لبنان يدفع ثمناً باهظاً للأزمة السورية المستمرة

شؤون لبنانية –  الموقف اللبناني

بيروت – رئيف عمرو

مع وصول عدد اللاجئين السوريين في لبنان إلى نحو 1.1 مليون نسمة، إن لم يكن أعلى، هناك خوف ​​متزايد بين اللبنانيين أن بلدهم سيدفع ثمناً غالياً على المدى الطويل لهذا الوجود، مماثلاً لذلك الذي دفعه لبنان للاجئين الفلسطينيين الذين وصلوا بعد الحرب العربية -الإسرائيلية في العام 1948.

الواقع بأن المشكلة ذات شقين: كيفية تلبية الإحتياجات القصيرة الأجل للاجئين، وكيفية تنظيم وجودهم حتى يتمكّنوا من العودة إلى سوريا، إذا عادوا. في الأول، المساعدات الدولية كانت غير كافية على الإطلاق، بالنظر إلى أن عدد اللاجئين هو الآن ما يعادل 20 في المئة من سكان لبنان بأكمله.

لقد طلبت الأمم المتحدة 1.89 مليار دولار لمساعدة اللاجئين في العام 2014، ولكن تم دفع حوالي 22 في المئة فقط من هذا المبلغ. كما أن وجود اللاجئين وضع مزيداً من الضغوط على البنية التحتية للبنان التي كانت حتى الآن تعاني وغير كافية لسكانه: فقد إزداد تقنين الكهرباء بشكل كبير هذا الصيف، في حين أن لبنان يعاني من أزمة مياه خطيرة تفاقمت بفصل شتاء جاف.

وعلاوة على ذلك، قدّر البنك الدولي أن النزاع السوري قد كلّف لبنان 2.5 ملياري دولار في فقدان النشاط الإقتصادي في العام 2013 وحده. وقد سُجّل إتجاه هبوطي منذ بدء الصراع السوري في العام 2011. ومع إرتفاع الديون الوطنية في لبنان، ونسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي هي أكثر من 150 في المئة، فإن هناك مخاوف حقيقية من إفلاس وطني.

والأكثر إثارة للقلق هي المخاطر الدائمة من وجود اللاجئين وعدم التوازن الديموغرافي الذي يمكن أن يخلقوه في لبنان. إن الغالبية العظمى من اللاجئين هم من السنة الذين يعارضون الرئيس بشار الأسد، وتأتي من مناطق حيث النظام ليس حريصاً على إعادة السكان إليها فيما يستمر الصراع.

إن هذا لا يعني أن السوريين سوف يستقرون في لبنان، ولكن إحتمالات عودتهم في غضون ثلاث أو خمس سنوات يبدو مشكوكاً فيها بالنظر إلى أن سوريا ستبقى بلا شك غير مستقرة. كما أن مسألة التسوية الدائمة لغير اللبنانيين تبدو حساسة جداً إذ أن الدستور اللبناني يحظّر على وجه التحديد ذلك.

حتى لو إستطاع النظام السوري إستعادة السيطرة على حلب والحفاظ على المدن الكبرى بين دمشق والشمال، فقد يمنع ذلك اللاجئين من العودة. كانت هناك تقارير غير مؤكدة عن جهود النظام لتغيير التركيبة السكانية الطائفية في حمص. حتى لو كان هذا غير صحيح، فإن أجهزة مخابرات الأسد لن تعطي للمتمردين فرصة لإعادة الإنتشار على طول محور دمشق -حلب بتسللهم بين السكان اللاجئين العائدين.

في محاولة لمعالجة أزمة اللاجئين، إقترح وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، بناء مخيمات للاجئين داخل الأراضي السورية لإيواء الذين فروا إلى لبنان. ومع ذلك، إن هذا يتطلب موافقة الحكومة السورية، والسفير السوري في لبنان رفض الفكرة علناً وبشدة في الآونة الأخيرة، حتى لو أفاد باسيل أنه سمع شيئاً مختلفاً عندما إلتقى الإثنان.

لكن الواقع هو أن النظام في سوريا ليس في عجلة من أمره لتخفيف المشقّة على لبنان، إذ أن إستراتيجيته للبقاء مبنية على تصدير عدم الإستقرار إلى جيرانه، مما يُجبر المجتمع الدولي إلى التعامل معه. كما أن الأسد ومساعديه ليسوا في وارد أن يصبحوا مسؤولين عن مئات الآلاف من اللاجئين عندما يكونوا متورطين ويشاركون في معركة وجودية.

مشكلة أخرى مع إقتراح باسيل هو أن القانون الدولي يحظّر وضع اللاجئين قرب الحدود للبلد من حيث فرّوا، لأن هذا قد يعرّضهم لخطر الإنتقام. في الوقت عينه، يعارض الوزير إقامة مخيمات للاجئين في مكان أعمق داخل لبنان، خوفاً من أن يتحوّل وجودهم المؤقت في لبنان دائماً.

يمكن أن تصبح مخيمات اللاجئين أيضاً جزراً من إنعدام الأمن عندما تهيمن عليها فصائل تتبع أجندة سياسية. هذا هو بالضبط ما حدث مع الفلسطينيين، حيث ثبت أنه كان كارثياً على لبنان في أواخر ستينات وأوائل سبعينات القرن الفائت.

هناك أيضاً خوف متزايد في لبنان بأن أكثر الجماعات الإسلامية المتطرفة قد تستغل اللاجئين السوريين. بالنظر إلى الموجة الأخيرة من الهجمات بالقنابل والحوادث الأمنية في البلاد، عدد قليل من المسؤولين اللبنانيين يدعي أو يطالب عن طيب خاطر بإنشاء مناطق قد تفلت وتنزلق من سلطة الدولة.

ولكن هناك أيضاً مشاكل مع عدم بناء مخيمات. لشيء واحد، فإنه يجعل الأمر أكثر صعوبة للحصول على المساعدات الدولية. إن وجود بيئة منظمة يسهّل تنظيم المساعدة، ويؤدي إلى طمأنة المانحين الدوليين الذين يخشون الفساد والهدر عندما يتم توزيع المساعدة جزافاً.

المخيم، إذا كان آمناً وإدارته تسير بشكل سليم، يمكن أيضاً أن يكون وسيلة لتحسين السيطرة الأمنية. المشكلة هي أن اللبنانيين ليسوا بارعين في هذا الصدد. وهناك شكوك بأن الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية ليست مؤهلة عدة وتدريباً بشكل صحيح لمراقبة المخيمات فيما تقوم بإحترام حقوق اللاجئين أيضاً.

مع قلق العديد من السوريين من علاقات الجيش مع “حزب الله”، فإن السكان اللاجئين أيضاً قد يعارضون بنشاط الجهود التي تبذلها الدولة اللبنانية للسيطرة على بيئتهم. هذا هو ضار عندما يجب أن يشمل برنامج ناجح للاجئين وجود الثقة والتعاون بين السكان اللاجئين والبلد المضيف.

وقد نقل عن لسان المدير العام للأمن العام في لبنان، اللواء عباس إبراهيم، في الآونة الأخيرة قوله أن لبنان ربما يكون ملزماً بإقامة مخيمات للاجئين على الرغم من المعارضة الداخلية. قد يكون إبراهيم على حق: فيما الحرب في سوريا تستمر وتخطط وكالات المعونة الدولية لفترة طويلة، قد يكون على بيروت إتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء الطريقة الفوضوية التي يعيش فيها اللاجئون في لبنان.

إبراهيم قد يعني أيضاً أنه بما أن المخاطر السياسية المرتبطة باللاجئين تزداد، خصوصاً مع إرتفاع درجة حرارة التوترات بين السنة والشيعة في المنطقة، فأنه سيكون من الأفضل أن يُوضَع السوريون ويُركَّزوا في مواقع حيث يمكن إحتواء مثل هذه المشاكل فيها. هناك سلبيات واضحة، ولكن الواقع هو أنه لا توجد خيارات جيدة في لبنان اليوم. البلد يدفع عادة بشكل كبير لعكسه التناقضات في المنطقة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى