الإستثمار الخليجي في روسيا المُعاقَبَة غربياً يثير غضب أميركا

أبو ظبي – عمار الحلاق

فيما كثفت علاقاتها السياسية وعمّقت الروابط التجارية مع روسيا، يجب على دول مجلس التعاون الخليجي أن تحاول تجنب إغضاب الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي هي حليفاتها منذ فترة طويلة في هذا الوقت الحساس.

على الرغم من العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي ضد موسكو، فقد وافق صندوق الثروة السيادي في قطر في أيار (مايو) على إستثمار ملياري دولار في روسيا.

وجاء هذا الإتفاق بعد أقل من شهر على موافقة صندوق الثروة السيادي في البحرين أيضاً على الإستثمار في روسيا، عقب زيارة رفيعة المستوى قام بها الى موسكو ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، التي أسفرت عن مجموعة من الإتفاقات التي تهدف إلى تعزيز العلاقات التجارية والإستثمارية والدفاعية بين البلدين.

 من المرجح أن قرار البلدين الخليجيين لتعزيز علاقاتهما الإستثمارية مع روسيا قد أثار غضب الإدارة الأميركية، التي بالإشتراك مع الإتحاد الأوروبي، قد فرضت عقوبات على شخصيات مقرّبة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نتيجة لتدخل روسيا في أوكرانيا.

الرئيس فلاديمير بوتين: أنشأ صندوقاً جذب إليه الدول الخليجية
الرئيس فلاديمير بوتين: أنشأ صندوقاً جذب إليه الدول الخليجية

لقد وافقت هيئة قطر للإستثمار على التعامل وإستثمار 10 مليارات دولار مع الصندوق الروسي للإستثمار المباشر، االذي يستثمر عادة في الأسهم في روسيا، وبالإشتراك مع مستثمرين أجانب. وهذا الصندوق الذي أنشئ قبل ثلاث سنوات بطلب من الرئيس بوتين، قد جذب مستثمرين عديدين، لا سيما من دول الخليج وآسيا، للإستثمار في مشاريع البنية التحتية الروسية. وقد إستقطب سابقاً مالاً من صناديق ثروة سيادية خليجية أخرى، بما في ذلك الهيئة العامة للإستثمار في الكويت وشركة مبادلة للتنمية في أبو ظبي.

على الرغم من أن الصندوق الروسي للإستثمار المباشر لم يُستهدف مباشرة من قبل العقوبات، فإن عضواً في مجلس الشورى لديه، سيرغي إيفانوف، الذي هو أيضاً رئيس موظفي الرئيس بوتين، أُدرِج إسمه في آذار (مارس) الفائت على قائمة العقوبات التي تستهدف الأفراد والشركات المرتبطة بالرئيس الروسي.

وكان الرئيس التنفيذي للصندوق الروسي للإستثمار المباشر، كيريل ديميترييف، أعلن الإتفاق مع قطر في إجتماع بين الرئيس الروسي والمستثمرين الأجانب خلال المنتدى الإقتصادي السنوي في سان بطرسبورغ. وقد عقد هذا المؤتمر في ظل العقوبات؛ وقد تجنّب الممولون االأميركيون حضور مؤتمر الإستثمار هذا بناء على نصيحة من البيت الأبيض. ومع ذلك جادل ديميترييف قائلاً بأن المستثمرين على المدى الطويل يأخذون نظرة على المدى الطويل بالنسبة إلى روسيا. إنهم يرون بعض الإضطرابات ولكنهم يدركون أنه من المستحيل عزل سادس أكبر إقتصاد في العالم“.

وقال نحن سعداء بأن نعمل بنشاط مع مستثمرين من جميع أنحاء العالم، ولكن نحن أيضاً نركّز بشكل خاص على المستثمرين من آسيا والشرق الأوسط، إذ أن 90 في المئة من جميع أموالنا مصدرها هؤلاء المستثمرون“. وأفادت مؤسسة الصين للإستثمار من جهتها بأنها تريد تخصيص المزيد من المال للإستثمار في روسيا. بعد أيام، وقعّت بكين وموسكو لمدة 30 عاماً، صفقة ب400 مليار دولار التي بموجبها تقوم شركة غازبرومالروسية بتسليم الغاز الروسي إلى الصين، وهو إتفاق يؤكد على تحوّل روسيا نحو آسيا بسبب علاقاتها المتوترة مع الغرب.

الواقع أن علاقة قطر مع روسيا تم تعزيزها في السنوات الأخيرة. في أيار (مايو)، أقدمت قطر القابضة، جنباً إلى جنب مع صناديق الثروة السيادية في النروج وأذربيجان وبنك الصين للتعمير، على شراء نحو 55 في المئة من الأسهم الجديدة المعروضة من في تي بي” (VTB)، ثاني أكبر بنك في روسيا.

تم تعيين الرئيس التنفيذي لهيئة الإستثمار القطرية، أحمد محمد السيد، في المجلس الإستشاري للصندوق الروسي للإستثمار المباشر في العام الفائت، منضماً إلى أعضاء مجالس إدارة آخرين، بمن فيهم رئيسا صندوق مبادلة للتنمية التابع لحكومة أبوظبي وهيئة الإستثمار الكويتية. في العام 2013، أعلن الصندوق الروسي للإستثمار المباشر شراكة مع مبادلة للتنميةالتي سيستثمر بموجبها كل منهما مليار دولار. وأيضاً في العام الماضي، وقّعت وزارة المالية في أبوظبي صفقة تعاون، تُلزمها إستثمار نحو 5 مليارات دولار في مشاريع البنية التحتية الروسية في شراكة مع الصندوق الروسي. كما إلتزمت هيئة الإستثمار الكويتية أيضاً أن تستثمر 500 مليون دولار في العام 2012.

ولي العهد البحريني الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة: زيارته إلى موسكو إنتقدتها واشنطن
ولي العهد البحريني الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة: زيارته إلى موسكو إنتقدتها واشنطن

وفي الوقت عينه في نيسان (ابريل) من هذا العام، زار ولي العهد البحريني، الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، موسكو بناء على دعوة من رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، حيث وضع الأساس لمجموعة من إتفاقات الإستثمار والدفاع. وقد وقّع الصندوق السيادي البحريني ممتلكات، الذي تقدر موجوداته ب7.1 مليارات دولار، مذكرة تفاهم مع الصندوق الروسي للإستثمار المباشر للعمل معاً على فرص إستثمارية. وقد إنضم محمود الكوهجي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة ممتلكات، هو الآخر إلى المجلس الإستشاري الدولي للصندوق.

نحن سعداء للدخول في شراكة مع ممتلكات، وهو ما إعترف به المجتمع الدولي لإستمرارها في إلتزام الشفافية وحوكمة الشركات، قال ديميترييف.

في تطور مهم آخر، وقّعت قوة دفاع البحرين عقداً مع الشركة المصدرة للأسلحة الروسية المملوكة للدولة، روسوبورون إكسبورت“. ولم تظهر معلومات كثيرة حول الصفقة ولكن ذكرت تقارير من وكالة أنباء البحرين الرسمية أن هدفها تعزيز القدرات الدفاعية في البحرينمن خلال تقديم نظام دفاع متقدم“.

كما وقّعت البحرين مذكرة تفاهم مع سلطة الطيران المدني الروسية للسماح برحلات طيران مباشرة بين البلدين. إن طيران الخليج، الناقل الوطني للبحرين، سوف يفتح خطاً مباشراً بين موسكو والمنامة قريباً، في حين عدّلت السلطات أيضا سياسات التأشيرة لجعله أسهل بالنسبة إلى الروس للسفر إلى البحرين.

من المرجح بأن البحرين تأمل في تعميق العلاقات مع روسيا من أجل تأمين صفقة للغاز. إن المملكة تكافح لتلبية الطلب المتزايد على الغاز، وسوف تحتاج إلى إستيراد الغاز الطبيعي المسال لتلبية إحتياجاتها. على الرغم من محادثات أجرتها مع شركة غازبرومالروسية، فإن المنامة لم تصل بعد إلى تحقيق إتفاق. ولكن فيما العلاقات الإستثمارية تتعمق، فمن المرجح أن يكون إحتمال تأمين إمدادات الغاز على رأس جدول الأعمال.

مع ذلك، إن قرار البحرين لتعزيز العلاقات مع روسيا قد أغضب الولايات المتحدة. وأعلن مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية رفض واشنطن لقرار المملكة بمزاولة العمل كالمعتادمع روسيا، وقال بأنه تحدث عن بواعث قلق إدارته مع الحكومة البحرينية.

هذا ليس الوقت لأي بلد لمزاولة العمل كالمعتاد مع روسيا، قال المسؤول في وزارة الخارجية. ولم يبرز أي انتقاد حتى الآن من واشنطن على إتفاق الإستثمار القطري مع الصندوق الروسي. ومع ذلك، وبالنظر إلى الأهمية الإستراتيجية لكل من البحرين وقطر بالنسبة إلى الولايات المتحدة، حيث قاعدة البحرية الاميركية للأسطول الخامس ومركز العمليات الجوية الرئيسية على التوالي، فإن أميركا ليس من المرجح أن تنتقد بشدة تعامل البلدين مع روسيا ولو أن الأمر يغضبها.

مع ذلك، من المحتمل أن تدرس دول الخليج خطواتها ​​بعناية نظراً إلى خطر العقوبات وتأثيره الضار في الإقتصاد الروسي، فضلاً عن إحتمال توتر علاقاتها مع الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مع إستمرار الجهود المبذولة لإحتواء الأزمة في أوكرانيا. وكان صندوق النقد الدولي في نيسان (إبريل) الفائت قد خفّض توقعاته لنمو الإقتصاد الروسي إلى 0.2 في المئة من 1.3 في المئة، محذراً من مخاطر سلبية كبيرة“.

من جهة أخرى، إن التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا لم تكن تاريخياً مهمة. وفقاً لبحث من وحدة إيكونوميست للمعلومات” (Economist Intelligence Unit)، شكّلت التجارة مع روسيا وشرق أوروبا أقل من واحد في المئة من إجمالى حجم التجارة في مجلس التعاون الخليجي، والتي، على الرغم من تزايدها بمعدل 17 في المئة سنوياً على مدى 30 سنة، فقد بلغت فقط 8.7 مليارات دولار في العام 2008 (وإنخفضت إلى 4.7 مليارات دولار في 2009). ويمكن أن يُعزى جزء من ذلك إلى حقيقة أن كلا المنطقتين من منتجي النفط والغاز. لكن، كما كانت الكويت مستورداً صافيا للغاز منذ العام 2009، والبحرين تسعى بنشاط لتأمين المزيد من الإمدادات، هناك إحتمال أن التجارة سترتفع إذا تم تأمين صفقات.

من حيث العلاقات الدولية، منذ الربيع العربيإنتهجت روسيا سياسة ديبلوماسية أكثر نشاطاً في منطقة الخليج، وخصوصاً وأن علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها في الخليج قد تدهورت بسبب تعاملها مع الثورة المصرية والصراع في سوريا. مع ذلك، ساهم دعم موسكو لإدارة الأسد في سوريا وإيران في توتير العلاقات، وخصوصاً مع المملكة العربية السعودية، التي دفعت وعملت بقوة لإزالة الرئيس السوري بشار الأسد وإحتواء ايران.

وفي الوقت عينه أصبحت عدوانية روسيا حول سوريا أكثر وضوحاً. في أواخر أيار (مايو) الفائت، قال الرئيس الاسد ان الفيتو الروسي لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أنقذ كل الشرق الأوسط، بدلاً من سوريا وحدها، في لقاء مع نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روغوزين في دمشق. وفي 22 أيار (مايو)، إعترضت كل من روسيا والصين على صدور قرار من مجلس الأمن الدولي لإحالة الأزمة السورية إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم حرب محتملة. وتعد هذه المرة الرابعة التي إستخدمت فيها روسيا والصين حق النقض بصفتهما من الأعضاء الدائمين في مجلس الامن لوقف أي عمل ضد إدارة الأسد.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: إستغل غياب اميركا
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: إستغل غياب اميركا

وقد إستغنمت روسيا أيضاً الفرصة وعملت على ملء الفراغ الذي خلّفته الولايات المتحدة في مناطق أخرى من الشرق الأوسط. على سبيل المثال، في زيارة إلى القاهرة في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، إقترح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف القيام بإستثمارات في مصر في مجال الطاقة النووية والسياحة؛ في حين عرض بيع أسلحة بمليارات الدولارات. أعقب الزيارة بسرعة قرار من الولايات المتحدة بتعليق المساعدات العسكرية والمالية لمصر.

في شهر شباط (فبراير) إتضح أن روسيا تتفاوض من أجل التوصل إلى عقد لبيع أسلحة إلى مصر بقيمة 2 ملياري دولار. مع ذلك، من غير المحتمل أن تحل روسيا محل الولايات المتحدة بوصفها الضامن الرئيسي لأمن دول الخليج في أي وقت قريب.

على الرغم من أن دول مجلس التعاون من المرجح أن تتعامل بحذر لتجنب المخاطرة بإثارة توترات مع الإتحاد الأوروبي وأميركا، فإن تعميق العلاقات الإستثمارية بينها وبين روسيا من المرجح أن يستمر.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى