اليونسكو تُهدي العراق خبراً مُفرحاً

بقلم كابي طبراني

منذ حوالي 4000 عام، عاش على ضفاف نهر الفرات في مدينة بابل، أكبر مدن العالم في ذلك الوقت، ما يقرب من 200,000 نسمة. في ذلك الزمن، تميّزت هذه المدينة العتيقة بالعلوم والمعارف والفنون حيث بنت الحدائق المُعلّقة، إحدى عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، كما توسّعت فيها التجارة لدرجة لا مثيل لها في تاريخ المنطقة. الواقع أن بابل، التي كانت مهداً سابقاً وسبّاقاً للحضارة، هي جزء لا يتجزأ من فهم تاريخ البشرية.
لكن الموقع لم يتم العناية به وأُهمِل، بل وتم الإعتداء عليه، على مدى عقود من الصراع وسوء الحكم. فقد قام الرئيس العراقي السابق صدام حسين بالتلاعب وتغيير بعض معالم المدينة الأثرية وإعادة بناء بعض الأجزاء من دون أي أسلوب علمي، ونحت أول حرف من اسمه واسم والده على طابوق جدران المدينة، وقام بهدم جزء كبير من المدينة لبناء قصر مُبهِج لنفسه، قبل أن يصبح هذا القصر قاعدة للقوات الأميركية التي كانت تقود غزو العام 2003 الذي أطاح به. وفقاً لجون كورتيس من المتحف البريطاني، قامت القوات الأميركية بحماية نفسها بأكياس رملية محشوة بشظايا وقطع أثرية.
بابل قد تنتمي إلى العراق ولكن أهميتها عالمية. لحسن الحظ، بعد 36 عاماً من الضغط من قبل حكومات بغداد المُتعاقِبة، وافقت منظمة اليونسكو العالمية الأسبوع الفائت على إعادة إدراج ووضع بابل على لائحة التراث العالمي بعدما أزالتها وحذفتها من هذه اللائحة في ثمانينات القرن الفائت.
لا تعترف إعادة الإدراج ببساطة بالأهمية التاريخية للمدينة القديمة – أو الحضارة البابلية وبلاد ما بين النهرين التي بنتها، فحسب، بل أنها تجلب وعداً بالحفظ والحماية وتأمين المدينة وإبعادها عن العسكرة، وهو أمرٌ أكثر إلحاحاً وضرورة. وعلى الرغم من أن اليونسكو لم تصل إلى حد وصف المدينة القديمة بأنها موقعٌ مُهدَّد بالإنقراض، إلّا أن المنظمة قالت إن بابل في “حالة سيئة جداً وسريعة العطب”، مع تعرّض العديد من هياكلها لخطر الإنهيار. حتى الآن، تم اكتشاف 18 في المئة فقط من آثار الموقع. لحسن الحظ أن هذا الوضع على وشك التغيير.
بالنسبة إلى العراق، الذي يتمتع حالياً بفترة من الهدوء النسبي بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة والمعركة التي استمرت خمس سنوات ضد “داعش”، فإن هذه اللحظة مهمة جداً. كانت المجموعة الإسلامية المتطرفة سعيدة بتدنيس بعض المواقع الأثرية الأكثر أهمية في البلاد، والتعافي من هياجها المُدمّر كان بطيئاً ومؤلماً.
إن حماية بابل وإعادتها إلى الخريطة الدولية ستجلب الآلاف من الزوار إلى دولة تمّ طمس صناعتها السياحية بسبب النزاعات، وتساعد على تغيير صورة العراق السيئة المُنتشرة في جميع أنحاء العالم.
من جهتها تحاول بغداد بشكل يائس إعادة البناء والنمو، ويُمكن لقرارات مثل هذه أن تجعل العراق مُرادفاً ليس للحرب، ولكنه نسيجٌ من تاريخ البشرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى