مؤتمر البحرين و”صفقة القرن” الفاشلة

بقلم كابي طبراني

“السلام من أجل الإزدهار” هو العنوان الطموح الذي أعطاه البيت الأبيض لـ”خطته الإقتصادية” لتسهيل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي تم إعدادها لورشة عمل في البحرين دارت على مدى يومي 25 و26 حزيران (يونيو) في المملكة الخليجية الصغيرة. وقد واجهت وثيقة الخطة التي نُشِرت رسمياً في 22 حزيران (يونيو) رفضاً واسع النطاق جرّاء الطريقة التي اعتُمِدَت والتي تقوم على تقديم رؤية إقتصادية لأزمة سياسية معقّدة وتؤجّل بحث ومناقشة القضايا السياسية التي تُشكّل لب الصراع. لذا كان الرأي السائد بأن مثل هذا النهج غير واقعي وغير منطقي وضار ومصيره الفشل.
كان رد البيت الأبيض على ذلك – بأن الخطة السياسية ستأتي لاحقاً – غير مُقنع. كما أنه غير دقيق. هناك كثير من السياسة في الخطة الإقتصادية الأميركية المعروضة. من الواضح أن الرؤية السياسية لا يتم التعبير عنها فقط من خلال بيانات صريحة ولكن أيضاً من طريق الصمت المُنذِر، ولها أبعادٌ داخلية بالنسبة إلى الفلسطينيين، فضلاً عن الأبعاد الإقليمية الأوسع.
البعدُ المحلي هو معاملة الفلسطينيين كمجموعة من الأفراد الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة مع بعض المؤسسات غير الحكومية والمدنية والإدارية، ولكن من دون هوية وطنية أو قيادة. لقد كان هذا ضمنياً في التصريحات السابقة لكبار مسؤولي إدارة دونالد ترامب. والآن يجري تحويلها بقوة إلى البرنامج الإقتصادي. ببساطة لا يوجد ذكر لمنظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الوطنية الفلسطينية أو أيّ من الهياكل التي قَبِلَها الفلسطينيون للتحدث باسمهم دولياً. لقد أوضح السفير الأميركي لدى إسرائيل ذلك بوضوح: “لستُ على علم بأن السلطة الفلسطينية لها الكلمة الأخيرة والفصل حول كيفية خلق حياة أفضل للفلسطينيين. يجب أن يكون للفلسطينيين أنفسهم رأي في ذلك”.
إن عرضَ إعطاء الفلسطينيين حق إبداء “الرأي” ليس دعوة لإجراء إنتخابات جديدة. في الواقع، تُركّز الرؤية السياسية للخطة الإقتصادية باهتمام كبير على “الحكم”، ولكنها تتجنّب الديموقراطية تماماً. هناك إشارة إلى “دور القانون” و”العملية التشريعية”، لكن القوانين تصدر الآن بمرسوم من رئيس فلسطيني، محمود عباس، الذي لم يُذكَر إسمه أو إسم مكتبه في خطة البيت الأبيض. هناك إشارة إلى محاكم وحتى إلى “الفصل بين السلطات” في الخطة الإقتصادية، لكن لا توجد إشارة إلى السلطة التنفيذية الفلسطينية. في الواقع، لا تعترف رؤية البيت الأبيض بوجود فروع تنفيذية أو تشريعية أو قضائية تقليدية للحكومة الفلسطينية، ولكنها تذكر فقط الهيئات الإدارية لتقديم الخدمات والإدارات المحلية (البلديات) والمحاكم.
علاوة على ذلك، فإن هذه المؤسسات التي تبدو بلا رأس، والتي تعمل خارج أي إطار دستوري أو ديموقراطي أو حكومي، يجب أن تتلقى كميات هائلة من المساعدات الدولية، وفقاً لخطة الولايات المتحدة. ولا يجب أن يتم الإشراف من خلال إنتخابات ولكن من طريق “المجتمع المدني”، ومن المفترض من قبل المانحين كذلك. قد يكون التأثير بمثابة وصاية دولية على الإدارة الفلسطينية – على الرغم من عدم وجود أي وصي حقيقي أو تاريخ إنهاء أو إنتهاء.
تتكوّن المساعدة من تعهدات غير دقيقة ورائعة مُقتَرِنة ببعض المقترحات المُحَدّدة بشكل مدهش، مثل قيام دول عربية استوردت جامعات أجنبية – الإمارات العربية المتحدة وقطر – بتصدير واحدة جديدة إلى فلسطين. كلها من العموميات الغامضة والمطبوعات الدقيقة لخطط مُحدَّدة تتعامى عن، وتتجاهل، بشكل تام العقبات السياسية التي أعاقت الجهود السابقة لدعم الحكم الفلسطيني والإدارة والمحاكم والتعليم والخدمات العامة الأخرى والمجتمع المدني. في الواقع أن التعامي لم يكن بالنسبة إلى العقبات فقط. إن الخطة الإقتصادية للبيت الأبيض تتغاضى عن وجود أي جهود سابقة يعود بعضها إلى ربع قرن وبعضها الآخر إلى أكثر من ذلك.
تعتمد الرؤية السياسية الإقليمية في الخطة الإقتصادية للولايات المتحدة على الرؤية المحلية. الفلسطينيون ليسوا أمة بل مجموعة من الأفراد الذين يعيشون في الضفة الغربية وغزة والذين ينبغي دمجهم في الدول العربية المحيطة بطريقة تندمج معها أيضاً إسرائيل في المنطقة. ليست الفكرة ببساطة لتجنّب ذكر الإحتلال، ولكن لجعل الفلسطينيين يستفيدون من قبولهم للترتيبات الإقليمية.
يبدو أن مسؤولي إدارة ترامب، بقيادة صهر الرئيس جاريد كوشنر، يُشيرون إلى أن دروس التاريخ ليست مفيدة – فالتاريخ مليء بالأفكار الفاشلة. مع ذلك، ما يثير السخرية هو كم أن الأفكار الجديدة تُشبه الأفكار القديمة ولكن في شكل مختلف. ترقى الخطة الإقتصادية الأميركية إلى رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل شمعون بيريز لـ”شرق أوسط جديد”، إلا أنها لا تستند إلى حلّ النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، بل تحديده بأنه غير موجود.
على سبيل المثال، هناك تركيز كبير على إنشاء بنية تحتية مادية لدعم التنمية الإقتصادية – ولكن الآن ترد مع تحريف. لن تكون للفلسطينيين مطارات وموانئ – كالتي كانت واردة خلال ذروة عملية أوسلو. بدلاً من ذلك، يجب عليهم الإعتماد على جيرانهم، الذين سيتلقون المساعدة: “من تحسين المطارات والموانئ في الدول المجاورة إلى تطوير مركز إقليمي لتجارة الغاز الطبيعي في مصر، فإن هذا المشروع سوف يحسّن التنقل في المنطقة ويُطلق العنان لفرص تجارية جديدة للقطاع الخاص الفلسطيني”. كما أن الممر بين الضفة الغربية وقطاع غزة الذي يسمح بالتنقل الفلسطيني – الذي إتفق عليه القادة الإسرائيليون والفلسطينيون عندما كان كوشنر بالكاد مراهقاً – سيعود، ولكن هذه المرة لا ليضمن الوحدة الفلسطينية بل لدمج وإذابة الفلسطينيين في المنطقة.
باختصار، لا تعتمد الخطة الإقتصادية الأميركية على تأجيل القضايا السياسية، بل على افتراض أن هذه القضايا هي اختراع من اختراعات القادة الفلسطينيين الذين عرقلوا ازدهار شعبهم. إن إعلان الخطة لا يمكنه أن يحجب حقيقةً أنه في ما يتعلق بالفلسطينيين – قادتهم وهويتهم ومصيرهم – وكذلك الضفة الغربية وقطاع غزة، لا يوجد شيء في الخطة يتعارض مع آراء رئيس الوزراء السابق مناحيم بيغن بشأن إنشاء كيان فلسطيني، الذي قدمه لأول مرة إلى الرئيس جيمي كارتر في العام 1977.
ربما، عندها، ستكون الفكرة الأكثر حداثة في مقاربة الولايات المتحدة الجديدة هي أن إدارة ترامب تطلب من الدول العربية دفع ثمن تحقيقها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى