إنخفاض الإستثمار الأجنبي المباشر يُعثِّر نمو الإقتصاد التونسي

السعي إلى التسويق لمناخ الإستثمار في تونس مثّل أبرز أهداف منتدى تونس للإستثمار الذي احتضنته على مدى يومين في حزيران (يونيو) الفائت.، حيث اعتبر المنظمون ذلك فرصة مهمة لتحسين صورة البلاد التي سقطت من قائمة الدول الـ15 الأولى الأكثر استقطابا لمشاريع الإستثمار الأجنبي المباشر في العام 2017، إذ تراجع عدد المشاريع التي استقطبتها البلاد بنسبة 50% مقارنة بسنة 2016، حسب دراسة برنامج جاذبية أفريقيا نسخة 2018.

يوسف الشاهد: فشل في جذب الإستثمار الأجنبي المباشر رغم جهود كبيرة

بقلم حمزة المؤدّب*

على مدى يومين (في 20 و21 حزيران (يونيو) الفائت)، كان “منتدى تونس للإستثمار”، الذي نظمته وكالة النهوض بالإستثمار الأجنبي الحكومية، بمثابة تذكير لكيفية تحوّل الإستثمار الأجنبي إلى “كعب أخيل” للإقتصاد التونسي.
ويُبرز هذا المنتدى جهود تونس المستمرة لعكس اتجاهٍ تَسَارَعَ بعد انتفاضة 2010-2011 وتمثّل بانخفاض الإستثمارات الأجنبية، التي لم تستطع العودة إلى مستويات ما قبل الإنتفاضة. في الواقع، بلغ متوسط الإستثمار الأجنبي المباشر السنوي ما يعادل 1.35 مليار دولار في كلٍّ من السنوات الخمس السابقة لسقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي، ومليار دولار في كل من السنوات الخمس التي أعقبت ذلك. كانت الإنخفاضات أكثر حدة في العامين 2016 و2017، حيث تدنّى الإستثمار الأجنبي المباشر السنوي إلى 885 مليون دولار و880 مليون دولار على التوالي، قبل أن يرتفع مرة أخرى في العام 2018 إلى 945 مليون دولار.
منذ العام 2014، تكافح الحكومات التونسية من دون جدوى لإعادة صياغة تونس كوجهة رئيسة للإستثمار الأجنبي. إنها تُدرك أن انخفاض الإستثمار الأجنبي المباشر يوسّع إختلالات الإقتصاد الكلي ويُبطئ الإنتعاش الإقتصادي الذي تحتاج إليه البلاد بشدة لتوفير فرص عمل والحدّ من التوترات الإجتماعية. وقد ساهم انخفاض الإستثمار الأجنبي المباشر في زيادة عجز الموازنة العامة من 2.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2010 إلى 4.8 في المئة في العام 2018، في حين زاد الدين العام من 44.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2013 إلى 70 في المئة في العام 2018. وظلّ معدل التوظيف مرتفعاً عند 15.5 في المئة منذ العام 2015. وتدهور وضع ميزان المدفوعات في تونس بعدما انخفضت قدرة البلاد على توليد أرباح بالعملة الأجنبية بسرعة بعد الإنتفاضة. كما أدى إنهيار السياحة بسبب الهجمات الإرهابية والزيادة في هروب رؤوس الأموال إلى خفض إحتياطات العملات الأجنبية بشكل كبير، والتي هبطت من 9.8 مليارات دولار في العام 2010 إلى 4.8 مليارات دولار في العام 2018، مما فرض ضغوطاً على الدينار التونسي، الأمر الذي أدّى بدوره إلى ارتفاع معدل التضخم.
على الرغم من الجهود الترويجية والتسويقية، لم تنجح حكومات ما بعد العام 2014 في تعزيز الإستثمار الأجنبي المباشر. لقد تأثرت الثقة سلباً بالإضطرابات السياسية والإقتصادية في تونس منذ 2010-2011. ومن بين الجهود التي بذلتها البلاد، أقرّ البرلمان قانون الإستثمار الجديد في العام 2017 كجزء من حزمة من الإصلاحات الإقتصادية التي تم التفاوض بشأنها مع صندوق النقد الدولي والإتحاد الأوروبي، في مقابل الحصول على قروض خارجية ومساعدة مالية لتغطية العجز في الموازنة العامة والحساب الجاري. إن القانون، الذي صُمِّم لتحفيز الإستثمار الأجنبي، يُبَسِّط الإجراءات القانونية لإقامة المشاريع، ويُقلّل من عدد الأنشطة التي تتطلب تصريح حكومي، ويُسهّل على الشركات الأجنبية توظيف الأجانب المؤهَّلين تأهيلاً عالياً، ونقل وتحويل أرباحهم من تونس إلى الخارج.
إلى جانب إعتماد هذا القانون، أنشأت الحكومة في العام نفسه “الهيئة التونسية للإستثمار”، وهي هيئة إدارية جديدة مسؤولة عن الإسراع في تنفيذ الإستثمارات. ومع ذلك، فإن هذه التدابير لم تكن كافية لعكس تراجع الإستثمار الأجنبي المباشر، مما يدل على أن المشكلة تزداد عمقاً ولا يُمكن حلّها بمجرد صياغة قوانين استثمار جديدة.
تُقدّم تونس العديد من المزايا للمستثمرين الأجانب. فالبلاد تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي على البحر المتوسط، مع إمكانية أن تصبح مدخلًاً إلى الأسواق الأفريقية. كما أن لديها قوة عاملة مُثقّفة ومُتعلّمة ذات مستويات رواتب تنافسية. ومع ذلك، بسبب البنية التحتية الضعيفة ومرافق النقل، فإن تونس تتخلّف عن جيرانها في شمال إفريقيا في هذا الصدد.
بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من إنجازاتها في بناء ديموقراطيتها، تحتاج تونس إلى تعزيز حكم القانون وخلق مناخ إستثماري جذّاب من شأنه أن يُعزّز ثقة المستثمرين. وعلى الرغم من قفزها ثمانية مراتب على قائمة تصنيف البنك الدولي لسياسة ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2019، حيث إحتلت المرتبة 80، إلّا أن تونس لا تزال بعيدة جداً من المغرب، منافسها الإقليمي الرئيس.
والأهم من ذلك هو أن تونس بحاجة إلى إعادة تقييم موقعها في سوق عالمية تتنافس بشكل متزايد على جذب الإستثمار الأجنبي المباشر. ينبغي أن يُشجع الإعتماد المفرط للبلد على بلدان جنوب أوروبا صناع القرار على إعادة التفكير في النهج الدولي لتونس من أجل جذب الإستثمار الأجنبي المباشر من بلدان أخرى. في الواقع، منذ تسعينات القرن الفائت قامت شركات أوروبية عدة بالإستعانة بمصادر خارجية من أوروبا الشرقية أو نقل أنشطتها إليها، وبشكل متزايد إلى الإقتصادات الآسيوية الناشئة، ولكن ليس إلى تونس أو غيرها من بلدان جنوب البحر المتوسط.
إن فرنسا وإيطاليا وبدرجة أقل ألمانيا هي من البلدان الأوروبية المستثمرة الرئيسة في تونس. ومع ذلك، فقد أثر التباطؤ الإقتصادي لاقتصادات جنوب أوروبا منذ أزمة منطقة اليورو في العام 2008 سلباً على البلاد. لذلك ينبغي على تونس أن تُقلّل من اعتمادها على هذه الإقتصادات البطيئة وتنويع علاقاتها الإقتصادية. في العام 2018، ذهب ما يقرب من نصف الإستثمارات إلى قطاع النفط والغاز، تلته المكوّنات الكهربائية والسيارات وقطاعات التصنيع. من ناحية أخرى، تحتاج تونس أيضاً إلى جذب استثمارات ذات قيمة تكنولوجية عالية لخدمات الأعمال والبرمجيات وتكنولوجيا المعلومات وقطاع السيارات. وهذا من شأنه أن يُعزّز نقل التكنولوجيات المتقدمة ويدعم التنويع في الإقتصاد الذي من شأنه أن يؤدي إلى نمو إقتصادي متوازن مدفوع بمجموعة متنوعة من القطاعات الإقتصادية. يجب أن تهدف أي استراتيجية لتأمين الإستثمار الأجنبي أيضاً إلى إحداث تأثير إجتماعي يُلبي توقّعات السكان، لا سيما في المناطق الداخلية المُهمَّشة في تونس. في الواقع، إن التركيز العالي للاستثمار الأجنبي المباشر في العاصمة تونس والمناطق الساحلية أثبت أنه غير مستدام إجتماعياً وسياسياً.
يحتاج صانعو القرار في تونس إلى صياغة استراتيجية استثمار شاملة تستهدف الصناعة والتجارة والتنمية البشرية. ومن المحتمل أن يكون هذا على رأس جدول أعمال الحكومة الجديدة التي من المتوقع تشكيلها بعد الإنتخابات التي ستجري قبل نهاية هذا العام، والتي ستكون مُكَلَّفة بضمان مزيد من الإستقرار الإجتماعي والسياسي. مثل هذا النهج سيكون حاسماً لعودة الإستثمار الأجنبي المباشر إلى مستويات ما قبل الإنتفاضة.

• حمزة المؤدّب هو باحث غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، حيث تتركّز أبحاثه على الإصلاح الاقتصادي، والاقتصاد السياسي للنزاعات، وانعدام الأمن على الحدود في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى