قطر: هل تستطيع الحفاظ على ريادتها في عالم الغاز والنفط؟

بعد سنوات من طفرة الغاز الطبيعي المثيرة للإعجاب، تواجه قطر حالياً عدداً من التحدّيات التي قد تقف حائلاً أمام إحتفاظها بالوضع العالمي المحوري في هذا القطاع. المطلوب حسب معظم الخبراء خلق إستراتيجية جديدة قبل فوات الأوان.

مشروع "دولفين": لم يتوسع بعد
مشروع “دولفين”: لم يتوسع بعد

الدوحة – سمير خير الله

قطاع الطاقة في قطر، الذي كان الأكثر إثارة في منطقة الخليج العربي في العقد الأول من هذا القرن، عرف أخيراً هدوءاً على النقيض من دور البلاد الصاخب الغريب والمثير للجدل في السياسة الإقليمية.
بعد خيبة أملها من إنسحاب “بريتيش بتروليوم” (BP) في أوائل تسعينات القرن الفائت، إستطاعت قطر إجتذاب بعض من أكبر شركات النفط في العالم – “إكسون موبيل”، و”توتال”، و”شل”، و”كونوكو فيليبس” – للإستثمار. وقد إرتفع إنتاج وصادرات الغاز منذ بناء أول محطة للغاز الطبيعي في البلاد في العام 1997 وحتى أوائل العام 2011 عندما وصل “قطر غاز 4″، الحقل الأخير في سلسلة الحقول القطرية، إلى طاقته الكاملة. بحلول العام 2013، مع 77 مليون طن سنوياً، شكل إنتاجها ثلث السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال.
فقد تحوّلت أيضاً إلى مصدّر رئيسي للغاز إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان المجاورتين عبر خط أنابيب “دولفين”، وإستضافت أكبر محطة تحويل في العالم لتسييل الغاز سميت “لؤلؤة شل” (Shell’s Pearl). وإستند هذا الإرتفاع الكبير على حصة قطر من حقل الشمال، أكبر حقل غاز في العالم، والتي تملك فيه حوالي الثلثين – والبقية تملكها إيران، المعروف لديها بإسم “بارس الجنوبي”.
لكن يواجه البلد الآن عدداً من التحدّيات على صعيدي الغاز والنفط. إن إستمرار نمو الغاز أمر صعب. على الرغم من أن حقل الشمال لديه إحتياطات وفيرة، ليس هناك ما يشير إلى أن قرار وقف ومنع المزيد من التطوير الذي فُرِض عليه في العام 2005 سيتم رفعه. كما أن مشروع “برزان” للغاز الذي تديره “إكسون موبيل”، الذي يهدف إلى تلبية إحتياجات السوق المحلية ويصل إلى كامل طاقته في العام 2015، هو مشروع الإمداد الوحيد الجديد المستمر.
من جهة أخرى، إن التوسع في مشروع “دولفين” للوصول إلى قدرته الكاملة البالغة ثلاثة مليارات قدم مكعبة يومياً، من القدرة الحالية البالغة ملياري قدم مكعبة يومياً، كان من المرجح تحقيقه في العام الماضي، لكن الأمر ربما تراجع الآن بسبب المنازعات داخل دول مجلس التعاون الخليجي. وإدّعت قطر بأنها تستطيع بسرعة وبتكاليف زهيدة إضافة 12 مليون طن أخرى في السنة بتوسعة وصلات محطات الغاز الطبيعي المسال الحالية، ولكن مرة أخرى هذا سوف يحتاج إلى إمدادات أكثر من غاز المنبع.
وكانت محطتا تحويل الغاز إلى سوائل في قطر – “اللؤلؤة” ومحطة “أوريكس جي تي أل” التي تديرها “ساسول” من جنوب أفريقيا- ناجحتين تجارياً، وجعلهما إرتفاع أسعار النفط علاوة على منتجاتهما النظيفة آلات لتوليد النقود. ولكن على المنحى الأخر ليس هناك مؤشر على أنه سيتم بناء محطة أخرى مثلهما.
في العام 2013، نجحت شركة النفط الألمانية “ونترشول هولدنغ” (Wintershall Holding GmbH) في العثور على 2.5 تريليوني قدم مكعبة من الغاز في كتلة قبالة الحافة الشمالية الغربية من حقل الشمال – وهو إكتشاف مهم بالنسبة إلى أي بلد آخر، ولكنه تافه مقارنة بإحتياطات قطر البالغة 871 تريليون قدم مكعبة. وهو بالتالي صغير جداً لإحتواء محطة جديدة للغاز الطبيعي المسال، لذا من المحتمل أن يخصّص لتلبية طلب إستهلاك السوق المحلية أو كدعم إحتياطي لعروض التصدير. ويبدو أنه حتى الآن لم تثمر عمليات الإستكشاف في الآبار العميقة في تشكيلات “الخف” تحت حقل الشمال عن شيء.
كانت ظروف السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال أكثر ملاءمة لقطر عندما أطلقت مشاريع التصدير في أواخر تسعينات القرن الفائت وأوائل العقد المنصرم. فقد إزدهرت أسعار الغاز الطبيعي المسال بما يتماشى مع أسعار النفط. حتى عندما أزالت طفرة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة السوق الأميركية وهي واحدة من ثلاث أسواق أولية لقطر، وضرب الكساد العظيم الإستهلاك في أوروبا، كانت الإمارة الخليجية الصغيرة قادرة على إدارة الطلب الآسيوي للحفاظ على أسعار قوية.
وقد تسبب حادث فوكوشيما في اليابان، أكبر مستورد هيدروكربوني في العالم، في إرتفاع طلب طوكيو على الغاز الطبيعي المسال فيما أغلقت المحطات النووية في أرجاء البلاد. في الوقت عينه إختفت مصر تقريباً عن خريطة مصدري الغاز الطبيعي المسال بسبب الطلب الداخلي، في حين تأخر بدء محطة الغاز الطبيعي في أنغولا. لكن التوقعات خلال بقية هذا العقد هي في الواقع أقل وردية. مع إعتدال الطقس، تراجعت الأسعار الفورية بشكل كبير هذا العام من نحو 19 دولاراً لمليون وحدة حرارية بريطانية للشحنات الآسيوية في كانون الثاني (يناير) الفائت إلى أقل من 11 دولاراً في تموز (يوليو). وبدأت كوريا الجنوبية إعادة تشغيل محطاتها النووية، والتي من المتوقع أن تتبعها تلك اليابانية، على الرغم من إستياء الرأي العام. وبعد إطلاق القليل من المشاريع الجديدة في السنوات الأخيرة، فإن العرض بالنسبة إلى قطر أصبح أكثر تنافسياً.
بحلول 2017-2018، سوف تفقد قطر مكانتها كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم إلى أوستراليا، التي ستكون قدرتها في حينه 85 مليون طن سنوياً. لقد تم إقتراح عدد كبير من المشاريع لتصدير الغاز الصخري الأميركي: الكثير منها لن يتحقق ولكن بحلول منتصف عشرينات القرن الجاري، قد يكون لدى أميركا قدرة إنتاجية تبلغ 50 مليون طن في السنة أو أكثر، كما سيكون لدى كندا بين 35 إلى 50 مليون طن سنوياً أخرى. من جهة أخرى سيتم تأجيل مشاريع شرق إفريقيا بناء على الإكتشافات العملاقة قبالة موزامبيق وتنزانيا، ولكنها سوف يكون بإستطاعتها أيضاً أن تنتج وتساهم في السوق الهيدروكربونية في عشرينات القرن الجاري. وفي الوقت عينه فإن روسيا، التي تسعى إلى المنافسة بقوة أكثر مع مد خط أنابيب جديد للغاز الطبيعي المسال للإمدادات إلى شرق آسيا والصين – أكبر أمل لسوق الغاز – تقوم بتطوير مواردها من الغاز الصخري.
وفيما حصة السوق القطرية تتقلّص، فإن قدرتها على لعب دور منتج التأرجح، والحفاظ على قسط من ربحية التسعير في آسيا، سوف تقلّ. الواقع بإن الزبائن يدفعون بإتجاه قطع صلة سعر الغاز بسعر النفط، ويأملون بأسعار أقل أو على الأقل بأسعار متنوعة على أساس تداول محاور ومراكز الغاز في الولايات المتحدة وشمال غرب أوروبا.
من المرجح بأن الغاز الطبيعي المسال القطري سيبقى الأرخص للإنتاج والأكثر تنافسية في العالم. فالعرضان الأوسترالي والأميركي الشمالي، على النقيض من ذلك، هما مرتفعا الكلفة وعلى هامش ضئيل. ولكنهما سوف يسبّبان في تآكل قوة الدوحة في مجال التسعير.
ورداً على ذلك يبحث القطريون عن فرص في الخارج. في شراكة مع “إكسون موبيل”، فهم يخططون لبناء مصنع للغاز الطبيعي المسال في “سابين باس” في تكساس. وهذا من شأنه أن يحافظ على توسيع محفظتهم العالمية في مجال الغاز الطبيعي المسال -شحنات الولايات المتحدة يمكن أن تزوّد عملاءهم في أوروبا حيث يتسنّى لهم عندها إرسال كميات أكثر إلى آسيا. إن على قطر إذا أرادت المحافظة على هيمنتها على قطاع الغاز الطبيعي المسال فالأمر يتطلب على نحو متزايد مثل هذه الإستراتيجيات المتطورة.
لقد أقدمت الدوحة أيضاً على إستثمارات طاقة أجنبية أخرى، حيث دفعت “قطر للبترول الدولية” مليار دولار لشركة “شل” لشراء حصة في مشروع “بي سي-10” (BC-10)، وهو مشروع نفطي بحري في البرازيل، ومليار دولار لشراء أصول “صنكور” في كندا، وإستحوذت على 15 في المئة من وحدة إنتاج شركة “توتال” في الكونغو. وفي الوقت عينه إشترت شركة “المرقاب كابيتال”، الذراع الإستثمارية لرئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، شركة النفط البريطانية “هيريتيدج أويل” التي تركّز على إستخراج النفط في نيجيريا بمبلغ 1.6 مليار دولار.
على النقيض من الغاز الطبيعي، فإن قطاع النفط ينضج على نحو متزايد ليصل إلى ذروته. فقد إنخفض إنتاج النفط الخام بعد العام 2008 فيما خفّضت “أوبك” الإنتاج خلال الأزمة المالية، وبقي في المستوى عينه مسطحاً أو تراجع قليلاً منذ ذلك الحين. إن قطر هي ثاني أصغر منتج في “أوبك”، فوق الإكوادور، بنحو 720،000 برميل يومياً من النفط الخام – تُستكمَل بما يقرب من مليون برميل يومياً من المكثّفات وسوائل الغاز الطبيعي من حقل الشمال. وهو الآن منتج صغير للنفط الخام أصغر من تشكيل “باكن” للصخر الزيتي في الولايات المتحدة.
الحقلان الرئيسيان هما “دخان” في البر و”الشاهين” في البحر الذي تديره شركة “ميرسك”. دخل “دخان” مرحلة من التراجع، في حين أن النية في “الشاهين” تهدف إلى الحفاظ على الإنتاج عند حوالي 300،000 برميل يومياً. ولا يزال الحقلان يحتويان على الكثير من النفط، ولكن ستكون هناك حاجة إلى تعزيز طريقة الإستخلاص لإنعاش النفط وإستخراجه. إن مصنع “اللؤلؤة”، ومصانع معالجة الغاز والأسمدة في حقل الشمال، يمكن أن توفر كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون لتعزيز طريقة إستخلاص النفط، ولكن على النقيض من أبو ظبي المجاورة، هذا الخيار لم يحرز تقدماً كبيراً بل بقي حبراً على ورق …دراسات.
الحقول البحرية الصغيرة هي أيضاً في إنخفاض، مع معلومات تفيد بأن هناك قراراً بإنفاق 11 مليار دولار في “بوالحنين” لمضاعفة الانتاج الحالي من 45،000 برميل يومياً. وكانت شركة “أوكسيدنتال بتروليوم” المالكة لأوكسي قطر أعلنت في تموز (يوليو) 2013 عن إتفاق مع قطر للبترول على المرحلة الخامسة من خطة تطوير “العد الشرقي” في الحقل البحري حيث ستستثمر 3 مليارات دولار للحفاظ على إنتاج يومي يبلغ 100 ألف برميل. وقد جرى الإعداد للمرحلة الخامسة بعد تعاون وثيق بين “أوكسي قطر” ومؤسسة قطر للبترول كجزء من عملية التطوير المستمرة لحقل “العد الشرقي” وفقًا لإتفاق الشراكة للتطوير والإنتاج بين حكومة دولة قطر و”أوكسيدنتال قطر” والتي دخلت حيّز التنفيذ منذ تموز (يوليو) 1994. كما أن “إكسون موبيل” و”كونوكو فيليبس” و”توتال” تقوم بإجراء دراسات على خزانات الإحتياط في مختلف الحقول النفطية لتحسين الإنتاج، ولكن من المرجح أن الناتج سوف ينزلق تدريجاً ما لم تكن هناك إستثمارات ضخمة في مشاريع تعزيز طريقة إستخلاص النفط. بخلاف إكتشاف “وينترشول” الإلمانية لحقل الغاز الطبيعي، لم يكن هناك أي إكتشاف تجاري جديد منذ العام 1999.
وفي الوقت عينه، على الجبهة الداخلية، يتوسع الطلب ويزداد على الطاقة بسرعة. من المقرر أن تبدأ مصفاة المكثفات الجديدة في العام 2016 والتي ستضمن إكتفاء ذاتياً لقطر من الوقود المكرر. وقد نما إستهلاك الكهرباء نحو 12 في المئة سنوياً منذ العام 2000. لكن البلاد لا تزال تمثّل أقل من أربعة في المئة من جيل الشرق الأوسط، ونظراً إلى نعمة حقل الشمال، فإنها لا تواجه خطر نقص الغاز والكهرباء الذي ضرب دولاً عدة مثل الكويت ومصر. ومع ذلك، نظراً إلى إندفاع “قوتها الناعمة”، فقد إستضافت في العام 2012 مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، إذ أن إرتفاعاً سريعاً لإنبعاثات غازات الدفيئة هي مصدر قلق لدى الحكومة. وهي تخطط لتوليد 16 في المئة من إحتياجاتها من الكهرباء من الطاقة الشمسية بحلول العام 2018، على الرغم من هذا الإعلان فإن الكلام يجب أن يتبعه تنفيذ الذي لم نشهده بعد.
ولعلّ التحدي الأكبر، رغم ذلك، يتجاوز قطاع الطاقة. ينبغي على قطر إدارة الرياح المتقلّبة في السياسة الإقليمية، التي تحوّلت ضدها خلال العام الماضي. بلد صغير، وغني جداً، عليه في وقت واحد إدارة صناعة غاز رائدة في العالم، و135 مليار دولار في صندوق الثروة السيادي الناشط، وسياسة خارجية جريئة وفي كثير من الأحيان مثيرة للجدل. إن قرب البلاد على حد سواء من إيران – بما في ذلك تقاسم الموارد الهيدروكربونية – والمملكة العربية السعودية جعلها تتعامل بشكل وثيق مع طهران أكثر من أيّ من جيرانها، ما عدا سلطنة عمان.
الواقع أن صادرات الغاز والنفط في البلاد ستبقى مربحة بشكل كبير، لكنها لم تعد قادرة على دفع عجلة النمو. في الربع الأول من العام 2014، نما القطاع غير النفطي 11.5 في المئة، في حين إنكمش قطاع النفط والغاز 1.2 في المئة. ويتمثل التحدّي الآن في الإستفادة من عائدات الغاز والنفط في شكل منتج في الداخل، إستعداداً لنهائيات كأس العالم ولتنويع الإقتصاد، وفي إستثمارات مربحة وإستراتيجية في الخارج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى