المصارف تنعش قطاع العقارات في لبنان

مصرف لبنان يموّل والمطوّرون العقاريون في بلد الأرز يسوّقون

بيروت – مازن مجوز

يجمع خبراء العقارات والإقتصاديون على أن القطاع العقاري في لبنان لا يزال صامداً، ومؤهّلاً للإنطلاق مجدّداً وبقوة على الرغم من التحديات الكثيرة التي تتخبط بها المنطقة لا سيما الركود الإقتصادي واللا إستقرار السياسي. وتعتبر خطة مصرف لبنان التي نفذها العام الماضي لإقراض المصارف الأهلية مبالغ تصل قيمتها إلى 2.2 تريليون ليرة لبنانية (حوالي 1,46مليار دولار أميركي) وبأسعار فائدة منخفضة، من أبرز العوامل المساهمة في هذا الصمود.

سوق العقارات ينتظر الضوء الأخضر السياسي
سوق العقارات ينتظر الضوء الأخضر السياسي

 

تترقب السوق العقارية في لبنان الضوء الاخضر السياسي تحديداً، في ظل عدم إستقرار الوضع الامني، وعدم إكتمال مشهد عودة الخليجيين الى لبنان. وهذا التحوّل لا يزال قيد المراقبة في أوساط المستثمرين في لبنان والخارج.

ومع الإنخراط الواسع للقطاع المصرفي اللبناني في تمويل القروض الإسكانية، بتشجيع مباشر من مصرف لبنان المركزي، يلعب المطوّرون العقاريون دوراً تسويقياً أساسياً أيضاً.

وتتقاطع التحليلات عند التوقع بأن يشهد لبنان فورة عقارية جديدة، إذا ما سمحت التحوّلات السياسية الداخلية في نقل بلد الأرز من مرحلة الإنشقاق السياسي الى الإزدهار الإقتصادي.

وعلى الرغم من هذا الإنتظار، تبرز قيمة القروض السكنية بأنواعها كافة والتي بلغت 8535 مليون دولار في نهاية العام 2013. بعضها مُنِحَ من خلال بروتوكولات السكن التي أبرمتها جمعية مصارف لبنان مع المؤسّسة العامة للإسكان وأجهزة رسميّة أخرى، وبعضها أُعطِيَ من خلال مصرف الإسكان. فيما أدرج البعض الآخر ضمن آليات إستعمال الإحتياطي الإلزامي. وهناك أخيراً القروض التي منحتها المصارف خارج الدعم أو الاحتياطي الإلزامي.

وبالطبع فإن كل هذا هو نتيجة لإستمرار الخطط التحفيزية لمصرف لبنان والمتواصلة منذ العام 2012بالتعاون مع القطاع المالي لتحفيز الطلب ودعم النموّ الإقتصادي في البلاد. وقد دعم ذلك تلقائياً سوق التأمين على الحياة وهي شرط اساسي في اعطاء القروض السكنية لترتفع بنسبة 8.3 في المئة الى 200.85 مليون دولار في العام 2013.

وكان مصرف لبنان قد وضع في العام الفائت 1.46 مليار دولار في متناول المصارف اللبنانية بفائدة 1% فقط، لدفعها على زيادة القروض الى الافراد والمؤسسات بأفضل الشروط تقسيطاً واسعار فائدة )متدنية )، لا سيما الراغبين في شراء مسكن في مختلف الأراضي اللبنانية.خصوصاً الشباب منهم.

من ناحية اخرى، لا تزال محافظة جبل لبنان تستحوذ على الحصة الاكبر من السوق العقارية اللبنانية، حيث بلغت حصتها في العام 2013 نحو 44 % مقارنة مع 45 % في العام 2012.

غازي وزني: صمود القطاع يعود إلى ندرة الأراضي وإنحسار المساحات الصالحة للبناء
غازي وزني: صمود القطاع يعود إلى ندرة الأراضي وإنحسار المساحات الصالحة للبناء

ويثني الخبراء على أهمية خطوة مصرف لبنان في موضوع الإسكان وتشجيع حركة الإقبال على الشقق السكنية، ومن هنا يعزو مستشار لجنة المال والموازنة النيابية الخبير الإقتصادي غازي وزني أسباب صمود القطاع العقاري وعدم إنهياره إلى ندرة الأراضي وإنحسار مساحات الأراضي الصالحة للبناء، وإلى أن الطلب على الشقق هو حقيقي للسكن بنسبة 80%، وإلى الإمكانيات المالية المتوفرة لغالبية المطوّرين، وأيضا إلى سياسة الدعم المالي من قبل مصرف لبنان للقطاع العقاري“.

ويضيف أن من بين أسباب عدم إنهيار القطاع أيضاً تحول وجهة إستثمارات المطوّرين نحو الشقق الصغيرة والمتوسطة، لافتاً الى وجود تزايد كبير لطلب الإيجار السكني من قبل النازحين السوريين ما تسبب بإرتفاع أسعار الإيجارات، من دون أن ينعكس ذلك على أسعار العقارات .

مكرم صادر: دور المصارف فاعل في قطاع العقار
مكرم صادر: دور المصارف فاعل في قطاع العقار

بدوره يرى الأمين العام لجمعية المصارف في لبنان مكرم صادر أنهبعكس القروض المدعومة الفوائد، فإن معظم القروض السكنية المدعومة أو الميسَّرة حُرِّرت بالليرة اللبنانية وهذا أمر طبيعي.

ويؤكد أن بنية توزّع القروض الإسكانية تظهر مدى شمولها لفئات إجتماعية يصعب عليها ولوج سوق الإقتراض المصرفي في غياب الدعم والتيسير. ” فحجم القروض السكنية المدعومة يمثّل 80 في المئة من إجمالي محفظة القروض السكنية (المشار إليها أعلاه) . وتتضمّن في قسمها الأكبر، أي ما يزيد عن الثلثين (5626 مليون دولار) القروض المستفيدة من تخفيض الإحتياطي الإلزامي. فيما يستند الرصيد الباقي أي 14 % (1168 مليون دولار)، إلى التسهيلات التي قرّرها مصرف لبنان بعد إستنفاد الإحتياطي الإلزامي“.

وفي لغة الأرقام، يفيد المدير العام للشؤون العقارية جورج معراوي بأن سوق العقارات يشهد نشاطا ملحوظا، مع زيادة الطلب على الشقق السكنية، التي إنخفضت أسعارها حوالي 15 % في الربع الاول من العام 2014 .

وبحسب أرقام المديرية فإن الرسوم العقارية إرتفعت في هذه الفترة الى 204 مليارات و956 مليون ليرة لبنانية مقارنة مع 156 ملياراً و528 مليوناً و756 الف ليرة لبنانية في الفترة عينها من العام الماضي، وبنسبة زيادة مقدارها 31 في المئة.

علاوة على ذلك إرتفع عدد المعاملات في الربع الاول من العام الحالي إلى حوالي 41 الف معاملة مقارنة مع 37 الف في الفترة عينها من العام الماضي.

ويوضح معراوي: “هناك طلب ملحوظ على الشقق الصغيرة والمتوسطة الحجم التي لا تزيد مساحتها عن 200 متر مربع. ويتزامن الطلب على الشقق مع إنخفاض أسعارها الذي تراجع ما بين 10 و15 % الأمر الذي يشكل دافعاً لدى المواطنين والمستثمرين لشراء هذه الشقق التي يتراوح سعر المتر الواحد فيها بين 1000 و 2400 دولار“.

أما عدد رخص البناء، فكانت ترتفع منذ العام 2008 لتبلغ أعلى مستوياتها في العام 2011 أي من 13710 رخصة إلى 18347 رخصة، لتعود وتنخفض إلى 18193 رخصة في 2012 وإلى 16724 رخصة في 2013.

وإذ يعيد معراوي التحسن في السوق العقاري إلى الأجواء الإيجابية التي ترافقت مع تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، يبدي ثقته بحفاظ لبنان الدائم على الإستثمارات، سواء كانت عربية أم أجنبية، معتبراً أن هذه الثقة التي يؤمنها لبنان هي التي تؤمن توافد المستثمرين“.

نسيب غبريل: إستبدال الضرائب بحوافز
نسيب غبريل: إستبدال الضرائب بحوافز

في المقابل، يعتبر مدير قسم البحوث والتحاليل الإقتصادية في مجموعة بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل، أن الحل لتمكين أكبر قدر من اللبنانيين على تملك مسكن لا يكون بتدخل الدولة مباشرة ببناء مساكن شعبية، بل بإبقاء دور مؤسسات الدولة، في إطار التشريع والتخطيط المدني، ووضع رؤية مستقبلية وتنظيمية، وتطوير قوانين البناء“.

ومن ضمن رؤيته المستقبلية يدعو غبريل إلى العدول عن فرض ضرائب جديدة على القطاع العقاري، وإستبدال هذه الضرائب بحوافز، ورفع مستوى الدخل من خلال تدابير لتحفيز النمو الإقتصادي، فمعدل دخل الفرد السنوي في لبنان يبلغ 11,500 دولار أميركي فقط، إضافة إلى تخفيض حاجات الدولة للإستدانة والعجز في الموازنة العامة، مما يخفف الضغوط على رفع مستوى الفوائد، لان إرتفاع الفوائد يرفع كلفة الإستدانة وكلفة القروض السكنية“.

على صعيد كلفة القروض السكنية، يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع: أولها العائد لقروض المؤسّسة العامة للإسكان، والبالغ 20% من مردود سندات الخزينة لسنتين مضافاً إليها نسبة 3.5% ضمن إستعمال الاحتياطي الإلزامي (4.67 %). ويصبح الهامش 3.9 أي بزيادة 0.4 %ضمن التسهيلات الائتمانية لمصرف لبنان (5.07%).

أما النوع الثاني فيعود للبروتوكولات السكنية التي وقّعتها جمعية مصارف لبنان مع بعض الأجهزة والجهات الرسمية، وتحديداً مع جهاز إسكان العسكريّين وصندوق تعاضد القضاة، وقوى الأمن الداخلي، والأمن العام وأمن الدولة، وصندوق تعاضد القضاة الشرعيّين والمذهبيّين. وتحوز هذه القروض على معدّل فائدة متدنّ جداً قدره 1.628% بإستعمال الإحتياطي الإلزامي يضاف إليه 0.5 % بإستخدام تسهيلات مصرف لبنان ليصبح 2.128%.

وتمثل القروض السكنية خارج البروتوكولات النوع الثالث من القروض، وتمنحها المصارف بكلفة تحدّدت بـنسبة 40% من مردود سندات الخزينة لسنة واحدة، مضافاً إليها هامش 3% إذا مُنحت من الإحتياطي الإلزامي (5.16 %) وهامش 3.3% إذا مُنحت ضمن تسهيلات مصرف لبنان (5.46%).

كل هذا يمثل خبراً ساراً للبنانيين، ويعلق صادر بالقول: “يمكن تقدير متوسط كلفة الإقراض السكني بنسبة 4.8%. وهذا المعدل هو، من جهة، أدنى من كلفة الودائع، ومن جهة ثانية، أدنى من متوسط معدلات التضخم للسنوات الماضية“.

في الواقع إن مخاطر الإقراض تتحملها المصارف وحدها كاملة من دون مصرف لبنان أو الخزينة، مصدر دعم الفوائد أو الإحتياطي. كما أن جزءاً من الدعم يُحوَّل للمودعين بالليرة. ويشير صادر إلى أنه لولا آليات الدعم هذه لكانت ترتّبت على دعم إستقرار سعر صرف الليرة وقوتها الشرائية كلفة أعلى من الكلفة القائمة“.

وإذا ما عدنا إلى المستفيدين من القروض السكنية، فقد بلغ عددهم مع نهاية العام 2013 أكثر من 94.3 ألفاً، أي بمعدّل وسطي قدره 91 ألف دولار أميركي للقرض الواحد.

رياض سلامة: دعم قضية تملك كل لبناني منزله
رياض سلامة: دعم قضية تملك كل لبناني منزله

وتعزيزاً لسياسة المصرف المركزي التحفيزية يستوقفنا تأكيد حاكم المصرف رياض سلامة في 30 أيار( مايو) الفائت بعد لقائه وفد مجلس إدارة جمعية مطوري العقارات في لبنان REDAL، أن مصرف لبنان سيقوم بكل المبادرات التي من شأنها أن تدعم قضية تملك كل لبناني منزلاً والتي هي من أولويات الرؤية والإستراتيجية التي يضعها المصرف“.

ويتابع سلامة متطرقاً إلى أهمية قطاع العقار في الإقتصاد اللبناني، وأهمية وجود جسم موحّد يتحدث بإسمه ويمثله، مما يشجّع التعامل معه لتحقيق مطالبه كإستحداث إجراءات إدارية أقل تعقيداً، وقوانين واضحة من شأنها أن تسهّل عمله وبالتالي تدفع بالعجلة الإقتصادية الى الأمام لناحية جذب المستثمرين والمغتربين وغيرهم“.

نمير قرطاس: أهمية مشاركة مصرف لبنان
نمير قرطاس: أهمية مشاركة مصرف لبنان

من جهته يشدد نمير قرطاس، رئيس الجمعية على أهمية الشراكة مع مصرف لبنان في سبيل تطوير القطاع العقاري في لبنان واحتضان أكبر وأهم المشاريع التي تظهر صورة لبنان الحضاري المعاصر المزدهر“. مبدياً حرصه على إستكمال تنسيق العلاقات بين المطوّرين من جهة والمقاولين والوسطاء العقاريين وخبراء التخمين العقاري وجمعية المصارف من جهة أخرى، وعلى جمع أكبر عدد ممكن من المطوّرين العقاريين تحت مظلة الجمعية“.

في الحقيقة، تُعتبر القروض المصرفية في لبنان في الفترة الراهنة القروض الاكثر سهولة، وتتميّز بأفضل الشروط. كل ذلك وسط تنافّس تسويقي مصرفي محلي متزايد، وتوق خارجي لبناني إغترابي أو غير مقيم وأجنبي لتملّك عقار سكني في الربوع اللبنانية.

ومنطقياً من أجل تحقيق هذا الهدف يستطيع المقترضون بالاضافة الى أسعار الفائدة المنخفضة والمدعومة من قبل مصرف لبنانالإفادة من فترات زمنية تسامحية ومن عروض مغرية مختلفة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، تظهر الصفحة الالكترونية لبنك بيروت، وهو أحد البنوك النشطة في هذا النوع من القروض، ستة أنواع مختلفة من القروض الاسكانية تتوزع على: قروض إسكانية بالليرة اللبنانية، وقروض إسكانية بالدولار الأميركي، وقروض إسكانية خاصة بالمغتربين اللبنانيين، وقروض إسكانية خاصة بالمغتربين في أوستراليا حصرياً، وقروض مؤسسة الإسكان وهي التي تتميز بفائدة صفر في المئة طيلة فترة القرض وذلك ضمن إتفاقية بين مؤسسة الاسكان والبنك المذكور.

وفي حين يتطلّب هذا القرض توفر الدفعة الاولى التي يجب ألّاّ تقل عن عشرة في المئة من ثمن العقار السكني، يساهم نوع آخر من القرض السكني في تدخل البنك في تغطية او توفير هذه الدفعة الاولى. وتوفّر مصارف كبرى أخرى المزيد من القروض المشابهة مثل بنك عوده وبنك بلوم وبنك بيبلوس وفيرست ناشيونال بنك وفرنسنبك وغيرها

في الخلاصة، كان لا بدَّ من توضيح صورة القروض المدعومة، ومنها القروض السكنية، لتبيان الإهتمام الذي أولاه القطاع المصرفي، التجاري والمركزي، من جهة، لدعم المؤسسات المنتجة في لبنان ، ممّا ساعدها على التوسّع بل وعلى البقاء في ظلّ الظروف الصعبة المتمادية منذ أكثر من عقد من الزمن، ومن جهة ثانية، لدعم الوضع الإجتماعي للأُسَر اللبنانية وبخاصةً لفئة الشباب من ذوي الدخل المحدود الراغبين في تملّك شقّة سكنية والإستقرار في البلد، مما حدّ نوعاً ما من موجة الهجرة التي لا يزال يعاني منها لبنان حتى اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى