مصطلحاتٌ سياسيّةٌ بنكهةٍ لبنانية!

بقلم الدكتور جورج كلاس*

الخطابُ والكلامُ السياسيُ الراهِنُ في التبارزِ اللبنانَي اليومي، يَستولدُ لَحظوياً وعفواً عباراتٍ وتراكيبَ ولَفْظِيّاتٍ، يُسارِعُ الإعلامُ الى نقلها وتسويقها ونشرها والتبشير بها وتَبنِّيها، إنْ على مسؤوليةِ كاتبِ “العبارة”، وإنْ على حسابِ صِدقيَّةِ و رصيد ِ “مُصَنِّعِ المُصطلح”، حتى وَلَوْ إنْعكسَ ذلكَ على أمنِ التبادلاتٌ الكلاميّة و سلامةِ “مُستهْلكِ اللَّفظةِ”، التي تدخل القاموس السياسي اللبناني، بنُطْقيَّاتِهِ و مَسْموعاتِهِ و مكتوباته، وتداولاتِه في البورصاتِ الإعلاميَّةِ، من دونِ أيِّ مراجَعةٍ أوْ تمَعُنٍ في أبعادِ ومقاصدَ كُلِّ ملفوظةٍ، ومُقابلةِ إيجابياتِ و سلبياتِ صدى إستخدام أنها… وفي ذلك مقاسٌ دليليٌ للسلوكاتِ المُتَحَكِّمةِ بسوقِ قَطْعِ “المصطلحات” وتوظيفاتِها “غَبَّ الطلب”، من خلال سياساتِ بعضِ وسائلِ الإعلام والمنصّاتِ ،التي تَدّعي أنَ كُلَّ ما تقوله وتكتبه وتنشره، هو “الحقيقة المطلقة”, أوْ أنّ أقاويلها وتعابيرها، تأتي كلّها من ضِمن “إستراتيجيَّةٍ مهنيةٍ حصريّةٍ”، ما يوحي تزويراً وإدعاءً أنّ بعضَ الميديا اللبنانية إستحالتْ، بقرارٍ ذاتي ٍ منها وبمُبادرةٍ تَسَرُّعِيَّةٍ، “مرجعيةً قانونيةً ودستوريةً ولغويةً” ذات صَلاحِيّةٍ حُكْمِيَّةٍ لنشرِ مفاصلَ عباراتِ ومصطلحات ِ الخطاب السياسي وتفسيره وتحديدِ بيئتهِ الإستهلاكية، من دون اعتمادِ دفترِ شروطٍ يُحدِّدُ “مِعيارَ الجودةِ” ونفعيَّةَ الكلام ، ومردودِيَّتَه الوطنيةَ العامة…!
كُلّ ذلك ، يحدثُ في لبنان اليوم، وليسَ لهذا الوطن، رغم كل ما يمر ُّ فيه من أزماتٍ ومخاطرَ، “مرجعيّةٌ إعلامية” ضابطَةٌ وساهرةٌ وحَريصَةٌ على مستوى مسؤولية الرَصدِ والتصويب والتوليفِ بين النُطقيّاتِ السياسية، التي غالباً ما يتمّ تحويرُ مقاصدِها فَتُصبحُ نقطةَ خلافٍ بدلَ أن تكون نقطة تلاقٍ أو محطةَ تقاطُعٍ على الأقل، في بلدٍ كَثُرَتْ فيهِ التشظياتُ السياسيةُ، وحَلَّتِ الشَرذَمةُ مكان َ الوحدة.
في بداية “جلسات الحوار” التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، سنة ٢٠٠٥ لوضعِ رؤيةٍ واستراتيجيةٍ لبنانيةٍ لمستقبلِ لبنان، طرحَ مفهوماً جديداً لمعنى توافقِ الطوائفِ والجماعات ِ اللبنانيّة، إنطلاقاً من “نهائيّةِ لبنانَ وطناً لجميع ِ مُكَوِّناتِه”، تأسيساً على مصطلح ٍ أطلقه الإمام موسى الصدر في زمنِ تَشعيلِ لبنان ومحاولةِ حَرْقِ أرضه ومحوِ صورته، ليكونَ ذاتَ يومٍ جاهزاً للتبادلِ والتبديلِ والتَصَافُقِ، وعلى ما استوَتْ عليه “مؤامرة القرن” في هذه المرحلة من عمرِ الأزمات العربية المتناسلة…
يومذاك قال الرئيس برّي على طاولةِ الحوارِ المُستَديرة: “إننا جميعاً مسؤولون بأن ننتقل بلبنان من مفهوم “البلدِ التعدُديّ” الدائمِ التأزُّمِ والمَوْسَميِّ التعاكُساتِ، الى قناعةِ “الوطن التكاملِيّ”، مؤكدين بقناعةٍ صلبةٍ، أنَّ الطوائفَ اللبنانيةَ، هي كياناتٌ “تتكاملُ لا تتعايشُ…!!
و من مأثوراتِ تَنَخُّلِ بري في انتقاءِ الألفاظ، بفنيّةِ الجَوهَرجيّ ودقّةِ الصيدلي وإبداعاتِ المعماري والرصانةِ الدستورية، أنَّ أيَّ كلامٍ على “ترسيم الحدود” إنما هو فعلُ “تأكيدٍ وتثبيتٍ لحدودِ الوطن” … لأن كرامةَ المواطنين من كرامةَ حدودِ وطنهم، وكرامةَ الوطن تبدأُ من حدوده…
وتأسيساً على منطق مفعول الكلمة السياسية “المصطلح” ومواءمتها مع ظرفِيّةِ قولها وفنِّ استخدام تقنياتِ التعبير والمصطلحات السياسيّة الأنسَبِ، أقترحُ، كَمُتابِعٍ و عارفٍ بأحوالِ البَلدِ وتكويناتهِ و خائفٍ عليه، إستخدامَ المصطلحاتِ التالية، توحيداً للمقاصِدِ، وتقريباً للفَهْمِ والإفهام: فنستخدمُ ونُعَمّمُ مصطلح “‎المارونية اللبنانية” و”‎السنيّة اللبنانية” و”‎الشيعيّة اللبنانية” و”‎الدرزيّة اللبنانية” و”‎الأرثوذوكسيّة اللبنانية” و”الكاثوليكية اللبنانية”، بدل (المارونية السياسية ، والسنية السياسية ، والشيعية السياسية، والدرزية السياسية والأرثوذوكسية السياسية والكاثوليكية السياسية). وذلك بدلَ كُلِّ المصطلحات الطائفيّة المذهبية، والمُتدَاولاتِ الكلامية،
قناعةً منّي أن “الكيانيّة اللبنانية”، هي الحلُّ الأوْحَدُ والأَسْلَمُ للسلامة الوطنية والسلمِ اللّفظي وضوابط التعبيرِ السياسي في بلدٍ نَوْعِيٍّ و تَنوُّعي…

• دكتور جورج كلاس باحث أكاديمي لبناني، كان عميداً لكلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى