شهر رمضان … شهر الإحسان والتسامح

بقلم الدكتورة أمل الشنفري*

20130718_103231إن لشهر رمضان الكريم مكانة كبيرة في الإسلام حيث أُنزل فيه القرآن على النبي محمد (صلّ الله عليه وسلم). فمن صامه وقامه إيماناً وإحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وغفر الله له كافة الخطايا. كما تسود في هذا الشهر الفضيل المودّة والرحمة بين أفراد المجتمع الواحد. فتزداد الأعمال الخيرية وتُمنح الصدقات للفقراء والمحتاجين أكثر من أي شهر من أشهر السنة، لأن عمل المسلم وعبادته لا يكتملان إلا بفعل الخير وتقديم العون إلى المحتاجين والمعوزين. وفعل الخير يشمل كل ما هو نافع للإنسانية بما فيها صلة الرحم والصدقة وحسن التعامل مع الآخرين والعطف على المساكين والضعفاء ومساعدة الفقراء.

هذا هو حال كثير من المسلمين في هذا الشهر الفضيل، ومن المفترض أن يكون ذلك في سائر أرجاء الأرض، فرمضان هو شهر الرحمة والمغفرة. فالتسامح هي الرسالة الأسمى التي جاء بها الإسلام وكافة الأديان السماوية الأخرى. إن جميع الرسل عليهم السلام سامحوا وعفوا عن كل من تسبب لهم بالأذى، وكانوا قدوة في حسن التعامل مع الآخرين، فهم لم يحملوا الضغينة والحقد في يوم من الأيام حتى ضد أعدائهم، لأن رسائلهم للبشرية هي السلام والأمان. وكان رسول الإسلام محمد (صل الله عليه وسلم) هو إمتداداً لهذه الرسائل السماوية، ولم يأتِ إلا لنشر التسامح والمحبة بين الناس، والتي هي رسالة كل الأنبياء، فقد قال الله تعالى عنهم: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين).

ولكن واقع حال المسلمين في أنحاء كثيرة من العالم مع حلول الشهر المبارك، لا ينم عن هذه الطمأنينة ولا الرحمة. فرمضان اليوم مختلف عن رمضان الأمس، إنه اليوم يدخل ويخرج على أُمة المسلمين وهم في تناحر وقتال وسفك دماء بعضهم البعض، ناهيك عن سفك دماء غيرهم. لقد إنتشر اليوم التعصب الديني في كثير من المجتمعات المسلمة حتى أصبح آفة أصيبت بها الأمة. إن مشكلة التعصب لم تكن موجودة عند المسلمين الأوائل، وهي من الأمور التي نهى عنها الإسلام وإعتبرها من أمور الجاهلية. فالتعصب الديني أو الطائفي هو تمزيق للمجتمعات أينما وجد. ففي القرن السادس عشر عانت أوروبا من التعصب الديني القائم على الخلافات الدموية بين الطوائف المختلفة، حيث إنتشر التناحر بين أفراد مجتمعاتها بسبب العصبية الدينية. ومن أسباب التعصب الديني أو المذهبي أو الطائفي هو الجهل بالدين وأصوله والنظرة السطحية إلى أهدافه السامية. والتعصب أيضا تقوده العاطفة وإلغاء صوت العقل والحكمة في إتخاذ القرارات مع التزمت في الرأي وعدم تقبل الرأي الأخر، ما يؤدي إلى تولّد العنف والإقصاء للذين يختلفون في وجهات النظر.

فعندما كان التسامح وتقبُل الآخر هو السائد بين المسلمين، إستطاعوا أن يكونوا أعظم الحضارات في التاريخ ويصبحوا منارةً للعلم والمعرفة والثقافة للعالم أجمع. وخير مثال على هذه الحضارات التي أقامها المسلمون وأبهرت البشرية بعطائها وعظمتها كانت حضارتهم في الأندلس. فمن خلال تسامحهم ضمت مجتمعاتهم كافة أطياف الناس من جميع الأديان والأعراق متعايشين بسلام وطمأنينة مع مراعاة حرية الأفراد في معتقداتهم ودينهم ما لم يتعدّوا على حرية الأخر.

بهذة الرؤيا إستطاع المسلمون أن يورثوا العالم حضارة ستظل محفورة بأحرفٍ وضّاءة في تاريخ الشعوب والأُمم. ولكن عندما إبتعد المسلمون عن رسالة دينهم الأصيلة القائمة على نشر السلام والتسامح بين البشر، وأصبحوا غير قادرين على تقبُل الآخر، ساد التناحر بين بعضهم البعض وكانوا مثال التعصب والتشدّد، وأعطوا رسالة مغايرة إلى العالم عما جاء به دينهم. ولقد تعلّمت أوروبا الدرس من خلال تاريخها وتاريخ الأخرين. فأصبح الاوروبيون هم مثالاً للتسامح وجعلوه نبراساً لكل خطواتهم، فإستطاعوا أ بهذا النهج أن يقودوا العالم إلى التحضر والمدنية. فليت المسلمين في هذا الشهر الكريم يعتبرون من الحاضر ليعيدوا أمجاد الماضي.

  •  باحثة عُمانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى