الإقتصاد المصري: بداية التحديات الحقيقية

IMAG0355

بقلم الدكتور عبدالله ناصر الدين*

وافق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على مشروع الموازنة المعدّل بعجزٍ لا يتجاوز ال ١٠ ٪ من الناتج المحلي.

 إن رفض المشروع الأول للموازنة والذي كان يعاني من ١٢٫٥ ٪ من العجز له مدلولات إقتصاديه مهمة و يساعد ربما في سرد قراءة أولية لما يتجه إليه الإقتصاد المصري. ما هي العواقب الإقتصاديه للسياسة التقشفية الحديثة وما هو المنحى المستقبلي للإقتصاد المصري؟ ما هي شروط نجاح تلك السياسة التقشفية وهل ستساهم في تغيير هيكلية الإقتصاد ليكون أكثر مساواةً؟ أسئلة شائكة نحاول الإجابه عنها عبر قراءةٍ أولية لما يجري في مصر.

أدمن الإقتصاد المصري في السنوات الأخيرة على التقديمات و المعونات السهلة لسد العجز في الموازنة. تلك المعونات، ولاسيما الخليجية منها، سواءً تلك التي تزامنت مع وجود الرئيس محمد مرسي في الحكم أو ما بعد الإطاحة به، و حتى خلال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، تلك المعونات جعلت من إنتهاج سياسة تقشفية مهمةً صعبة فضّلت الحكومات السابقة تجنّبها وإرجاءها إلى زمنٍ مجهول. و كما ذكرنا في مقال سابق في أسواق العرببأن الإقتصاد المصري سيراوح مكانه طالما لا يتم إحداث تغيير حقيقي، وذلك بشكلٍ أساسي على  المستويين التاليين: أولاً، عبر ضبط النفقات وبالتحديد تخفيض نفقات الدعم للغذاء والطاقة التي تشكل أكثر من ربع نفقات الموازنة. ثانياً، عبر إعادة صوغ العلاقة بين المال والسلطة على نسق تلك العلاقة التي كانت قائمة خلال حكم الرئيس حسني مباركمن شأن مواجهة التحدي الأول إرساء نوع من الإستقرار للأسواق المالية و إستقرار الجنيه المصري على المديين المتوسط و القصير، كما من شأنه إعادة هيكلة موازنة الدولة للسماح بالمزيد من الإستثمارات في قطاع الطاقة، ما قد يفتح الباب أمام زيادة النمو الإقتصادي وخلق فرص العمل التي يتعطش إليها الإقتصاد المصري. أما التحدي الثاني فمن شأنه إعادة تركيب البيت الإقتصادي المصري وإعادة هيكلته ليكون أكثر انتاجية وأكثر شفافية وأقل إنحيازاً إلى أصحاب المال مع تجاهل الطبقات الفقيرة مما قد يعيد اللا إستقرار إلى الشارع المصريإن من شأن إحداث تغيير على هذا المستوى سيؤدي إلى إرساء الإستقرار الإقتصادي على المدى البعيد.

إن المؤشرات الأخيرة تفيد إلى تصميم الرئيس عبدالفتاح السيسي على معالجة الموازنة وضبط ألدين العام و إيقاف وتيرته التصاعدية التي وصلت إلى أكثر من ٨٩% من الناتج المحلي، وذلك على الرغم من كل ما تنتاب هذه المواجهة من مخاطر حيث ستواجه الطبقات الفقيرة و الوسطى موجةً من التقشف قد ترهقها و تفقد الرجل شعبيته. لكن، يبدو أن الرجل قد تهيأ للمرحلة عبر التحضير النفسي للشعب حينما قرر المساهمة بنصف راتبه وجزء من ثروته الخاصة للدولة من أجل المساعدة على النهوض بالإقتصاد ما يعد نوعاً من التحضير لمرحلة يعي الرئيس صعوبتها. فإجبار وزير المالية على خفض العجز من ٢٩٢ مليار جنيه (٤٠.٨٥ مليار دولارإلى ٢٤٠  ملياراً (٣٣.٥٧ مليار دولار) سيكون له إرتدادات واسعة على مستوى المعيشة للشعب المصري الذي يعاني أصلاً من تراجع كبير في معظم المؤشرات الإقتصادية خصوصاً مع تراجع قطاع السياحة و تراجع الإستثمارات وإرتفاع العجز.

أما من ناحية زواج المال و السلطة، فالمشهد يظهر نوعاً من التناقضفمن جهة كان الرئيس واضحاً أنه سيكون للجيش دوراً أساسياً في إعادة تركيب الإقتصاد مما قد يؤدي إلى تحجيم دور أصحاب المال، وهذا الذي ما زال ينظر إليه أصحاب المال بحيرة. من ناحيةٍ أخرى، فإن قانون إنتخاب البرلمان الجديد نهاية الصيف الحالي يصل فيه عدد النواب إلى ٥٦٧، منهم ١٢٠ نائباً بحصل عليهم الحزب الرابح، كما يعيّن رئيس الجمهورية ٢٧ نائباً، بينما يخصص أكثر من ٤٠٠ مقعد للمستقلين الذين طالما كانوا من أصحاب الثروات ودعموا السلطة من أجل مصالحهم الشخصية. هذا التزاوج أرهق الإقتصاد المصري ولا تبدو معالم تغييره في الأفق القريب. و لكن لكي يظهر توزيع المسؤولية على كافة الشرائح و منهم أصحاب الرساميل، فقد فرض في مشروع الموازنة الجديدة ضريبة نسبتها ١٠٪ على الأرباح و عائدات الأسهم.

في دراسةٍ أجريناها في العام ٢٠٠٨ عن شروط نجاح السياسات التقشفية، يبدو أن أكثر الحكومات قدرةً على فرض تلك السياسات اللاشعبوية وضبط مفاعيلها هي أيضاً الحكومات الأكثر شعبوية في صناديق الإقتراع. قد يعتبر الرئيس المصري أن لديه إحتياطاً وافراً من الشعبية تخوّله الخوض في معركة إقتصادية لا شعبوية، فمهما خسر من تلك الشعبية يبقى لديه ما يكفي للوصول إلى النهوض الإقتصادي.

  • خبير إقتصادي وأستاذ محاضر في الإقتصاد في كلية إدارة الأعمال في جامعة بيروت العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى