فؤاد زمكحل: شراكة القطاعين العام والخاص هو حبل خلاص الإقتصاد اللبناني!

حوار خاص مع رئيس تجمع رجال الأعمال اللبنانيين

أجرى الحوار في بيروت جوزف قرداحي

أكد رئيس تجمع رجال الأعمال اللبنانيين الدكتور فؤاد زمكحل في حوار خاص مع أسواق العرببأن لبنان وصل إلى مرحلة الخطر الإقتصاديوالحل يكمن في الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وكشف بأن التجمع قدّم مشروع قانون حول هذه الشراكة إلى مجلس النواب الذي ما زال يحتفظ به في جواريره العميقة“. وطرح مسألة البنى التحتية في لبنان وأهميتها بالنسبة إلى التنمية الإقتصادية وإقترح حلاً لها، فيما أبدى تخوفه من مشكلة اللاجئين السوريين التي بدأت تهدّد النسيج الإجتماعي في البلاد وطالب بإيجاد حل سريع لها قبل فوات الأوان.

وفي ما يلي نص الحوار معه:

سأبدأ حواري معك، منطلقاً من نقاط عدة أساسية تتعلق بالشأن الإقتصادي لبنانياً وعربياً ودولياًولكن لنحدد أولاً دورك كرئيس لتجمع رجال الأعمال اللبنانيين، ودور التجمع على مستوى المبادرات والخطط الإنمائية التي من شأنها أن تساهم في الحد من هجرة الأدمغة اللبنانية، ولا سيما الشباب منهم، وبالتالي تفتح أمامهم فرص العمل وخلق المشاريع الجديدةوأنا هنا أحب أن أنوّه بأنك كنت قد حذرت في حديث لإحدى الوكالات من خطورة الوضع الإقتصادي الذي وصل إلى حافة الإنهيار؟

أنا لم أذكر بالتحديد كلمة إنهيار“. دعنا نقول أننا وصلنا إلى مرحلة الخطر الإقتصادي“. فلا يُخفى على أحد أننا نمر اليوم في أزمة إقتصادية قد تنعكس سلباً على رجال الأعمال وإستثماراتهم.

(متابعاً) أنت تدرك تماماً أن الإستقرار الإقتصادي يرتبط مباشرة بالإستقرار السياسي والإستقرار السياسي يرتبط أيضاً بالإستقرار الأمني والعكس صحيح. إذن لا إستقرار إقتصادياً من دون أمن ولا أمن من دون وفاق سياسي يوفّر الطمأنينة لحركة رجال الأعمال.

هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية وجواباً عن سؤالك حول دور تجمع رجال الأعمال، فنحن نحتفل اليوم كتجمع بالعيد الـ27، وهذا مؤشر على انه من أهم التجمعات الإقتصادية التي تأسست في لبنان. أما ميزة التجمع الأساسية، فهو يضم كل القطاعات الإنتاجية الأساسية في لبنان، مثل التجار والصناعيين والمصارف وشركات التأمين وغيرهم من رجال الأعمال. ولكن قوة هذا التجمع وأهميته انه يجمع على هذه الطاولة المستديرة التي تراها أمامك كافة رجال الأعمال ومن مختلف القطاعات لدراسة المشاريع الإنمائية على مستوى الإقتصاد العام، وليس على مستوى القطاعات الصناعية التي تضم نقابات ترعى شؤونها بشكل مستقل، وكل نقابة تبعاً لإختصاصها. فنحن في هذا التجمع، ندرس المشاريع من خلال رؤية موحّدة من شأنها أن تفيد الإقتصاد العام وتساعد على بناء النمو المستدام. (يستدرك) هدفنا إذن هو المحافظة على القطاع الخاص إنطلاقاً من التسليم بحقيقة أن لبنان ليس غنياً بموارده الطبيعية، علماً بأننا موعودون بإستخراج الغاز الطبيعي، ولكن أنا هنا أريد أن أنسى أننا نمتلك ثروة طبيعية لا نعرف كيف نستثمرها حتى الآن، ولكن في المقابل نحن من أغنى البلدان في مواردنا البشرية.

"الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي الحل لإنقاذ الإقتصاد اللبناني"
“الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي الحل لإنقاذ الإقتصاد اللبناني”

(يتابع) هذا على صعيد التجمع ودوره في بناء نمو إقتصادي مستدام، إلى جانب حماية القطاع الخاص الذي له الفضل الأول في وقوف البلد على رجليه، وصموده أمام كل الهزّات والأزمات الإقتصادية. أما من ناحية أخرى وعلى صعيد المشاريع التي نعمل عليها في التجمع، فهنالك مشاريع قوانين عدة نعمل عليها بالتعاون مع مجلس النواب، من شأنها تحسين مستوى أعمال ومشاريع رجال الأعمال. فنحن موجودون كتجمع في معظم اللجان النيابية والإقتصادية التي تُعنى بشؤون الإقتصاد والتجارة والصناعة.

(أضاف) كما وإنني أقول وبكل فخر، بأن مشروع ضمان الشيخوخة قد تم إنجازه وتنفيذه من داخل هذه القاعة، وهو مشروع ناضل التجمع من أجل تحقيقه منذ العام 1993. وقد اصبح منجزاً بواسطة الإدارة الجديدة للتجمع منذ أيلول (سبتمبر) 2011، وهو اليوم في أدراج مجلس النواب من أجل دراسته والتصويت عليه لتشريعه.

ولكنه ما زال مشروعاً وكلاماً على الورق، طالما أنه لم يُشرّع في مجلس النواب. وقد ينام في الأدراج سنوات طويلة قبل أن يرى النور، كعادة الدولة التي تعمل كالسلحفاة في إقرار المشاريع الإجتماعية؟

هذا صحيح، ولكن دورنا ينتهي عند مجلس النواب. طبعاً نحن نسعى مع النقابات ورجال الأعمال والأقطاب إلى الضغط والتعجيل في التصويت عليه. ولكن الخطوة الأهم أنجزناها كتجمع وهي تنفيذ مشروع ضمان الشيخوخة الذي بدأ العمل به منذ العام 93. (يتابع) من المشاريع المهمة أيضاً التي حققناها داخل التجمع في العام 2012، مشروع الأسهم التفضيلية المتعلق بالقطاع الخاص. فكما هو معروف، هناك قانون خاص يسمح للمصارف بإنتاج أسهم تفضيلية مع فائدة معينة، تمكنها من خلق سيولة نقدية لإعادة توظيفها في القروض، الأمر الذي يساهم في نمو واإدهار القطاع المصرفي. من هذا المنطلق، كانت رغبتنا بمشروع قانون مماثل يسمح لشركات القطاع الخاص بإنتاج أسهم تفضيلية، تساعدها على النمو ومن دون إضطرارها إلى الإقتراض من المصارف وزيادة الأعباء المالية عليها، وذلك عبر خلق سيولة بواسطة مستثمرين جدد يساهمون في زيادة رأسمال الشركة وذلك بواسطة مشروع الأسهم التفضيلية. (يضيف) أما المشروع الثالث الذي قدمناه إلى مجلس النواب، هو مشروع قانون أسهم الـ“SAS”او ما يعرفباسهم الشركات المبسّطة.

ما هو قانون أسهم الـ“SAS”، وماذا تعني أسهم الشركات المبسّطة؟

أنت تعرف أنك حين تريد تأسيس شركة تجارية، عليك أن تسجّلها في السجل التجاري إما كشركة فردية أي محدودة المسؤولية أو ما يعرف بالـ (ش م ل) أي شركة مساهمة لبنانية. لكن القانون التجاري في فرنسا اليوم وجد حلاً مثالياً لمعضلة تأسيس الشركات، وهو قانون تأسيس الشركات المبسّطة، الذي إعتمدناه في لبنان، ولا سيما أن معظم قوانيننا المرعية الإجراء مأخوذة من القوانين الفرنسية. وأهمية هذا القانون أنه يسمح بخلق شركات تجارية ضمن شروط مرنة وسهلة وبكلفة زهيدة للغاية، حتى في حال إضطرارها إلى وقف أعمالها أو نقل ملكيتها من مستثمر إلى آخر، فإنها لا تحتاج إلى معاملات معقّدة، وذلك من خلال وضع نظامها الداخلي الخاص بها، الذي يلحظ كل تلك الأمور المبسّطة في العلاقات التجارية. على عكس النظام الداخلي اللبناني الذي تفرضه وزارة الإقتصاد على الشركات التجارية كقانون منزّل.(يتابع) إذن نحن إستطعنا من خلال قانون الشركات المبسّطةإيجاد حل ميسّر للشركات الصغيرة التي لا تمتلك الرساميل الضخمة، وتطمح إلى المشاركة في العجلة الإقتصادية بأمان وبعيداً من تعقيدات المعاملات الروتينية في دوائر الدولة.

"البنى التحتية تعرقل النمو في لبنان"
“البنى التحتية تعرقل النمو في لبنان”

(يضيف) أما المشروع الرابع الذي أنجزناه في تجمع رجال الأعمالوقدمناه إلى مجلس النواب، هو مشروع قانون الرهن على الأموال المنقولة“. بمعنى أن الشركات التي هي في الأساس كانت قد إقترضت من المصارف ضمن تقديم رهن معين كضمانة، مثل رهن شقة أو أرض أو عقار، وإضطرت إلى الإقتراض مرة ثانية، ولم تعد قادرة على تقديم الرهن نفسه مرة ثانية، فهي من خلال هذا القانون تستطيع رهن بضاعة الشركة، مثل السيارة أو الموجودات الأثاثية أو حتى الملبوسات وغيرها من الملكيات او ما يسمى (ستوك Stock) والتي قد تساهم في تقديم نوع من الضمانة للمصارف لتسهيل عمليات القروض، الأمر الذي يساهم بتوسيع أعمال الشركات وتحريك تجارتها وإنقاذ أعمالها من الجمود، وبالتالي تساعد على ضخ السيولة في البلد والمساهمة في النمو الإقتصادي، ومن جهة أخرى تحفز المصارف على توظيف أموالها في قطاعات مثمرة ومنتجة.

(يستدرك) أما حبل الخلاص لإقتصاد لبنان أو البنية التحتية لإقتصاد لبنان هو مشروع قانون الشراكة ما بين القطاع الخاص والقطاع العام، الذي أنجزناه وأصبح في البرلمان للتصويت عليه. ونحن كتجمع رجال الأعمال متمسكون بهذا القانون، ونسعى بكل قوانا وجهودنا من أجل أن يأخذ طريقه إلى التشريع كي يرى النور، لأنه من أهم المشاريع التي من شأنها أن تحمي الإقتصاد من أي هزات أو خضات عالمية، وبالتالي تساهم في تطوير البنية الإقتصادية للمدى المنظور وتشجّع على خلق فرص العمل، والحد من هجرة الشباب والأدمغة، وهذا رداً على جوهر سؤالك الذي إستهللت به هذا اللقاء.

(يتابع) وسأشرح لك أهمية هذا المشروع بإيجاز. فكما هو معروف، أن الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص كان منذ عشر سنين خياراً حراً، أي بمعنى أن القطاعين الخاص والعام كان بإمكانهما الشراكة بإلتزام مشاريع تأهيل البنى التحتية أو توسيع شبكاتها أو الإستثمار، أو اللجوء إلى صناديق دعم مالي في أي بلد عربي أو أوروبي أو أميركي لتمويل البنى التحتية. لكن ومنذ الأزمة الإقتصادية والإنهيار العقاري في دبي والولايات المتحدة، إهتز النظام الإقتصادي في العالم بأسره، وأحدث تغييراً جذرياً في السياسة المالية، الأمر الذي إنعكس سلباً على كل الخطط والمشاريع الإنمائية في لبنان. ولا يخفيك الأمر أن لبنان هو البلد الوحيد الذي لم يجدّد بنيته التحتية منذ نهاية الحرب اللبنانية، أي منذ أكثر من عشرين عاماً. فحال شبكات المياه والمصارف الصحية وخطوط الهاتف وشبكات الطرق شبه مهترئة، وهي لم تشهد أي تحديث أو تأهيل منذ تسعينات القرن الفائت، فضلاً على أنها في تراجع مستمر.

ولكن تزعم الحكومات التي توالت على الحكم منذ نهاية الحرب الأهلية، ولا سيما حكومة فؤاد السنيورة أنها صرفت الأموال الطائلة لتحديث البنى التحتية، مما راكم الدين العام، وأوصل البلاد إلى حالة من العجز. أين ذهبت تلك الأموال التي صُرِفت وعلى ماذا صُرفت؟

أين صُرفت الأموال، وكيف صُرفت، وعلى ماذا صُرفت لا أستطيع أن أجيبك بالتحديد. ولكن من المؤكد أن تلك الأموال لم تُصرف على البنى التحتية، والقسم الأكبر منها ذهب هدراً!

ذهب هدراً أم إختلاساً؟

دعنا نقول أنه ذهب هدراً. أنا هنا أريد أن أتحدث في الشأن الإقتصادي ولست بمعرض الخوض في المسائل السياسية. ولكن ما أستطيع أن أجزم به هو أن الدين العام لم يُصرف على الخدمات العامة والبنى التحتية، بدليل أن كل قطاع الخدمات يتراجع بشكل دراماتيكي. الكهرباء بتراجع مستمر، وكل الأموال التي قيل أنها صُرفت لتأهيلها لم تأتِ بأي جدوى تُذكر. شبكة الطرق غير مؤهلة بما يتلاءم مع هذا العدد المتزايد من السيارات. شبكة المجارير تكاد لا تستوعب إستهلاك اللبنانيين، فكيف ستتحمّل استهلاك مليون ونصف المليون نازح سوري إضافي؟. خدمة الأنترنت مهما حاولت تحسين سرعتها وقوة إستيعابها، فهي أمام منافسة الدول الأخرى وتطور خدمات الأنترنت فيها تُعتبر شبه بدائية. (يضيف) مهما أحصينا المشاكل والتراكمات الناتجة عن إفتقارنا إلى البنى التحتية الحديثة، فسنبقى مقصّرين.فإذا ألقيت نظرة سريعة على القرى البعيدة، تكتشف أنها مزدهرة بأفخم البيوت والقصور، في وقت لا تجد طريقاً صالحة توصلك إليها. ناهيك عن المناطق التي وصل فيها سعر العقار إلى أرقام خيالية، تكاد تكون أغلى من أسعار العقارات في الجادة الخامسة في نيويورك، وفي المقابل تجد دولتك أنها عاجزة عن تأمين الكهرباء، أوإيجاد الحلول الجذرية لها. (يستدرك) أمام كل هذه التراكمات والأزمات وعجز الدولة، وجدنا نحن كتجمع رجال الأعمال، أن أفضل الحلول هو شراكة القطاع الخاص مع القطاع العام، لإلتزام مشاريع الخدمات العامة وتمويلها من أجل تأهيل الطرق وتحديث شبكات المجارير وغيرها من الخدمات المتعلقة بالبنى التحتية التي هي عصب الإقتصاد وشريانه. فمن خلال هذا القانون، ننقذ الدولة من عجزها ولا سيما أنها أصبحت غير قادرة على تأمين أي تمويل من صناديق الدعم الدولية نتيجة الإنهيار الإقتصادي العالمي كما قلت لكً سابقاً، وتراكم الدين العام أوصل الخزينة إلى ما يشبه الخطر الداهم. إذن لا سبيل إلى إنقاذ الإقتصاد إلا من خلال جعل القطاع الخاص قطاعاً داعماً وشريكاً مع القطاع العام، وهذا لا يعني أن القطاع الخاص أصبح شريك الدولة، لأن الدولة في هذا المجال هي من تفرض الرقابة على أداء القطاع الخاص، بعد أن تمنحه الإمتياز لتمويل المشروع وإستثماره، ولكن ضمن رقابة صارمة من الدولة. وقد أثبت القطاع الخاص أنه القطاع الوحيد القادر على الإستثمار وجني الأرباح، وهو الوحيد القادر على التحرك بسهولة ونجاح. في وقت تبيّن أن القطاع العام أصبح عبئاً على الدولة، وغير منتج. (يتابع) وأنا في المناسبة أحب أن أنوّه بالدكتور زياد حايك الذي تلقينا منه الدعم الكامل والمساعدة المشكورة لإنجاز هذا المشروع، ولا سيما أن الإعداد له استغرق أكثر من 15 جلسة عمل من أجل دراسته بشكل كاف، آخذاً بعين الإعتبار وجهات نظر كل الأفرقاء وموافقة جميع الجهات المعنية بالمشروع. وآمل أن يأخذ طريقه إلى النور في القريب العاجل، ويخرج من جوارير مجلس الوزراء لتصديقه والموافقة عليه، قبل تحويله إلى مجلس النواب للتصويت عليه وتشريعه. لأن كل الآمال معقودة على هذا المشروع الذي هو بمثابة خطة خلاص لإقتصاد لبنان.

_MG_0125

هذا القطاع الخاص المزدهر في بلد منهار إقتصادياً، هل من خطة لديه لتقديم قروض ميسرة، لتشجيع الأعمال التجارية الصغيرة التي من شأنها تحريك عجلة الإقتصاد وإنعاشه؟

لا أخفيك سراً أنه من واجب القطاع الخاص مساعدة الشركات الصغيرة، ودعمها لتحفيزها على النمو والإزدهار. ولكن دعني أولاً أشير إلى أن لبنان يعاني من نمو إقتصادي بطيء جداً منذ ثلاث سنوات، ولا يتجاوز مؤشر معدل النمو فيه أكثر من واحد او إثنين ونصف في المئة، الأمر الذي يشير إلى أننا وصلنا إلى وضع إقتصادي خطير جداً. فالدين العام الذي نعاني منه، فضلاً عن دين الشركات الصغيرة لدى القطاع الخاص، إضافة إلى نسبة المستوى المعيشي لدى الموظف أو رجال الأعمال كلها تتأثر بالنمو العام للإقتصاد. من هنا ندرك أن الأزمة الحقيقية ليست بتدني مستوى القيمة الحقيقية للرواتب. بل إن الأزمة الحقيقية هي بتوقف الشركات عن النمو، وعجزها عن تحقيق أرباح تساعدها على تغطية نفقاتها وتسديد مديونيتها للمصارف.

ولكن كيف تفسّر هذا التباين الغريب ما بين إزدهار السوق العقارية بشكل جنوني وإرتفاع أسعاره بهذا الشكل الهستيري، في ظل بلد يعاني من الازمات الإقتصادية، وشركات شبه مفلسة، وأسواق تجارية مقفرة وشبه مهجورة؟

سؤالك مهم جداً، وأشكرك على طرحه، وهو يصبّ بشكل أساسي في طرحنا هذا. ولكن دعني أولاً أتابع شرح فكرتي عن مسألة النمو ومخاطر تراجعه على مستوى الإقتصاد في بلد مثل لبنان، لتتمكن من تكوين صورة كاملة عن المشكلة الحقيقية، وسبل معالجتها.

(يتابع) ليس سراً أن إقتصاد لبنان قائم على النمو، والمداخيل الأساسية التي تتغذّى بها الخزينة تأتي عبر موارد القطاع الخاص. فإذا توقّف نمو تلك الشركات التي تشكّل عصب وقوة القطاع الخاص، وتوقفت أرباحها، فإنها ستؤثر على القطاع العام بشكل مباشر وتصيبه بالعجز، لأن معظم مداخيل القطاع العام ناتجة من الضرائب الواردة من حركة المرفأ والمطار والسياحة وغيرها.

(يضيف) ولكي تحافظ على هذا النمو وتزيد من نسبته، ليس أمامك سوى حل من إثنين؛ فالحل الأول هو عبر ضخ السيولة المصرفية وتسهيل القروض الميسّرة وطويلة الأجل للشركات الصغيرة ولشراء البيوت والسيارات وأجهزة الكومبيوتر والأدوات الكهربائية وغيرها. وتمويل هذه القروض طبعاً سوف يكون على عاتق المصارف الخاصة المدعومة من مصرف لبنان. وبطبيعة الحال، مصرف لبنان لا يمكنه أن يبادر إلى دعم المصارف، ما لم يكن مدعوماً من وزارة المالية.أما الحل الثاني، فهو أن توافق الشركات الخاصة في لبنان، على المبادرة إلى فتح أسواق في الخارج، وتصدير خبراتهم ومنتجاتهم وكفاءاتهم البشرية إلى العالم، وخصوصاً إلى القارات النامية، مثل أفريقيا وأميركا اللاتينية. التي ستوفّر أمام الإقتصاد اللبناني أسواقاً جديدة، قد تكون عرضة للتهديد أو التعثر أو التوقف في البلدان العربية، نتيجة الأوضاع السياسية المتقلبة والمتوترة التي تشهدها المنطقة العربية بين فترة وأخرى، وعلى إمتداد السنوات الثلاث الأخيرة.

(يستدرك) إنطلاقاً من هذا الواقع، بادرنا كرجال أعمال في هذا التجمع إلى عقد سلسلة لقاءات عمل مع سفراء كل دول أميركا اللاتينية من دون إستثناء، وقد جمعناهم على غداء عمل وقدّمنا لهم إقتراحاتنا ومشاريعنا الإقتصادية التي يمكننا المساهمة بها في تلك الأسواق النامية، ولا سيما أن أجدادنا كانوا سبقونا بأجيال إلى تلك الدول، ووضعوا المداميك الأساسية فيها. وقد تلقينا كل تشجيع ودعم وترحيب من سفراء تلك الدول. وبالفعل فقد أثمرت هذه اللقاءات عن الإتفاق على تنفيذ ستة مشاريع في أميركا اللاتينية، ومنها: فتح مصرف كبير، وشركة تأمين، ومعمل للأدوية الكيميائية وغيرها. وقد فوجئنا بسرعة التنفيذ، وبالتسهيلات التي تلقيناها من السفراء للبدء بمشاريعنا، التي سوف تفتح على السوق الاقتصادي في لبنان أبواباً من الذهب.

(يضيف) أيضاً، وفي خطوة مماثلة قمنا بمبادرة نحو أسواق أفريقيا، حيث عقدنا في التجمع لقاءات عمل مع سفراء دول أفريقيا، الذين أبدوا أيضا كل ترحيب وتشجيع، وخصوصا أن أسواقهم النامية تحتاج إلى الخبرات اللبنانية والمهارات البشرية التي أثبتت في العديد من الدول، أنها الأفضل.

جميل جداً، وهي خطوة تُشكرون عليهاولكن دعني هنا أعيدك إلى سؤالي الذي طرحته عليك قبل هذه الاستفاضة حول السوق العقارية المزدهرة في لبنان، والتي تنمو بسرعة الصاروخ، في ظل إقتصاد على حافة الخطر كما تقول، وبطالة وهجرة، وخزينة عاجزة، ونمو معدوم. هل من أعجوبة، أم ثمة قطبة مخفية، أم لنقل بصراحة هل من مافيا عقارية تسيطر على السوق العقاري في لبنان، تحرّكه كما تشاء وكيفما تشاء من دون حسيب أو رقيب؟

لا أعتقد بوجود مافيات عقارية وراء هذا الإرتفاع في أسعار الشقق. لا تنسَ أن الودائع في المصارف اللبنانية يصل حجمها إلى ما يزيد عن الـ117 مليار دولار، وهي مملوكة من اللبنانيين. الأمر الذي يعني أن شريحة من هؤلاء لديها إمكانيات مالية كبيرة، قادرة أن تشتري وتستثمر في السوق العقارية. وأيضاً هنالك شريحة واسعة من المغتربين الذين في نهاية المطاف يسعون إلى الإستقرار في لبنان، ويُقبلون على شراء الشقق. وهو أمر يجعل السوق العقارية في منأى عن الركود الإقتصادي وبالتالي يحميها من أي تأثير سلبي قد يحدث على مستوى الإقتصاد العالمي. اليوم هنالك جمود في حركة أسعار الشقق، والسبب لا يعود إلى الوضع الإقتصادي، بل إلى الأزمات السياسية والخضّات الأمنية، التي وحدها تهدّد الإستقرار النقدي في لبنان. فضلاً عن ذلك، فإن من يسيطر على السوق العقارية في اي دولة من دول العالم، نسبتهم لا تتجاوز الواحد في المئة. أي بمعنى آخر فإن من يسيطر على رؤوس الأموال في العادة نسبتهم قليلة جداً، أي ما يوازي واحد في المئة من الأفراد الذين يسيطرون على نسبة الـ99 في المئة من الأموال الموجودة في السوق. (يستدرك) ماذا يعني هذا الأمر؟ يعني أن من يستطيع شراء شقة تصل قيمتها إلى رقم خيالي في العاصمة، هم شريحة متفوقة وناجحة من رجال الأعمال، الذين يتمتعون بمداخيل كبيرة وأرباح عالية. ناهيك عن أن المستثمر العربي عادة يستثمر أمواله في شراء العقارات في لبنان. وهو أمر من شأنه أن يزيد الطلب على الشقق في العاصمة، ويؤدي تلقائياً إلى إرتفاع أسعارها.

ولكن هذه السياسة العقارية المتوحشة، تسحق الطبقة الفقيرة، وتقضي على الطبقة المتوسطة. من يحمي هذه الطبقة المتوسطة من الجشع المالي المتمثل في السوق العقارية؟

اوافقك الرأي على أن هذه السياسة وهذا المنحى في إرتفاع أسعار الشقق من شانه أن يقضي على الطبقة المتوسطة. ولكن كيف نحمي هذه الطبقة ومن يحميها؟ سؤالك بمكانه ومحق، وسوف أختصر لك الجواب وتبسيط الموضوع بالعودة إلى ما ذكرته في بداية اللقاء، وهو تحفيز النمو الإقتصادي عبر إقرار القوانين التي ذكرتها سالفاً، وبالتالي خلق فرص للعمل توازي حجم البطالة المتصاعد في لبنان، وذلك بالتعاون مع البنك الدولي الذي كما أرى هو المصدر الأساسي لتمويل المشاريع الإنتاجية التي تساهم في حلّ هكذا معضلات، للحدّ من هجرة الشباب، وتنمية الدورة الإقتصادية. ونحن من خلال التجمع رفعنا إلى البنك الدولي دراسة تحت عنوان الـ“Miles Report”، كشفنا فيها أن نسبة طلبات العمل التي تقدم في لبنان سنوياً تفوق العشرين ألف طلب. وفي المقابل هناك ما لا يزيد عن 3500 فرصة عمل سنوياً متوافرة أمام اللبنانيين، فيما الطلب يفوق العرض بنسبة 600 في المئة. فأمام هذا الواقع هنالك هجرة سنوية للأدمغة والشباب ما نسبته ستة أضعاف هذا الرقم المرفوع إلى البنك الدولي، وبالتالي لا حل لمشكلة البطالة من دون المساهمة في إطلاق يد القطاع الخاص، الذي وحده لديه القدرة المالية على تمويل المشاريع المثمرة في لبنان، وتوفير القروض الميسّرة للشركات الصغيرة وضخ السيولة التي من شأنها إنقاذ البلد من الإفلاس.

أمام هذا الواقع المخيف، كم يلعب النزوح السوري الى لبنان دوراً سلبياً في هذا المجال، ويزيد من تراكم البطالة. وبالتالي ما هي الحلول التي من شأنها أن تساهم في التخفيف من هذا العبء الإجتماعي الخطير؟

النزوح السوري إلى لبنان، وبعيداً من العواطف والواجب الإنساني، هو مشكلة المشاكل التي يمكن للبنان أن يمر بها على الإطلاق. والمؤسف أن المشكلة تتفاقم إلى درجة أن هذا النزوح قد يصبح قنبلة موقوتة قابلة للإنفجار في أي وقت. فقدرتنا على إستيعاب هذا العدد الضخم مستحيلة، الأمر الذي سوف يزيد من تفاقم مشكلاتنا الإقتصادية. فأنت تعرف أن لا بنية تحتية صالحة أو جاهزة أو قادرة على إستيعاب نسبة تفوق الخمسين في المئة من الشعب اللبناني. (يتابع) كنا في السابق نقول نحن شعب واحد في دولتين، أما اليوم فقد أصبحنا شعبين في دولة واحدة. وأنا لا أرى أي حل لهذا التدفق الهائل من اللاجئين السوريين، سوى تنظيم الحدود، وإقامة منطقة عازلة ما بين الحدود اللبنانية السورية، لإستحداث مخيمات موقتة، يتم تجهيزها بكافة الخدمات الحياتية اللائقة التي تحفظ كرامة اللاجىء وتحميه من التشرد. وذلك بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة. وإلا سوف نصل إلى يوم نجد فيه أننا أمام إنسان سوري متشرد، وقد تربى على الحقد والسرقة والجريمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى