التجارية وخوفها من التأثير الإسلامي يمكن أن يكونا قد لعبا دوراً آخر وراء إنسحابها. علماً أن اليسار، ولا سيما “الحركة التقدمية”، بقي في الإئتلاف.
تُظهر هذه التحالفات والشقوق أن المعارضة ومشروع الإصلاح في الكويت هو مشروع متطور. لكن على الرغم من الإنقسامات، لم يَسبق أن وُضِعَت مِثل هذه المُثُل العليا من برنامج “تحالفٍ معارض” في طليعة المشهد السياسي من قِبَلِ إئتلاف كبير كهذا الذي يتمتّع بقاعدة شعبية واسعة.

وماذا عن المستقبل؟

تمرّ الكويت في عملية يمكن أن نطلق عليها ثورة دستورية. إن الأحداث هناك ما زالت مستمرة في النمو من حيث الأهمية نظراً إلى تصاعد وإلتهاب النقاش وتزايد الوعي السياسي في جميع قطاعات المجتمع. هذا المستوى من التسييس يجعل قدرة السلطات الحالية للحفاظ على السيطرة على الوضع أكثر صعوبة مما كان في الماضي. وبالتالي، فإن الطريقة الوحيدة للتصدّي لرغبات الناس وضمان الإستقرار في الحقبة المقبلة سوف يتطلبا ترشيد العملية السياسية، ما يتيح لمزيد من الحريات، وتطوير الديموقراطية في البلاد من خلال تعديل الدستور.
يناقش الكويتيون علناً بشكل متزايد فكرة تشكيل حكومة برلمانية تقوم على المنافسة الحزبية. لقد أدّت فضيحة 2010 التي إنطوت على رشوة النواب للتصويت مع الحكومة في جزء منها إلى حقيقة بأن رئيس الوزراء آنذاك كان يفتقر إلى دعم الغالبية في المجلس التشريعي. بشكل عام، مع ذلك، فإن البرلمان له تأثير محدود في السياسات ولا يملك أي سلطة تعكس إرادة الغالبية في البرامج الحكومية. وهذا يجعل الحكومة والمجلس التشريعي غير قادرين على العمل معاً أو عكس خيارات تصويت الكويتيين.
يدرك الكويتيون أن تحقيق الشراكة الحقيقية في إدارة بلادهم لا يمكن أن تحدث بين عشية وضحاها أو من دون شكل من أشكال التسوية مع النخبة الحاكمة أو أجزاء منها. وبالتالي هناك وعي متزايد أن إيجاد أرضية مشتركة، بدلاً من لعب لعبة محصلتها صفر، يمكن أن يساعد الكويت على تجنب تدخل خارجي ولن يخلق وضعاً يشعر فيه بعض عناصر النخبة بأنه محشور أو مهدد، وبالتالي يصبح الأمر مدمراً للبلاد ولأنفسهم .
لذا من الخطأ أن نفترض أن الحكومة البرلمانية سوف تقوّض بالضرورة النظام الملكي (الأميري). المجتمع الكويتي، بما في ذلك حركات الشباب، يتشارك في توافق الآراء بشأن دور أسرة آل الصباح. ما تختلف عليه المجموعات هو إتساع سلطة آل الصباح. إن إيجاد توازن بين الديموقراطية –مع الأمة كمصدر للسلطة — ومكانة ودور للأسرة المالكة كما ورد في الدستور يمكن تحقيقه من خلال حكومة برلمانية، ورئيس وزراء منتخب شعبياً، ونظام ملكي دستوري. لا شيء من هذا يمكن تحقيقه، مع ذلك، دون إصلاح ذي معنى لدستور 1962، وكذلك إتفاق مع الأمير على هذه الإصلاحات.
التحرك نحو تكافؤ سياسي من شأنه تعزيز حماية حقوق الأفراد والأقليات، على أن يرافق هذه الحركة تطوير واضح لإستقلال القضاء وحق الأفراد للجوء إلى المحاكم في حال االفساد والإستغلال من جانب الغالبية البرلمانية أو السلطة التنفيذية.
إذا فشلت الحكومة في الشروع في إصلاح ذي معنى، من المرجح أن تمضي المعارضة قدماً في نشاطها من خلال التجمعات السلمية والتظاهرات في البلاد. وبعدما إكتشفت الفرصة لتغيير الحكومة بالوسائل السلمية فإن جماعات الشباب سوف تستمر في المعارضة التقليدية لدفع الطبقة السياسية في البرلمان والحكومة والرأي العام نحو التغيير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى