لبناني لن أخونك !

بقلم غادة العريضي*

عندما كنت في المرحلة المتوسطة من دراستي، إقتحمني الريب عندما وقع نظري في إحدى المكتبات على عنوان كتاب محمد الماغوط “سأخون وطني”، وتساءلت يومها: هل من عاقل يفكّر بذلك ويعلنه على الملأ؟ لذا قررت أن أعرف كيف سيفعل الماغوط ذلك فإشتريت الكتاب، وعقدت العزم بالتالي على قراءته حتى لو سهرت حتى الصباح. وبالفعل فقد ربحت معركتي الأولى ضد النعاس الذي لم يستطع “غلبي”، ذلك أن الكتاب كان شيّقاً ومشوِّقاً ويُعتبر بحق شهادة فاجعة صادقة على مرحلة مظلمة من حياة العرب في العصر الحديث، وتصلُح لأن تُرفع إلى محكمة الأحفاد كوثيقة تدحض أي إتهام بالتقصير والإستكانة يوجّه إلى الأجداد، فالعنق الأعزل لا يستطيع الإنتصار على سكاكين المفترسين. الواقع لقد كانت كل جملة قرأتها في ذلك الكتاب توضّح ألف تفكير وفكرة وخصوصاً عندما تقرأ:
‘‘يا إلهي كل الأوطان تنام وتنام، وفي اللحظة الحاسمة تستيقظ، إلّا الوطن العربي فيستيقظ ويستيقظ، وفي اللحظة الحاسمة ينام’’.
أين أنت أيها الماغوط لترى رجالات السياسة يمارسون فعل الخيانة كل يوم بحقوق الأوطان والأمة، وبكل وقاحة.
عذراً فأنا أيضاً سأخون وطني، هذا الوطن الذي سجّل أعلى معدل في ولادات الأمل والألم، فإليك ما عشت: الحرب الأهلية لسنوات وسنوات … ولنقل أنها ‘‘الحرب بالجملة’’، وقد إحتفل الجميع بعدها بما حدث وذهب “الجزّارون” إلى الطائف ليتفقوا. ووفق إتفاقهم هناك فانت يا لبناني وطن سيّد حرّ مستقلّ، وطنٌ نهائي لجميع ابنائه، لكن أين أنت من السيادة والإستقلال وأنت محكوم بإرتباط الأفرقاء بدول وانظمة مختلفة.
ثم بدأت الحرب بالمفرّق. حربٌ إقتصادية، وأخرى لإعادة الإعمار، وثالثة عنوانها الإغتيالات، أضف إلى ذلك حرب الساحات لحشد الجماهير لقوى من فريقي الثامن والرابع عشر من آذار، التي تبعتها معركة 7 أيار ثم حرب التفجيرات العشوائية، عدا حوادث عبرا ونهر البارد وطرابلس، وبالأمس حرب الجيش ضد “داعش” و”جبهة النصرة”… وكل هذا في كفّة والحرب مع العدو الإسرائيلي في كفّة أخرى.
مسكين وطني إلى من سيشكي جرحه وألمه.
وطني … يبدو أن الجسد العربي صار ملطّخاً بمهزلة الشهامة، لذا ستبقى وحيداً في غربة، تنتظر إقلاعاً نحو زمن آخر. كما يبدو أنه لم يبقَ من خيار سوى ان تُعلَن الثورة على الثورات، والإستنفار على حبل الحياة السياسية، فالقضية باتت مصيرية. خريطة الوطن العربي رمادية، لا تتخلّى عن الأحمر والأبيض والأخضر، لذا لا تفسح المجال لأولئك الذين يريدون أن تسرق ألوانهم بريقك، ولا تجعلهم يلفّون حول عنقك حبل الموت.
إنهض يا لبناني من محنتك كطائر الفينيق، وإقضِ على فيروس الطائفية والمذهبية الذي حقنوك به. قاوم ولا تسمح لليأس بان يتسلّل الى عروقك، ولا تسمح لحقدهم ان يُبعدك عن جغرافيا الوطن. لست وحيداً فأبناؤك ينتظرون لحظة العودة، هم سئموا الإصغاء إلى خطابات الساسة وإجتماعاتهم المفصّلة كبدلاتهم على مقاساتهم.
لبناني: لا تكن جسداً سجيناً في حياتهم، لا تتسكّع على أرصفة أفكارهم الشيطانية.
لن يسرقوا الله من كياني…
في بيروت سأستمتع برائحة القهوة التي تملأ المقاهي، وفي الجنوب سألهو في بساتين الليمون، ولن أنسى طرابلس فبالتاكيد “صواني” الحلوى ستنسيني “الحمية” أو “الدايت”، وسأعرج بالطبع إلى البقاع فعيوني إشتاقت إلى سحر ألوانه، وفي جبيل سأبحر في مياه دافئة حتى لو كان الأمر في عز كانون.
وهناك في جبل الباروك … سأرتشف “المتّة” وأتمتع برائحة أرزه… ولن أخونك لبناني وسأبقى فيك.

– إعلامية لبنانية تعمل في تلفزيون لبنان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى