التحوّلات في قطاع الإتصالات اللبناني

بقلم البروفيسور جاسم عجاقة*

franganillo-wkFm9HKjyeY-original

يُساهم قطاع الإتصالات في لبنان بـ 5% من الناتج المحلي الإجمالي الأمر الذي دفع بالمحلّلين إلى تسميته بـ “البقرة الحلوب” نظراً إلى المدخول النقدي من الدولارات الأميركية الذي يؤمّنه. لكن يبدو هذا القطاع أنه سيكون عرضة لتحوّلات كبيرة خصوصاً مع قرار الحكومة اللبنانية تحويله إلى شركة مع القطاع الخاص.
يتميّز قطاع الإتصالات في لبنان بنسبة إحتكار حكومية رسمية عالية حيث توجد شركتان تابعتان للدولة اللبنانية في ما يخصّ الأجهزة المحمولة (الجوّالة)، وشركة واحدة للتلفون الثابت. أما قطاع الإنترنت فهناك 16 شركة في حقله تسمح بمضاربة مقبولة. ويبلغ معدل الإختراق 30% في الإتصالات عبر الأجهزة المحمولة، و63% للتلفون الثابت، و33% للإنترنت. وهذا الأمر يعني أنه مع دخل فردي يُوازي الـ 7000 دولار، فإن سوق الاتصالات ما زالت غير متطورة مقارنة بالبلدان التي تتمتع بمدخول موازٍ.
وأرقام هذا القطاع تُشير إلى نمو مهم في العام 2014 حيث أن توقعات الـ”Business Monitor International” تُعطي 7.8% كنسبة نمو في نهاية هذا العام. من هنا تأتي أهمية تحرير القطاع والذي يرزخ تحت عبء بيروقراطية الدولة عبر غياب الإستثمارات ومحدودية الخدمات المعروضة للزبائن، إضافة إلى التعقيدات الإدارية المُتعلقة بفتح خط جديد و/أو حلّ أية مُشكلة متُعلقة بالتشغيل. من هذا المُنطلق نرى أن تحرير قطاع الإتصالات في لبنان ستكون له فوائد على صعد عدة:
الزبائن: إن تحرير قطاع الإتصالات سيكون له أثر إيجابي على زيادة معدّل الإختراق، خيارات الزبائن، نوع الخدمات، نطاق الخدمة كما وإنخفاض الأسعار. وهذا يعني زيادة عدد المشتركين وبالتالي نسبة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي.
شركات الإتصالات: إن تحرير قطاع الإتصالات سيكون له أثره في هذا القطاع من ناحية مواكبة التطورات التقنية وتأمين مصادر تمويل للإستثمارات مع زيادة الإنتاجية فيه. وبما أن عدد الزبائن سيزيد نتيجة إنخفاض الأسعار، فإن مداخيل هذا القطاع سترتفع حتماً (عدد الزبائن سيزيد بسرعة أكبر من سرعة إنخفاض الأسعار). كما وأن هذا القطاع سيسمح بتأمين العديد من الخدمات عبر الإنترنت كالحكومة الإلكترونية.
الإقتصاد: إن التداعيات للنقاط المذكورة أعلاه ستكون من دون أدنى شك إيجابية على الاقتصاد عموماً وذلك عبر زيادة التآزر بين مختلف القطاعات الاقتصادية. ومع مساهمة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي، لا يُمكن إلا أن تكون نسبة التآزر كبيرة.
تبلغ نسبة مساهمة قطاع الإتصالات في الناتج المحلي الإجمالي 5%. وهذه النسبة أعلى من نظيراتها الأوروبية التي تتراوح بين 1.5% و4%. الأمر الذي دفع بالمحللين إلى تسمية هذا القطاع بـ “البقرة الحلوب” نظراً إلى المدخول النقدي العالي من الدولارات الأميركية الذي يؤمنه. لكن مع ضعف الإستثمارات فيه، قررت الحكومة اللبنانية تحويله إلى شركة مع القطاع الخاص، ستسمح من دون أدنى شك إلى ترقيته ورفعه إلى مستويات عالية من الخدمة كما وإلى تحفيز الإقتصاد بكامله.
وبحسب القانون 431 الصادر في العام 2002، الذي ينص على تحرير قطاع الإتصالات، فإن أصول وموظفي شركة أوجيرو، كما وعدد من خدمات وزارة الاقتصاد، سيتم نقلها إلى شركة إسمها “Liban Télécom” والتي أنشئت بموجب مرسوم من مجلس الوزراء في العام 2005. وهذه الشركة ستؤمن كل خدمات الإتصالات من خطوط ثابتة ومحمولة وإنترنت.
وينص القانون على أن تكون هذه الشركة مملوكة من قبل الدولة اللبنانية في المرحلة الأولى على أن يتم التخلي عن 40% من رأسمالها بموجب مزايدة لشريك إستراتيجي يتم إختياره بين شركات إتصالات عدة. والباقي يتم عرضه في البورصة للمستثمرين اللبنانيين بحسب آلية يتم تحديدها في مجلس الوزراء. وستقوم هذه الشركة بلعب دور منظم للمنافسة بين شركات الإتصالات التي ستستخدم البنية التحتية للإتصالات بموجب رخصة يتم شراؤها. وبموجب الرخصة ستعمد هذه الشركة إلى إستثمارات في الشبكة لتعود وتتخلى عنها في فترة محددة في إطار الـ”BOT”.
لكن عملية تحرير هذا القطاع تواجه مشاكل تتعلق بالدرجة الأولى بإقرار القوانين. فعلى صعيد المثال، لم يتم حتى الساعة إقرار قانون الشركة بين القطاعين العام والخاص والذي سيسمح بخلق الإطار القانوني لعملية نقل أصول أوجيرو إلى شركات خاصة كما وإلى مستثمرين. أيضاً يمكن الوقوف عند مشكلة بورصة بيروت والتي من المفروض أن تخضع لعملية خصخصة تسمح بعدها بإدراج 60% من رأسمال “Liban Télécom” ليتم شراؤها من قبل المستثمرين. وإذا كان البعض يعتقد بأن هناك إمكانية لبيع أسهم هذه الشركة عبر المصارف إلى المستثمرين الأفراد، فإن ذلك سيشكل مخالفة للقانون 431 والذي ينص على أن يتم ذلك عبر بورصة بيروت.
إن الحاجة الأساسية لتحرير هذا القطاع نابعة من عدم قدرة الدولة اللبنانية على تأمين تمويل الإستثمارات اللازمة لقطاع الإتصالات وذلك بهدف تأمين تطور هذا القطاع ومواكبة التقنيات الرقمية الحديثة. إلا أن هناك عنصراً أخر يتمثل بتحكيم الأمان على شبكة الإتصالات اللبنانية والتي تم خرقها من قبل إسرائيل في مناسبات متعددة وهذا بحد ذاته يعتبر خرقاً لسيادة الدولة اللبنانية. ولتأمين الشبكة، يتوجب تشفير المكالمات وذلك عبر إستخدام برتوكول الـ”IPV6″ الذي يسمح بتوسيع ذاكرة الترددات على الشبكة، ما يعني قدرة على التشفير بمفاتيح أكبر وبالتالي زيادة الصعوبة على العدو لخرق الشبكة.
إن التحديات التي تواجه قطاع الإتصالات هي تحديات متعلقة بقدرة الحكومة على نص القوانين التي تسمح بوضع الإطار القانوني الذي سيرعى تحوّل هذا القطاع من إحتكار الدولة إلى شركة مع القطاع الخاص. من هنا ندعو الحكومة اللبنانية إلى الإسراع في إقرار القوانين اللازمة لكي يُصبح لبنان مركزاً محورياً (HUB) للإتصالات لكل منطقة الشرق الأوسط.

• خبير إقتصادي وإستراتيجي ومستشار وزير الإقتصاد في لبنان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى