محمد حسين فضل الله في كتاب “العلّامة” لسركيس نعوم

بيروت جوزف قرداحي

الإمام موسى الصدر قتله القذافي بمعرفة إيران وسوريا!

صدر أخيراً كتاب العلامةللزميل سركيس نعوم الذي سجّل فيه جلساته مع الإمام الراحل السيد محمد حسين فضل الله وحواراته معه على مدى 23 سنة.

هل وصلنا إلى زمن، ولّى فيه الإعتدال الديني إلى غير رجعة؟! إلى حيث بات التطرّف والمغالاة والتعصب والدعوة إلى إلغاء الآخر ومحوه عن بكرة أبيه، متحكّماً بالعقول. وحيث فتاوى القتل والسلب والإغتصاب والبتر والصلب والحرق وإنتهاك الحرمات، وكل ما يثير الغثيان والرعب، بديلاً من كل دعوة إلى التلاقي، والحوار وقبول التنوع والإختلاف، عملاً بالآية الكريمة: قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ” (البقرة : 136(.

أمام هذا الواقع القاتم لفوضى الفتاوى الدينية، التي تنتهك الإنسان وكرامته، قد نجد في نبش أي سيرة لأحد رموز الإعتدال والإنفتاح والحوار، قبساً من نور، نحن في أشد الحاجة إليه، علّه يضيء بعض ظلمة في عقول من يدّعون الفقه زوراً، والشرع إفتراءً، والتقوى رياءً.

هذا النور المضيء، تلألأ في كتاب حمل في متنه سيرة العلّامة الغائب الحاضر، الإمام الراحل السيد محمد حسين فضل الله، دوَّنه ووقّعه المحلل السياسي في جريدة النهارالبيروتية الزميل سركيس نعوم، ضم 190 صفحة إختصرت 23 سنة من مجموع حوارات الكاتب مع الراحل الكبير، تحت عنوان: “العلامة“.

تناول سركيس نعوم في كتابه، سيرة السيد فضل الله، مفتتحاً صفحاته بقصة كفاح ونضال شابّ عاش البؤس منذ نعومة أظافره. فعرف طفلاً في النّجف حياة الفقر واليتم والحرمان، بعدما خسر والدته التي دُفنت في السيّدة زينب في سوريا، ثم والده الذي لم يشأ القدر أن يمهله ليراه شاباً يجتهد في العلم والدين. فنشأ في جو من الحرمان، إضطره مراراً أن يشرب الماء المالحة من البئر لضيق ذات اليد، وحاجته الملحة إلى توفير المال، سعياً إلى الإستنارة بسلاح العلم، وليتسلّح بوجه الجهل والتخلف بعدما عانى الأمرين، جرّاء تقاليد دينية لم يكن ليستسيغها أو يقبلها عقله، مثل مشاهد الدّماء في مواسم عاشوراء. التي كان يصفها بقوله: “كنت أشعر بالتقزّز من منظر الدّماء“.

وقد كشف فضل لله للكاتب، في كثير من اللقاءات التي جمعتهما، عن معاناته مع التمييز الطبقيّ في النجف. ولا سيما من أبناء الوجهاء الذين كانت لهم الأفضليّة، والحظوة عند المسؤولين. الأمر الذي حفّزه على التمرد على واقع الفقر والبؤس الذي يعيشه، فقرّر الإنتساب إلى الحوزة العلمية في النجف وهو في الثانية عشرة من عمره، وأخذ يوسّع من آفاق معارفه وثقافته الأدبية، فقرأ لأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، والأخطل الصغير، والياس أبو شبكة، وصلاح لبكي. وأيضاً قرأ ترجمات لكبار الكتّاب، مثل لامارتين وأناتول فرانس. وكان يردد بثقة عالية بالنفس: “كنت محاوراً منذ البداية. ولم أكن أتعقّد ممن يختلفون معي في الفكر، ولا سيما الشيوعيين الذين كانوا يزورونني وأزورهم“.

كشف العلّامة الراحل لسركيس نعوم، الذي ربطته به صداقة متينة، الكثير من الأسرار التي دوّنها نعوم في كتابه باسلوب التحقيق الصحفي. ومنها أسرار بالغة الخطورة، فلم يتردد السيد فضل الله في كشفه مصير الإمام موسى الصدر، بقوله رداً على سؤال: “إحساسي بأن السيد موسى الصدر قُتل وإستُشهد، لأنه ليس من الأشخاص الذين يُخطفون ليبقوا. إني أتصوّر أن السيد موسى الصدر قد تجاوز خطوطاً حمراء عربية، وربما تجاوز خطوطاً حمراء إيرانية، وخصوصاً حين شنّ الحملة على الشاهكما أن هناك التقاءً طبيعيّاً مع هذه الخطوط، ولا سيّما العربيّة منها، والخطوط الفلسطينيّة ليست بعيدة من هذه الأجواء في تصوري“.مؤكداً على أنّ معمر القذافي كان على الأرجح أداة، وأن غياب الصدر مرتبط مباشرة بالقادة الفلسطينيين الذين كانوا على علاقة وطيدة بالنظام الليبي. كاشفاً أن الإيرانيّين، وعبد الحليم خدام، يعرفون حقيقة إستشهاده.

من الأسرار التي بقيت شبه مكتومة خلال الحرب اللبنانية، يكشف السيد فضل الله لنعوم، أنّ الحرب بين أملوحزب اللهكانت من بواكير الصراع السنّي الشيعي، وكان لمصر والجزائر والسعودية دور فيها، وأن سوريا لم تسمح بأيّ عمل في لبنان لأيّ جهة، حتى ولو كانت إيران، بعيداً من الخطّ السوري. لكنّ العلامة يشدّد على ضرورة أن يُطمئن اللبنانيون سوريا دائماً إلى أن لبنان لن يكون ممراً أو مقراً للتآمر عليها. فسوريا هي الممر البري الوحيد للبنان بعد إغلاق ممر فلسطين. والموارنة الذين يمثلون المشكلة في لبنان، هم سوريون بحسب تاريخهم“.

يجاهر السيّد فضل الله على الرغم من عباءته الدينية، أنه ينتمي إلى لبنان أولاً، ومن ثم إلى طائفته الشيعية التي لا تتعارض مع هويته الوطنية، حيث يقول: “لو سئلت: هل تفضّل أن يكون لبنان جمهورية إسلامية أو أن يبقى على صورته الحاليّة؟ لأجبت ببقائه، لأنّ مصلحة الإسلام في بقاء لبنان بهذه الصّورة، هي أكثر من تحوّله جمهورية إسلاميّة“.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى