تحية الى شعب السودان الطيّب

بقلم عرفان نظام الدين*

ينطبق على السودان العربي النبيل المثل القائل: كلّما جاءت فئة لعنت أختها ومقولة تقول: رُبَّ زمان بكيتُ منه فلمّا صرتُ في غيره بكيت عليه.
وعلى الرغم من أن عهد عمر البشير لا يستحق البكاء عليه، فإن مَن خلَفه وقفز على السلطة بالإكراه والغصب والإحتيال أبكى الشعب السوداني الطيّب المُسالم، وارتكب مجازر يندى لها الجبين، بينها مجزرة فضّ الإعتصام وما رافقها من قتل وذبح واغتصاب.
ومَن يعرف السودان، ويُحبّ أهله ويحترم قيمهم وأخلاقهم، يبكي دماً ويسأل عن سبب إمعان المُتسلّطين في إنكار الواقع ورفض فك القيود عن ايادي الشعب، لتنتقل الأمور من سيئ الى أسوأ، ويتداول عليه الظالمون في القمع وتدمير البشر والحجر ونهب الثروات وارتكاب المُحرّمات.
عرفتُ السودان بلداً آمناً، ينام أهله وأبواب منازلهم مفتوحة، يتبارون في الكرم والضيافة والتمسك بالقيم ومبادئ الإسلام الحنيف، ورفض الهوية المزوّرة لبعض المُتسلّطين التي تركب موجة ما يُسمى بالإسلاميين لتمسك بزمام السلطة، رغم أن السودانيين لا يحتاجون الى مَن يدلّهم على أمور دينهم لأنهم نشأوا وتربّوا على التمسك بها.
كما عرفتُ السودان في حالَتَي الحكم الديموقراطي الصرف، والحكم العسكري الصلف، وشهدت معاول الهدم تعمل تخريباً في مجتمع مُوحَّد ونبيل: هدم الاسس الديموقراطية التي تقوم على الأحزاب والتداول والمشاركة رغم التحفّظ على بعض الممارسات، وخصوصاً في الإختلاف والخلاف بين المُكوِّنين الأساسيين “حزب الأمة الأنصار” “والحزب الديمقراطي الختمية”، الى أن جاء الراحل حسن الترابي ليقود “الجبهة الإسلامية القومية”، ويتآمر مع الضباط إنطلاقاً من شهوة السلطة، الى أن وقع ضحية لمطامعه وقضى في السجن سنوات من عمره.
إلّا أن الهدم لم يشمل الديموقراطية فحسب، بل ركّز على قمع الحريات، و تخريب كل مؤسات الدولة من جامعات رائدة وقضاء حر مستقل ومنظمات إجتماعية وفنون وأدب ونقابات، وصولاً الى وحدة البلاد التي هدّتها وزعزعتها الحروب الى أن حصل فصل الجنوب، وارتكاب مذابح في دارفور وغيرها.
إنها مأساة فعلية تُثير الأحزان على شعب مؤمن خرّج آلاف الأطباء والمُعلمين والمحامين والشعراء والادباء والفنانين. وأسوأ ما فيها أن العرب يتجاهلون محنة اشقائهم، والعالم بين غافل ومُتآمر، والرأي العالمي كذبة كبيرة، وخصوصاً منظمات حقوق الإنسان. بل أن بعضاً من العرب والأجانب يتآمر من أجل نهب البلد وممارسة السيطرة عليه بدافع الحماية وفرض الديكاتورية. وإزاء كل ذلك لا يبقى لنا إلّا ان ندعو الله لينصر الشعب السوداني، ويُعين أهله، ويُجنّبهم المزيد من المآسي والكوارث … ويا أمان الخائفين.

• عرفان نظام الدين كاتب، إعلامي وصحافي عربي، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية والمستشار العام والمشرف على البرامج والأخبار في محطة “أم بي سي” التلفزيونية. يمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: arfane@hotmail.co.uk أو متابعته على: www.facebook.com/arfan.nezameddin

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى