الحكومة التونسية تغلق أبواب التوظيف في القطاع العام

المفكرة العربية

أغلقت الحكومة التونسية أبواب التوظيف في الوظيفة العمومية (القطاع العام) أمام الباحثين عن العمل وإعتمدت من خلال مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2014 سياسة هدفها تخفيف الكثير من أعباء النفقات والمصاريف العمومية وتقليص عدد الإنتدابات الجديدة إلى حدها الأدنى وحصرها في حاجات متأكدة مع البحث عن تسديد حاجات الإدارة التونسية عبر حركية داخلية بين مختلف مؤسسات الدولة قبل اللجوء إلى مناظرات خارجية.
وفتحت الحكومات التونسية التي تلت ثورة 2011 الكثير من فرص التوظيف ضمن الإدارة العمومية باعتبارها السبيل الوحيد لتوفير الشغل في غياب دور فاعل للقطاع الخاص وغياب الإستثمارات الخاصة سواء من قبل المستثمرين التونسيين أو الإستثمار الخارجي في ظل وضع سياسي وأمني غير مستقر.
وبذلت الدولة مجهوداً إضافياً بين 2011 و2013 مما جعل عدد الموظفين في تونس يرتفع إلى حدود 650 ألف موظف بعدما قدرته هياكل الإحصاء بنحو 500 ألف موظف موزعة بين الوزارات والدواوين والمؤسسات العمومية المختلفة الأنشطة.
ويعد هذا الرقم مرتفعاً من وجهة نظر المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي الذي يطالب بإعتماد إصلاحات هيكلية هدفها الحد من أعداد الموظفين وإضفاء نجاعة أكبر على أداء القطاع العام وتمكين القطاع الخاص من لعب دور أكبر في تمويل الإقتصاد المحلي.
وتنتظر تونس الحد من نسبة البطالة نهاية السنة الحالية وتتوقع حسب مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2014 أن تتراجع من 15.9 في المئة خلال سنة 2013 إلى نسبة لا تزيد عن 15.2 في المئة. وتستقبل سوق الشغل التونسية سنويا قرابة 80 ألف طالب شغل جديد تفرزهم المؤسسات الجامعية وهياكل التكوين المهني المتعددة. ويقدر العدد الإجمالي للعاطلين عن العمل بنحو 800 ألف تونسي.
ويقدر عدد العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات الجامعية بنحو 350 ألف تونسي، ويعوّل معظم هؤلاء على الإنتداب في الوظيفة العمومية عنوان الاستقرار المادي والإجتماعي في غياب قطاع خاص فاعل. ويغلب على النسيج الإقتصادي التونسي نوعية المؤسسات الصغرى أو العائلية حيث أن قرابة 80 في المئة لا تشغّل أكثر من عشرة عمال وهي بذلك لا تعتمد على كفاءات علمية عليا مما يعسّر عملية توظيف أصحاب الشهادات الجامعية في القطاع الخاص.
ولا تزيد نسبة الكفاءات العليا في المؤسسات الخاصة التونسية عن الواحد في المئة وهي نسبة ضعيفة للغاية يبرّرها كذلك ضعف إمكانات المؤسسات الخاصة وصعوبة تحويل أنشطتها.
ورغم الصعوبات الكبرى التي تواجه معظم أصناف الإستثمار، فقد دعت الحكومة التونسية تبعاً لما جاء في مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2014 إلى الإحجام عن برمجة توظيفات جديدة خلال ما تبقى من سنة 2014 وكذلك سنة 2015 ما عدا خريجي مدارس التكوين المرخص لهم عند إعداد موازنة الدولة وهدفها من هذا القرار تحسين توظيف الموارد البشرية المنتدبة منذ عقود عبر إحكام توزيعها بين مختلف القطاعات والأنشطة والوظائف لتلبية حاجاتها من الأعوان دون تكليف موازنة الدولة أعباء إضافية.
وإقترح الفصل الثاني من مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2014 إعادة توظيف الأعوان العموميين العاملين في المصالح والهياكل الإدارية المختلفة بمراكز عمل أو وظائف غير مراكزهم أو وظائفهم الأصلية ولكن من داخل مؤسسات القطاع العام، لسد الحاجات الفعلية في كل إدارة.
كما إقترح الفصل عينه تمكين الأعوان العموميين الذين يمارسون وظائف أو ينتمون لرتب دون مستوى مؤهلاتهم العلمية الانتفاع من إعادة التوظيف وذلك بهدف منحهم إمكانية تحسين مسارهم المهني.
ويترجم هذا المشروع المتعلّق بالحراك في الوظيفة العمومية إصلاحات عميقة ستشمل الوظيفة العمومية في تونس وذلك على المستوى التنظيمي والهيكلي والترتيبي وهو نتاج دراسات نفذتها مصالح الهيئة العامة للوظيفة العمومية بقيادة الحكومة منذ سنة 2012.
ويمكّن قانون المالية الجديد الأعوان العموميين من إمكانية الإلتحاق بمؤسسات القطاع الخاص الخاضعة للتشريع التونسي والقائمة على التراب التونسي. كما يوفر لهم إمكانية خوض تجربة مهنية في القطاع الخاص من خلال وضعية الإلحاق بالإضافة إلى تحسين الوضعية المادّية للعون وإثراء زاده المعرفي والمهني وخلق تفاعل بين الإدارة ومحيطها الاقتصادي من خلال تبادل الخبرات والإستفادة القصوى من الكفاءات البشرية على المستوى الوطني سواء في القطاعين العام أو الخاص.
وحافظت تونس من خلال قانون الوظيفة العمومية وقانون الشغل المطبق في القطاع الخاص، ومعظم فصولهما مقتبسة من القوانين والتشريعات الفرنسية، على قطيعة تكاد تكون تامة بين القطاعين العام والخاص طوال العقود التي تلت الإستقلال. ولا يمكن عملياً لموظف عمومي الإلتحاق بالقطاع الخاص إلا بعد الإستقالة، ولم تكن هناك حركية وعمليات إنتقال بين القطاعين بما يمكنهما من الإستفادة المشتركة من الكفاءات والمهارات. أما أبواب التوظيف أو الإنتداب فإنها تغلق آليا في القطاع العمومي أمام الكفاءات التونسية بمجرد الوصول إلى سن 40 سنة وهي السن القصوى التي تمكن التونسيين من المشاركة في المناظرات المتعلقة بالقطاع العام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى