المغرب: مرجعية عالمية في الطاقة المتجدّدة

بقلم الدكتور عبدالله ناصر الدين*

cresent-dunes1

يستورد المغرب أكثر من ٩٥٪ من حاجته من الطاقة بكلفةٍ سنوية تصل إلى ٣ مليارات دولار، تتوزع ما بين الفيول أويل، الغاز، و الفحم الحجري لتشغيل محطات توليد الكهرباء، هذا بالإضافة إلى إستيراد الكهرباء من إسبانيا. وقد عمدت السلطات المغربية إلى وضع إستراتيجيةٍ تقدمية إستباقيةٍ و طموحة في العام ٢٠٠٨ لتستطيع من خلالها، ومع حلول العام ٢٠٢٠، من إنتاج ٤٢٪ من حاجات المملكة من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجدّدة كالطاقة الشمسية، والهوائية، والهيدرولية، كل واحدة بنسبة ١٤٪.
ما هي فرص نجاح هذه الخطة وإمكانية تنفيذها في السنوات الست المتبقية؟ وما هي مبرراتها خصوصاً أنها ستكلّف أكثر من ١٢ مليار دولار؟ وما هي المفاعيل الإقتصادية لهذا الإستثمار الضخم على المغرب إن كتب لها النجاح؟
إن تداعيات العمل لتحقيق إستراتيجية طموحة ومكلفة بهذا الحجم متجذّرة في مصلحة الإقتصاد المغربي على المدى البعيد. يرتفع الطلب على الكهرباء في المغرب بمعدل ٦٫٥٪ سنوياً، ما يجعل من إعتماده على الإستيراد عملية باهظة الثمن، خصوصاً أنه لم يتبين حتى اليوم وجود نفط وغاز (ما عدا إحتمال وجود كميات من الغاز الصخري)، فتأتي هذه الخطة لتملأ الفجوة الناتجة من إزدياد الطلب. وبنحوٍ موازٍ، تشير أرقام السنوات الأخيرة إلى أن فاتورة إستيراد الطاقة تساهم بربع العجز في الميزان التجاري. لذلك، فإن خفض الواردات من الطاقة من شأنه أن ينعكس إيجاباً على الميزان التجاري و ميزان المدفوعات، ما قد يساهم في دعم هدف المصرف المركزي المغربي في تحرير الدرهم. من ناحيةٍ أخرى، تكمن أهمية هذه الخطة في خلق ما لا يقل عن ٥٠٬٠٠٠ فرصة عمل و بذلك تعزيز النمو الإقتصادي و تطوير الكفاءات والخبرات عبر الإحتكاك و العمل في أكبر شركات الطاقة المتجددة في العالم. على صعيدٍ متصل، بإمكان الخطة المذكورة من تعزيز “أمن الطاقة” في المغرب والإعتماد على الذات في إنتاجها بالإضافة إلى تنويع مصادر إنتاجها ما سيساهم أيضاً في خلق نموذج إقتصادي فريد في التنمية المستدامة قلّ نظيره في العالم ولاسيما العالم العربي. فالخطة ككل، بما قد ينتج عنها من خفضٍ للتلوث والحفاظ على البيئة، تتماشى مع تركيبة المغرب الإقتصادية التي يشكل فيها القطاع السياحي ما يقارب ٧٪ من الناتج المحلي.
تسعى “الوكالة الوطنية لتنمية الطاقات المتجدّدة والنجاعة الطاقية” إلى إنتاج ٤٠٠٠ GW إضافية من الطاقة المتجدّدة بحلول العام ٢٠٢٠ ليشكل كامل الإنتاج نحو ٤٢٪ من إنتاج الطاقة المقدّر ليصل حينها إلى ١٣-١٤ GW . أما اليوم، فإن إنتاج الطاقة المتجددة يصل إلى نحو ٢٫٥ GW فيما يبقى إنتاج ٣٫٥ GW بحلول العام ٢٠٢٠، مما يطرح تساؤلات كثيرة عن مدى إمكانية تحقيق أهداف الخطه ضمن المواعيد المعلنة. وتسعى “الوكالة المغربية للطاقة الشمسية”، إلى إنشاء خمسة مراكز إنتاج تصل قدرتها الإنتاجية إلى ٢ GW. و بالفعل، فإنه تم تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع “نور ١” في منطقة ورزازات بقدرة إنتاجية تصل إلى ٢٠٠ MW من الطاقة بتكلفة تجاوزت المليار دولار. كما سيتم إستكمال المرحلة الأولى بمرحلةٍ ثانية وثالثة بإنشاء “نور ٢” و “نور ٣” قرب ورزازات. حينها ستكون ورزازات أكبر مركز لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم ليذكرها التاريخ يوماً كإحدى المدن الأولى في إنطلاقة ثورة الطاقة الشمسية. من جهةٍ أخرى، بدأت شركة الكهرباء الوطنية بتلزيم مجموعة مشاريع لإنتاج الطاقة الشمسية في مناطق زغورا إرفود وميسور بقدرة إنتاجية تصل إلى ٢٠٠ MW ينتهي العمل منها في العام ٢٠١٦. أما على صعيد الطاقة الهوائية، فقد تم الإنتهاء من المشروع الأول بقدرة انتاجية تصل إلى ٢٥٠ MW، كما بدأت شركة NAREVA في بناء أكبر مزرعة هوائية في القارة الأفريقية بقدرة إنتاج تصل إلى ٣٠٠ MW بالإضافة إلى تلزيم مجموعة أخرى من المشاريع تصل قدرتها الإنتاجية إلى ٨٥٠ MW. إذاً، كما نرى، يبدو أن تنفيذ الخطة، و رغم بعض التأخير الذي أصابها في البداية لأسبابٍ مالية و قانونية، يجري على قدمٍ وساق.
أما أهم العوائق، فتتمثل بقدرة السلطات المغربية على تأمين مصادر التمويل. حتى الآن، و رغم بعض الإعتراضات التي أظهرها الأوروبيون لبعض المشاريع المنوي بناءها في الصحراء الغربية المتنازع عليها، إستطاعت الخطة من الحصول على دعمٍ وافر من جهاتٍ تمويلية عديدة كالبنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية، بالإضافة إلى بعض التمويل من المصارف المغربية. بذلك، يمكن الجزم أن فرص نجاح الخطة، وإن حصل تأخيرٌ بسيط، تبدو مرتفعة. كما إنه من المتوقع أن تتسارع وتيرة العمل في السنوات المقبلة بعدما كرّست السلطات المغربية متسعاً من الوقت لرسم الإطار القانوني و العملي لتلزيم المشاريع.
إن طبيعة المغرب، الذي يتميّز بجغرافية فريدة تربط المتوسط بالأطلسي، تتداخل مع أوروبا، وتتجذّر في أفريقيا بصحاريها وجبالها التي ترسم مغيب الشمس على أفق العالم العربي. تلك الخصوصية كفيلة بإحضار كل المقوّمات الطبيعية إلى تلك الإستراتيجية. وفي ظل الدعم الكامل الذي تحصل عليه الخطة من أعلى هرم في السلطة، لا شك أن المغرب يتجه ليكون مرجعية عالمية في الطاقة المتجددة.

• خبير إقتصادي وأستاذ الإقتصاد في كلية إدارة الأعمال في جامعة بيروت العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى