سجن “الأمل” في مصر!

فيما يشنّ نظام عبد الفتاح السيسي حملة قمعية على الحراك السياسي الشرعي، تلوذ الولايات المتحدة بالصمت وتدرس تصنيف جماعة “الإخوان المسلمين” لوضعها على لائحة الإرهاب، وهو مطلب تقدم به الرئيس المصري من البيت الأبيض عند زيارته الأخيرة إلى واشنطن.

بعض المقبوض عليهم من “تحالف الأمل”: لا علاقة لهم بالإخوان

بقلم ميشيل دنّ*

عندما اعتقلت السلطات المصرية مجموعة بارزة أخرى من الشخصيات العامة في حزيران (يونيو) الفائت، وجّهت إليهم تُهمة الإشتراك مع جماعة “الإخوان المسلمين” في مؤامرة تهدف إلى إسقاط الحكم. في غضون ذلك، لا تزال إدارة دونالد ترامب تفكّر جديّاً في تصنيف “الإخوان المسلمين” كمنظمة إرهابية، تلبيةً للطلب الذي تقدّم به الرئيس عبد الفتاح السيسي من الرئيس الأميركي خلال زيارته إلى واشنطن في نيسان (إبريل) الفائت.
قد تبدو مثل هذه الخطوة منطقية للوهلة الأولى: أي أن الولايات المتحدة تساعد حليفاً لها على محاربة عدو خطير. لكن في الحقيقة، ليس هذا ما يحدث إطلاقاً. بل ما يريده السيسي هو تواطؤ أميركي معه في قمع كل أشكال الحراك السياسي التي ينفّذها العلمانيون والإسلاميون على حدٍّ سواء، بما فيها تلك التي يجيزها القانون المصري. الرجال الذين اعتُقلوا في حزيران (يونيو) الماضي هم جزء من “تحالف الأمل”، وهو إسمٌ لائتلاف سياسي من المقرّر الإعلان عنه قريباً، يضم نواباً حاليين وسابقين، ورؤساء أحزاب، وصحافيين، ورجال أعمال، وقادة عمّاليين، وقادة شباب يسعون إلى خوض الانتخابات البرلمانية المُقبلة في العام 2020.
تضم قائمة المقبوض عليهم شخصيات معروفة مثل زياد العليمي، النائب السابق والعضو في الحزب المصري الديموقراطي الإجتماعي؛ وحسام مؤنس، الصحافي والمدير السابق لحملة المرشح الرئاسي الناصري للعام 2014 حمدين صباحي؛ وهشام فؤاد، الصحافي والناشط العمّالي العضو في حركة الاشتراكيين الثوريين؛ وعمر الشنيطي، الخبير الإقتصادي ومؤسّس شركة إستثمارية.
ليس هناك من مؤشّر أو دليل على أن الأشخاص الذين أُلقي القبض عليهم إنتهكوا القوانين. فحتى بعد الإنقلاب العسكري في تموز (يوليو) 2013، ظل القانون يسمح للمصريين بإنشاء تحالفات أو أحزاب سياسية، والترشّح إلى الإنتخابات النيابية أو الرئاسية. لكن نظام السيسي بات يُتقن فنّ الخلط بين السياسة و”الإرهاب”، وهذا ما فعله مجدّداً في هذه الحالة. فقد أدخل المُدّعون الحكوميون رجال السياسة العلمانيين في “تحالف الأمل” في الدعوى القضائية نفسها مع أعضاء أو حلفاء جماعة “الإخوان المسلمين” المعروفة، بعضهم داخل مصر وبعضهم في المنفى، من أجل تجريمهم جميعاً باعتبارهم داعمين للإرهاب (كما شرح المحامي اليساري والمرشح الرئاسي السابق خالد علي في بيان عبر صفحته على فايسبوك).
يتعذّر معرفة أعداد المصريين الذي لا زالوا يُصدّقون مثل هذه التّرهات. مع ذلك، تواصل وزارة الداخلية العزف على هذا الوتر، فعلى سبيل المثال، أنتجت الوزارة مقطع فيديو يُظهر مداهمات قامت بها قوات الأمن لمكاتب المُعتقلين أخيراً، مُتَّهمةً إياهم بـ”الضلوع في مؤامرة إلى جانب قادة منفيين من جماعة الإخوان بهدف إسقاط الدولة ومؤسساتها”.
بغض النظر عمّا يُصدّقه أو لا يُصدّقه المواطنون المصريون، يبقى السؤال المطروح بالنسبة إلى الولايات المتحدة هو إلى أي درجة يتعيّن على واشنطن دعم أو تشجيع مثل هذا القمع السافر؟ فالخطوات التي تتخذها إدارة ترامب دفاعاً عن المعتقلين ظلماً في مصر ليست أقل بكثير مقارنةً بسابقاتها وحسب، بل هي تدرس بجديّة إمكانية تبنّي سردية السيسي الخاطئة بأن “الإخوان المسلمين” جماعة إرهابية. لكن من المؤكد هنا هو أن السيسي سيستخدم تصنيف الولايات المتحدة للإخوان كجماعة إرهابية من أجل إظهار أنه يتمتّع بدعم الإدارة الأميركية الكامل في ارتكاب مظالم فادحة بحق أعضاء الجماعة، وكذلك بحقّ كلّ من يدّعي أنه على صلة بالجماعة، مهما كان هذا الإدّعاء زائفاً.
يُعتبر العليمي وزملاؤه، الذين أرادوا ببساطة تشكيل تحالف معارض علماني للترشّح إلى البرلمان، أحدث الضحايا من بين العديد ممن طالته حملة السيسي لنسف الحياة السياسية. وفي هذا الإطار، يتعيّن على الإدارة الأميركية الإحتجاج على اعتقالهم، وكذلك رفض التواطؤ مع استراتيجية السيسي المتمثّلة في ممارسة أعمال القمع على نطاق واسع، الأمر الذي سيجلب لمصر في نهاية المطاف الشقاء والبؤس وانعدام الإستقرار.

• ميشيل دنّ هي باحثة أولى في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط، حيث تتركّز أبحاثها على التغييرات السياسية والاقتصادية في البلدان العربية، وخصوصاً في مصر، وعلى السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
• عُرِّب هذا المقال من الإنكليزية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى