هل تتخلّف شركات منطقة اليورو عن سداد ديونها ؟

لندن – محمد سليم

EuroCrisis

لأشهر عدة، إنعكس تحسّن الظروف الإقتصادية في أوروبا على الأسواق المالية، ولكن ليس على الشركات التي هي في أسفل السلّم. وأخيراً، برزت دلائل تشير إلى أن هناك تغيّراً.
تؤكد نتائج الربع الثاني من هذا العام أن الشركات الأوروبية بدأت تعود إلى نمو إيجابي في الأرباح بعد ثلاث سنوات من التراجع. وفي الوقت عينه، عرف عدد الشركات غير المالية، التي تخلّفت عن سداد ديونها في أوروبا في الأشهر الثلاثة الأولى لعام 2014، إنخفاضاً مما كان عليه في أي ربع أول منذ بداية الأزمة المالية في العام 2008.
من غير المرجح أن تكون هذه المؤشرات ومضة عامة. فقد تم تنقيح توقعات النمو للإقتصادات الأوروبية خلال الأشهر القليلة الماضية، وتحسنت ثقة المستهلكين. مع ذلك، هناك علامات خطر – بعضها مألوف، وبعضها جديد – التي ينبغي أن يلاحظها وينتبه إليها المستثمرون.
وعلى الرغم من أن المستهلكين شعروا بالبهجة والسرور وإرتاحوا إلى ما يحصل في السوق، فإن بيانات أخرى تبدو مختلطة ومشوّشة.
لقد وصل مؤشر مديري المشتريات – وهو إستطلاع يتتبع النشاط الإقتصادي في منطقة اليورو – إلى أعلى مستوى في ثلاثة أشهر في تموز (يوليو) الفائت، وهو أعلى بكثير من المستوى الذي يمثّل توسعاً في النشاط. ومع ذلك، فإن الثقة في الأعمال التجارية هي أقل أماناً.
في ألمانيا عرف مؤشر “آيفو” لثقة الأعمال تراجعاً على مدى ثلاثة أشهر متتالية، ومؤشر مناخ الأعمال في فرنسا هو أقل بكثير من متوسط مستواه على المدى الطويل. كما أن إرتفاع حدة المخاطر الجيوسياسية، نتيجة للأزمة في أوكرانيا، لا يساعد الأمور.
وإستمرت مخاوف أخرى في الإزعاج. لا تزال شروط الإقتراض في الأسواق المالية سهلة للغاية، ما سمح للشركات في أوروبا أن تقترض أو تعيد تمويل الديون القديمة بأسعار منخفضة قياسية.
واحدٌ من الآثار الجانبية لهذه الشروط الحميدة تمثّل في قدرة الشركات في منطقة اليورو التي لا تزال قريبة من مستوياتها قبل الركود. علماً أن طبيعة إقتراض هذه الشركات باتت مقلقة أقل مما كانت عليه الحال قبل الأزمة.
في عامي 2006 و2007 كان ما يقرب من نصف جميع القروض الصادرة له علاقة بالإستحواذ أو بالإستدانة من أجل شراء وتملك كامل أسهم الشركات. في العام 2013، بالمقارنة، كانت قروض دعم التملك والإستحواذ فقط حوالي 12 في المئة من إجمالي القروض الصادرة.
النشاط في مجال عمليات الدمج والإستحواذ لتي شملت الشركات الأوروبية قفزت – 373 مليار دولار منذ بداية 2014 مقارنة مع 288 مليار دولار لكامل عام 2013 – ولكن حتى الآن، على الأقل، لا يتم تمويلها بواسطة الإقتراض بشكل مفرط.
ولكن في حين أن الإقتراض قد لا يؤجج إنتعاش وطفرة عمليات الدمج والإستحواذ، ولا هو قد يساعد على تعزيز الإستثمارات الأوروبية في نمو مستقبلي، فإن توقعات “ستاندرد آند بورز” تفيد بأن نفقات رأس المال سترتفع فقط 1.2 في المئة في القيمة الحقيقية هذا العام ثم تنخفض العام المقبل، مع تجاوز الشركات الأميركية منافستها الأوروبية في مجال الصرف والإستثمار.
من جهة أخرى، يبدو أن شروط الإئتمان السهل فقط قد أفادت الشركات الكبيرة، وغالباً المدرجة منها. أما الشركات الصغيرة فلم تكن لديها خيارات كثيرة للتمويل بعيداً من البنوك – كما أن الإقراض المصرفي للشركات غير المالية إنخفض بشكل لا يصدق تقريباً على مدى السنوات الخمس الفائتة.
وهذا يعني أن الشركات في المحيط الأوروبي ما زالت محرومة من الإئتمان. إن الإقتراض من شركات مقرّها في اليونان، وإيرلندا، وإيطاليا، والبرتغال، وإسبانيا، إنخفض من أكثر من خمس الإجمالي الأوروبي قبل الأزمة إلى 12 في المئة فقط الآن.
من المهم أن نتذكر أيضاً، أن شروط الإئتمان الحميدة لم تأتِ نتيجة بيئة إقتصادية صحية، ولكن بسبب نقيضها: أزمة مالية، تلتها سياسة نقدية متكيّفة بشكل كبير رداً عليها.
الطبيعة الإصطناعية للسوق الإئتمانية هذه إنعكست في نهضة تنظيمية أكثر عدوانية للمعاملات لم تشهدها السوق منذ طفرة 2006-2007. إن قدرة حجم القروض – 45 مليار يورو في الأشهر الستة الأولى من السنة – هي في أعلى مستوى لها منذ بداية الأزمة المالية.
ولم يصاحب هذه الطفرة في الحجم إنخفاض الهوامش فحسب ولكن إحياء الإقراض الخفيف الخطير، الذي يضع شروطاً أقل على المقترضين.
ومن الأمثلة التي ذكرتها “ستاندارد أند بورز” هو إعادة الرسملة المقترحة من “كونتيننتال فود”، مقر قطاع أغذية المستهلك في بلجيكا. وفقاً ل”طومسون رويترز”، لقد إشترت مجموعة “سي في سي” (CVC) المالية المؤسسة البلجيكية في تشرين الأول (أكتوبر) 2013 بإستخدام 320 مليون يورو من كبار ممولي القروض، وهي تخطط للدفع لنفسها من توزيع الأرباح 160 مليون دولار من المؤسسة، بعد إعادة تمويل الديون التي سوف تأخذ نسبة الدين إلى الأرباح ل”كونتيننتال فود” الي 5.7 مرات أكثر من المستوى الحالي البالغ 2.9. وتشير التقارير إلى أن الصفقة ستزيل أيضاً كافة مواثيق صيانة القرض.
مثل هذه المعاملات لا تزال تشوّه الأسواق اليوم. وقد حسبت وكالة “ستاندارد أند بورز” أنه خلال ال 18 شهراً الماضية ساهم تمويل ديون الأسهم الخاصة فقط بحوالي 8 في المئة من إجمالي حجم القروض الأولية والسندات للشركات الأوروبية. لكن ظهورها في وقت لا يزال النمو الإقتصادي هشاً وضعيفاً يجب أن يعطي المستثمرين وقفة للتفكير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى