لا تتنفسوا طويلاً في بيروت وإلّا فقدتم 10 في المئة من أعماركم

بعدما تغنى – ولعشرات السنين – بأنه مصحّ للشرق، يقصده المرضى من البعيد للإفادة من هوائه العليل النقي، بات بلد الأرز اليوم بحاجة الى من يداوي هواءه ويعيده عليلاً.
فاللبناني « يعيش من قلة الموت «، بعدما وصلت نسبة تلوث الهواء في بلاده إلى 300% من الحد الأقصى المسموح به والذي تحوّل إلى تنين يجتاح حياة اللبناني مع غياب تام للوعي والإهتمام سواء من الدولة أو من المواطن على حد سواء.
والمقلق أيضاً وصول قيمة الفاتورة الصحية إلى نحو 50 مليون دولار في السنوات الاخيرة لمعالجة الأمراض الناجمة عن هذا التلوث، حيث إرتفعت نسب الإصابة بمرض الربو لا سيما عند الأطفال وغيره من الامراض الصدرية، بالتزامن مع ظهور أمراض لم تكن «الساحة الصحية» تسمع بها وهي اليوم تشاهد وبشكل يومي حالات منها.

أزمة السير من أبرز مصادر التلوث في لبنان
أزمة السير من أبرز مصادر التلوث في لبنان

بيروت – مازن مجوز

يفيد أهل العلم بأنه «يمكننا أن نعيش 40 يوماً بلا طعام ، و4 أيام بلا ماء، لكننا نموت بعد 4 دقائق بلا هواء». والسؤال هنا : ماذا عن جودة نوعية هذا الهواء؟
مع إنقضاء كلّ يوم يتكبّد لبنان 470 ألف دولار من جراء تلوّث الهواء وحده، وهذا المبلغ بالتحديد يمثّل كلفة تأثير التلوّث في المؤشّرات الصحيّة والمعطيات الإقتصادية المختلفة، وقد بلغت الكلفة السنوية لهذا التلوث 170 مليون دولار وفقاً للتقديرات العلمية (البنك الدولي ـ 2011)؛ وهي خسارةٌ تُعدّ أحد مكوّنات الكلفة الإجمالية للتدهور البيئي التي تمثّل 3.4% من مجمل الناتج المحلي للبلاد سنوياً.
وإذا كا التلوّث قد ضرب لبنان بمائه وغذائه فها هو يضرب هواء عاصمته بأوجع «عواصفه». قد لا يكون الخبر جديداً ومفاجئاً، لكن المستجد والخطير في آن هو أن نسبة التلوث قد وصلت في بيروت إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه، حيث بلغت 300% من الحد المسموح به عالمياً.
ويقول وهبي فرح ، دكتور في العلوم الفيزيائية في جامعة القديس يوسف في حديث ل»أسواق العرب»: «تظهر الدراسة التي قامت بها «وحدة البحوث المشاركة حول نوعية الهواء» والمتخصصة بقياس مستويات الغازات السامة والمواد العالقة في الهواء في مدينة بيروت، أن تلوث الهواء فيها بات بمعدل ثلاثة أضعاف الحد المسموح به من قبل منظمة الصحة العالمية، وذلك خلال السنوات الثلاث الأخيرة».
ويضيف : «إن ورشة العمل أظهرت أن التلوث يسيطر على الأجواء اللبنانية طوال 295 يوماً، بينها ما لا يقل عن مئة يكون فيها التلوث في حالة الذروة، وهو رقم مرتفع جداً بالنسبة إلى بلد «أخضر» مثل لبنان».
وإنطلاقاً من وحدة البحوث التي تضم باحثين من الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة القديس يوسف – والتي أنشاها المجلس الوطني للبحوث العلمية في أواخر العام 2008 . فإن الدراسة تظهر أيضاً أن المعدل السنوي لنسبة غاز ديوكسيد النيتروجين بلغت 58 ميكروغرام في المتر المكعّب، بينما المعدّل الأقصى الذي تسمح به منظمة الصحة العالمية لتواجد هذا الملوّث هو 40 ميكروغرام في المتر المكعّب.
بعد النتائج الاولى، قام الفريق بإصدار المعدلات السنوية للملوث ثاني أوكسيد الكربون في 23 موقع قياس موزعة على مساحة مدينة بيروت الإدارية، حيث تم تركيب 4 محطات قياس مستمر لملوثات عدة في كل من الأشرفية والجامعة الاميركية وقريطم وحرش بيروت في الطيونة (كلها في العاصمة).
وبينت المعدلات تخطي نسبة التلوث بثاني أوكسيد النيتروجين (NO2)النسبة القصوى للمعدل السنوي المسموح به من قبل منظمة الصحة العالمية، حيث إرتفع معدله السنوي من العام 2009 إلى 2010 بنسبة 10%.
واللافت أن تلوث الهواء في بلد الأرز لم يعد ينحصر في المدن، بل إمتد إلى إرتفاعات تراوحت بين 700 و900 متر عن سطح البحر، وأنه يكون في أدنى مستوى له في أوقات فصل الشتاء، أثناء هطول الأمطار التي تسقط معها التلوث على الأرض، والتي لا تشكل سوى ما يقارب 75 يوماً من أيام السنة وذلك حسب الإحصاءات لعامي 2009 و2010.
صحيح ان الدراسة اقتصرت على بيروت الكبرى، إلّا انها تعكس جزءاً من صورة شاملة عن وضع التلوث في البلد بكامله.
من الناحية العلمية، إن الهواء الذي نستنشقه هو ملوث بشكل مستمر، ما دامت مصادر هذا التلوث قائمة تبث غازاتها السامة في الجو، حيث يوجد في الوقت الحاضر حوالي 80 ألف مادّة سامّة تلوّث الهواء، وأكثرها خطورة هو غاز ثاني أوكسيد الكبريت، وأوكسيدا الكربون والنيتروجين، إضافة إلى المواد الكيماوية السامة الناتجة من المصانع.
«لو كان في لبنان أجهزة قياس رسمية لنسب تلوث الهواء (متنقلة وثابتة) لأقتضى في الكثير من أيام السنة (أكثر من مئة يوم)، إعلان منع التجوّل (للسيارات الخاصة على الأقل) في أوقات الذروة، ولكان لدينا نشرات عن نوعية الهواء في كل مقدمة او نهاية نشرة أخبار، كما هي الحال مع النشرات الجوية».هذه النتيجة التي يمكن التوصل إليها بعد مراجعة الدراسات المقارنة منذ العام 1995، والتي تم إثباتها أكثر من مرة من خلال أجهزة القياس التي تم وضعها في أكثر من موقع في مدينة بيروت بالإضافة الى قياسات الأجهزة المتنقلة.
في السياق عينه كانت الجامعة الأميركية في بيروت، أطلقت مشروعاً خاصاً لقياس نسبة تلوث الهواء بالجزئيات، التي تطلقها السيارات بالإعتماد على سيارة خاصة «فان» كعربة أبحاث، وضعتها بشكل يومي على مدى سنة على الطرقات المزدحمة على جانبي أوتوستراد بيروت – جونيه.
وكانت دكتورة الكيمياء التحليلية والجوية نجاة صليبا، رئيسة الفريق، الذي يعمل أيضاً في الجامعة منذ العام 2001 على أبحاث حول نوعية الهواء في بيروت، قد أعلنت أن الباحثين إكتشفوا أن الجسيمات في هواء لبنان، تتجاوز المستويات القصوى المسموح بها، وقد تكون مسببة للسرطان أحياناً.
وكشفت الدراسة أن «الخشنة» منها والتي تمّ العثور عليها في الهواء الطلق في مناطق حارة حريك وبرج حمود وشارع الحمرا ومنطقة المنارة في بيروت، تبلغ نحو ثلاثة أضعاف المستويات المسموح بها التي حدّدتها منظمة الصحة العالمية، لكن «الناعمة» تشكل خطورة أكبر على الصحة بسبب صغر حجمها، وقد بلغ معدلها في بيروت ثلاثة أو أربعة أضعاف المعدلات المقبولة.
وتتوالى الدراسات، ففي دراسة أخرى أجرتها الجامعة عينها يظهر أن المواطن اللبناني يخسر نحو 10% من عمره بسب إرتفاع نسبة تلوث الهواء في بيروت، وأن الهواء المحيط بأرصفة الطرقات هو الأكثر تلوّثاً، مسجلاً نسبة خطيرةً من الغازات السامة، ما يجعل من المقاهي الواقعة على أطراف هذه الطرقات بؤراً من السموم، وخصوصاً إذا ما أضفنا الأثر السلبي للدخان الناتج من النراجيل.
أما بالنسبة للجزيئيات التي تنجم عن غبار الشوارع وإستعمال المكابح وإحتكاك إطارات السيارات بالأرض بالإضافة إلى الإشتعال غير المكتمل للوقود، فهذه كلها تخطّت المستويات المقبولة بنسبة مئة في المئة على الأقل.
من الناحية العلمية، يستنشق الإنسان كل يوم من أيام حياته حوالي 13.5 كلغ من الهواء، يتسرب من خلالها إلى جسمه كميات لا يستهان بها من المواد والغازات السامة، على الرغم من أن الإنسان مجهز بحواس شم تصد ملوثات الهواء، إلا أن طاقاتها محددة.
بدوره يتحدث، جاد شعبان، بروفسور الإقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت،عن تلوث الهواء وأخطاره التي تستوجب إتخاذ خطوات عملية لمواجهتها مقدماً شروحاً وصوراً تظهر أن 93% من سكان بيروت معرضون لأخطار تلوث الهواء التي تتسبب بأمراض سرطانية.
ويوضّح في ندوة تحت عنوان «تلوّث الهواء في لبنان خطر يهدّد سلامة المواطن» أقيمت في بيروت في 24 حزيران (يونيو) 2013: «يتصاعد الإنبعاث ويختلط مع الهواء، وبتأثير الأشعة الشمسية يتزايد الحجم وتتزايد معه الأخطار» . مستخلصا معادلة: «زيادة التلوث تؤدي الى زيادة الوفيات».
وإذ يؤكد بأن أهم أسباب الوفيات في لبنان هي: «التلوث، والتدخين، وحوادث السير والحوادث الأمنية». يشير إلى أن التلوث الصناعي الناتج خصوصاً من معامل الإسمنت في شكا وسبلين، أدى إلى 2400 حالة ربو – وإلى تزايد التغيب عن العمل بسبب الأمراض التنفسية. ويسأل: «أين ستقام محطات تكرير البترول؟ وماذا سينتج عنها من تلوث مسبب للأمراض؟».
ومن بين الأمثلة التي أوردها شعبان كنموذج مخيف عن هذه المشكلة البيئية نسبة التلوث الناتج من المحركات الكهربائية في منطقة الحمرا في بيروت، حيث قدّم إحصائيات تثبت مدى الأخطار الناتجة من هذا التلوث.
والسؤال هل يدرك اللبنانيون أن نوعية الهواء في لبنان هي مصدر قلق كبير، وتؤثر في صحة الملايين من البشر؟
تفيد منظمة الصحة العالمية أن نسبة التلوث في هواء بيروت الكبرى بلغت مستويات مخيفة وباتت تشكل خطراً على الصحة، إذ سجّلت إرتفاعاً ملحوظاً منذ العام 2009، حين أطلقت وحدة البحث في نوعية الهواء التابعة للمجلس الوطني للأبحاث العلمية الدراسة الأولى لتقييم إنتشارها.
ولا عجب في ان تبلغ نسبة التلوث هذا الحد في لبنان، عندما نعرف أن قطاع النقل فيه يشكّل المصدر الأول من مصادر هذا التلوث بعدما وصل عدد السيارات فيه إلى 1,72 مليون سيارة في العام 2013 وما تنفثه من سموم ثاني أوكسيد الكربون في حين يُقدّر عدد السكان بنحو 4 ملايين شخص.
يضاف إلى ذلك محطات توليد الطاقة والكهرباء التي تستعمل أسوأ أنواع الوقود، حيث تتواجد هذه المعامل على مقربة من المناطق السكنية تقابلها المولِّدات الكهربائية المنتشرة في الأحياء.
أما قطاع الصناعة، فيحتلُّ المرتبة الثالثة في تلوّث الهواء، والحارقات المنزلية المرتبة الرابعة، وبعدها ورش البناء، وهنا تبرز مشكلة بناء «أبنية عالية في شوارع ضيقة»، مما يسبّب تأثير الوادي الضيّق والذي يحتجز الملوّثات في الشوارع.
وأيضاً هناك التلوث الصادر عن الغبار الناتج من الكسارات والمقالع، فضلاً عن تقلّص الغابات الى 7% من مساحة لبنان نتيجة الحرائق وإنتشار المقالع والكسارات. إضافة إلى الإنبعاثات التي تصدر عن مكبَّات النفايات المنتشرة بشكل عشوائي.
وبالعودة الى قطاع السيارات لا بد من أن نشير إلى أن نسبة السيارات للأفراد في لبنان أعلى منها في تركيا وموازية للنسبة ذاتها في اليابان، مع أن تركيا واليابان هما أكبر بكثير من لبنان وأكثر سكاناً. وتبثّ كل سيارة سنوياً طنّاً وستة أعشار من الطن من الملوّثات التي تستلزم مواجهتها زرع 160 شجرة عمرها سنتان على الأقل.
وتكرّ سبحة المسبّبات- التي وإن إختلفت- تجتمع في ما تؤدي إليه من نتائج ليس أقلها الحساسية وأخطرها سرطان الرئة ، علماً أن دراسة أقيمت في جامعة البلمند في شمال لبنان تناولت عينة من 2200 شخص، دلّت على أن اكثر من 2000 منهم فوق ال 40 عاماً فاقت نسبة البرانشيت المزمن لديهم الـ10% . ولعلّ الأخطر من هذا كله، يتمثل بتأثير التلوث في الأجنة من الناحية الخلقية، وبالتالي، وفي عملية حسابية بسيطة ، فإذا ما بقي معدّل التلوث في إرتفاع ، طبعاً في غياب الحلول، فان جيلاً بكامله قد يكون من سلالة «المشوّهين رئوياً».
في المقابل، أظهرت الدراسات البيئية الحديثة في أوروبا أن السكن في المناطق القريبة من الطرقات المعرضة لزحمة سير قد يتسبب بظهور 15% من إصابات الربو عند الاطفال وربما نسبة مشابهة او أكثر إرتفاعاً من أمراض مزمنة شائعة لدى الراشدين كالإنسداد الرئوي المزمن وسرطان الرئة.
وبحسب دليل إرشادات منظمة الصحة العالمية حول نوعية الهواء يمكن أن يؤدي تخفيض نسبة تركيز ال pm10 من 70 الى 20 ميكروغراماً للمتر المكعب الواحد الى تدني نسبة الوفيات الناتجة من نوعية الهواء بنسبة 15%.
قد يكون الربو مرضا مألوفاً في لبنان، إلا أن قائمة الأمراض الصدرية التي ينتجها التلوث تطول وتطول . فمن الإنسداد الرئوي إلى الأمراض المزمنة والسل والإلتهابات وأمراض الغشاء الرئوي والامراض التليفية والأوعية الدموية الرئوية وأمراض النوم والتنفس شبه الإصطناعي وصولاً الى سرطان الرئة ، قائمة بأمراض متعددة سببها واحد هو التلوث. علماً أن إلى الكلفة الصحية لمعالجة الأمراض الناجمة عن تلوث الهواء، فقد بلغت 1,02 من الناتج المحلي الإجمالي في لبنان.
ويشدد رئيس لجنة الامراض الصدرية الدكتور نديم كنج ، على أن تلك الأمراض باتت تظهر بنسب مرتفعة لدى اللبنانيين لافتاً إلى إحتلال سرطان الرئة المركز الاول عند الرجال، كونهم الأكثر تدخيناً، بالإضافة الى الحساسية والإلتهابات المتكررة عند الأطفال والأخطر من ذلك هو ضعف الادراك العقلي . ويتابع «بتنا نشهد حالات عديدة ومتزايدة بين الاطفال ذوي التشوّهات والتي تنتج بدورها من التلوث الذي يؤدي الى تشوّه في الرئتين وبالتالي الى تشوّهات خلقية وذهنية ومشاكل في النمو».
بالنسبة الى السرطان والبرانشيت المزمن فهو غالباً ما يصيب الأشخاص فوق الـ40 . فيما العوارض التي ترافق تلك الامراض غالباً ما تبدأ بسعال مزمن وضيق تنفس وأوجاع الصدر عند الجهد والدم في البلغم وحرارة مرتفعة دائماً، وعندها يجب التوجه الى الطبيب مباشرة.
ورداً على سؤال تجيب طبيبة الرئة ماري لويز كوسا كونيسكي، من مستشفى رزق، أن عدد حالات الربو وإلتهاب الجيوب الأنفية وأمراض الأمعاء والرئتين إزدادت كثيراً في العقد الماضي. «فعدد حالات الربو في لبنان مثلاً أعلى ب 50 % منه في أوروبا والولايات المتحدة، فيما تظهر الدراسات الحديثة أن خفض نسبة التلوث إلى المعدلات المقبولة يخفّض حالات الربو إلى 70 % وإلتهاب الشعب الهوائية إلى النصف».
ولا تتوقف مخاطر التلوث هنا، إذ ذكرت دراسة أميركية أن تلوث الهواء يؤثّر في سلامة الدماغ بعد سن الـ 50، بحيث يعجّل شيخوخته بمعدّلات أسرع بنحو 3 سنوات. فقد قام الباحثون بدراسة على 15 ألف رجل وامرأة فوق سن الـ 50، وأجروا عليهم إختبارات معرفية عمدوا إلى مقارنتها بخريطة تلوث الهواء.
وإستنتج الباحثون، بعد إحتساب عوامل كثيرة مثل السن، والعرق، والتربية، والتدخين، وحالة التنفس والقلب لدى المشاركين في الدراسة، أنه كلما زاد تلوّث الهواء، قلّت معدّلات الإختبارات، مشيرين إلى أن شيخوخة الدماغ كانت أسرع بنحو 3 سنوات لدى المقيمين في المناطق الأكثر تلوثاً، بالمقارنة مع المقيمين في المناطق الأقل تلوثاً.
ومن بين أبرز الخطوات التي قامت بها وزارة البيئة في لبنان هو إطلاقها في 5 كانون الاول (ديسمبر) 2013 «الشبكة الوطنية لرصد نوعية الهواء» ضمن مشروع تطوير مراقبة الموارد البيئية في لبنان المموَّل من الحكومة اليونانية.
وفي المناسبة أكد وزير البيئة السابق ناظم الخوري، أن الوزارة تعمل على تحديث معايير نوعية الهواء والحدود القصوى للإنبعاثات من أجل فهم أفضل للآثار التراكمية للمشاريع الجديدة على السكان، وبالتالي فرض التدابير اللازمة للتخفيف من هذه الآثار حيث تدعو الحاجة.
وتضمن المشروع بشكل أساسي تشييد خمس محطات لرصد نوعية الهواء في مختلف أنحاء البلاد، حيث تم وضع الأسس اللازمة لجمع البيانات وتحليلها وتحويلها الى «داتا حتى تتمكن الوزارة من مراقبة نوعية الهواء» من أجل تحسين تقويم الآثار ووضع السياسات السليمة.
وإذا ما أردنا البحث عن المعالجات، نجد لدى صليبا عدداً من الحلول السريعة والبعيدة الأمد، ومنها: «فرض أوقات متأخرة لبدء العمل، تنظيم قطاع النقل العام، التشارك في النقل بالسيارة، إستعمال الدراجات الهوائية، إستعمال بدائل الوقود والعربات الإيكولوجية، وبناء شبكة قطارات كهربائية وخطوط باصات». فيما يشدد رئيس لجنة الأشغال العامة والطاقة النائب محمد قباني على وجوب إقرارمشروع قانون «حماية نوعية الهواء» الذي تناقشه اللجان المشتركة.. واعتماد مبدأ تقييم الأثر البيئي الذي نص عليه القانون 444/2002.
وما يجدر التوقف عنده أن السيارات الهجينة في لبنان لا تزال ظاهرة نادرة رغم الوفر بسبب إرتفاع فاتورة المحروقات، ولا تزال مبادرات تحسين مواصفات الوقود مقتصرة على القطاع الخاص فيما لم تدخل السيارات الكهربائية الى السوق اللبناني على الإطلاق. (إقرأ موضوع سيارات المنشور في هذا العدد).
وربما يكون المقابل المادي البالغ 20 دولاراً، الذي فرضه مطار «مايكويتا» الدولي في فنزويلا، على المسافرين نظير ما يستنشقونه من هواء نقي داخل صالة المطار، خطوة على الطريق البيئي الصحيح، حيث أن هذه التقنية الجديدة التي يعتمد عليها نظام التهوئة تقلل من الملوّثات والبكتيريا في الهواء، وتزيل الروائح الكريهة أيضا، بهدف تحسين صحة المسافرين.
وبدأ المطار تطبيق «ضريبة التنفس» منذ الأول من تموز (يوليو) 2014 في جميع الرحلات الدولية والداخلية على المسافرين الواصلين والمغادرين.
وفي الختام فإن الكثير من الدراسات الآنفة الذكر إنتقلت من أيدي المتخصصين إلى آذان وإدراك المسؤولين. إن الأمراض تفتك بصمت بجسد كل لبناني- الذي نسي- في خضم معركته لكسب سبل العيش، أن لما يتنفسه دوراً أساسياً في بقائه على قيد الحياة، فتعايش مع غبار ودخان ورائحة مازوت وفيول، حتى بات يألفها، ليصبح معها الحديث عن التلوث آخر إهتماماته ولسان حاله يقول «شو بعد ناقص فكّر بالهوا»؟. ويبقى السؤال هل من يكترث كي لا تطير الصحة والحياة مع الهواء ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى