تلفزيونات لبنان وسائل ترفيه رخيص أم توجيه هادف!

بقلم جوزف قرداحي

733bd1_57b1f3de156a482fb91ef343a5217dc3

مسكينة هي المحطات التلفزيونية في لبنان.

مسكينة، كم شوَّهوا صورتها وأمعنوا في إرتكاب الأخطاء بحقها. فبعدما كانت مثالاً يُحتذى بها بين محطات التلفزيون العربية، أُصيبت بعلة إسمها: “الجمهور السخيف عاوز كده”، وأصبحت مُدمنة على إنتاج وتقديم كل ما هو فارغ وسخيف ومكَرَّر، إرضاء لشريحة ضيقة من المتموِّلين المتحكّمين بالسوق الإعلانية، والذين يفرضون أذواقهم الفنية الهابطة، على حساب البرامج الثقافية والتربوية الهادفة. الأمر الذي يفتح أكثر من علامة إستفهام حول دور التلفزيون في العالم العربي، وما إذا كان هو وسيلة ترفيه “كباريهاتية” وتسلية رخيصة تخلوان من أي هدف أو قضية، أم هو وسيلة إرشاد وتوجيه لا تقل شأناً عن دور الجامعة والمؤسسات التربوية؟!
ولعلّ علّة العلل في محطات التلفزيون في لبنان، هي إدارتها الماسكة زمام أمورها، كما يمسك السائس غير الخبير رسن الحصان القوي الجامح بالمقلوب، مانعة عنها فرصة الوثب والإنطلاق للوصول إلى مراتب أولى كان ينفرد بها “تلفزيون لبنان الرسمي”، قبل أن تتآمر عليه الدولة عندما أصدرت قرارها الشهير بإقفاله في العام 2000، وقبل أن تُمعن في التحكم به باسلوب أصبح من مخلّفات بداية القرن الماضي. فبعدما بتر وزير الإعلام الأسبق غازي العريضي، أيدي الموهوبين والخلّاقين في هذا التلفزيون، قام بترحيل جميع الوجوه المحترفة، من مذيعين ومقدّمين ومخرجين ومُعدّين (إناثاً وذكوراً) بحجة واهية وسخيفة، وهي: تقدمهم في العمر!

يا جماعة…

إن أرقى المحطات التلفزيونية وأكثرها تطوراً ونجاحاً في العالم، هي تلك التي تستقدم إداراتها الى أروقتها ومناهجها وشاشاتها، المخضرمين من أهل الإعلام، والمعتّقين من أهل الصحافة، الذين تخمَّرت اقلامهم في دواة الحبر، كما يتخمَّر عصير العنب في أقبية النبيذ. وسبرتهم ليالي السهر مع ملاحقة الأخبار والقضايا والمتاعب في أغوار الخبرة.
الخبرة، التي هي السلاح الأمضى للإعلامي، تزوّده بالمعلومات، وتحميه من المطبّات، وتغنيه وتثريه وتمدّه بالمفردات الغنية، الزوادة الاساسية لكل محاور تلفزيوني، مهما تحلّقت من وراء أذنيه جحافل المُعدِّين والمساعدين!
ما يضحكني حتى العظم، هو عندما أُقلِّب الأقنية الفضائية، وتطالعني جحافل العارضات المتحوِّلات الى “التقديم” بلا مواخذة، وهن “يتخَلْوَعْنَ” و”يتساخفن” مع المتصلين من مشاهدي “القناة” في أحاديث وتعليقات مفرداتها “هجينة” غير مفهومة، لا يُدرك معانيها سوى الرُضَّع والأطفال، وسكان “الماو ماو”.
هذا النموذج من المذيعات والمذيعين، أخشى ما أخشاه ان يُعمَّم على محطات تلفزيوناتنا المحلية، وبشكل أخص على “تلفزيون لبنان”، الذي كان يضم في يوم من الأيام الغابرة، رواداً في الإعلام والصحافة، من مستوى: ليلى رستم، ورياض شرارة، ونجيب حنكش، وإيلي صليبي، وجان خوري، وجاندارك ابو زيد، وكميل منسى، وسعاد قاروط العشي، ومهى سلمى، وريما نجم، ومادلين طبر الخوري، وسونيا بيروتي، وعرفات حجازي وجورج قرداحي، وغابي لطيف. وغيرهم العشرات من الاسماء الكبيرة التي صنعت مجد هذا التلفزيون.

اليوم ماذا نرى في المحطات التلفزيونية في لبنان؟!

نرى إدارات تتعامل بخفة وسطحية مع العناصر الإعلامية التي ينبغي ان تتكئ عليها، لكي تفلح في منهجية برامجها، من خلال تأسيس كوادر غنية بأصحاب الخبرة والكفاءة والمهارة، مع ضرورة الإستعانة “بالبراعم” الجديدة طبعاً، والتي تتغذّى من خبرات من سبقوها، لتنمو بسلاسة وتكتمل بعيداً من مشارط جراحات التجميل، ووسائل تكبير الصدر وتدوير الوركين ونفخ الشفتين، التي أصبحت من شروط النجاح وللأسف!
من المفارقات المضحكة التي تؤكد سخرية القدر المتحكّمة برقاب هذه الإدارات، أن سكرتيرة في إحدى المحطات اللبنانية المعروفة، اتصلت بزميل مخضرم، لإعلامه أنها تسلَّمت طلبه المقدّم منذ شهر ونصف الشهر، وأنبأته ان “سيرته الذاتية” الغنية بالخبرات والمهارات الممتدة الى نحو من عشرين عاماً، لفتت الإدارة، وتطمح الى تحديد موعد للقائه، ولكنها ترجو قبل توجهه الى “مبنى التلفزيون” ان يحمل معه بطاقة الهوية التي تثبت انه لم يتجاوز الواحدة والعشرين من عمره!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى