رسالة مفتوحة إلى نواب الأمة في لبنان: بيدكم وقف الإستدانة، بيدكم تصفير العجز

بقلم الدكتور بيار الخوري*

دولة رئيس مجلس النواب،
حضرات السيدات والسادة ممثلي الأمة،
انتم لستم عصبة أمم ولا جمعية عامة لأُممٍ مُتّحدة، رغم ان الكثير من سلوككم يوحي بذلك. أنتم ممثلو أمة واحدة (مع بعض المخاطرة العلمية في هذا القول)، إنتُخِبتُم لتُجَسّدوا أماني وتطلعات اللبنانيين بنوعين من الأمن: الأمن النظامي، والأمن الإقتصادي والإجتماعي.
بغير ذلك تسقط وكالتكم رغم ما تختزنون من مرجعيّات تاريخية وطائفية ومصالح.
حديث المركب المُهدَّد وسط الأمواج بات على ألسنة أعلى مرجعيات في الدولة: رئيس الجمهورية يُذكّرنا بمأساة سفينة “التايتانيك”، ورئيسا مجلس النواب والحكومة يُذكّرانا دائماً بالمركب الواحد الذي سيغرق الجميع فيه او يُنقذ الجميع (طبعاً عدا ركاب الترانزيت).
إذا كان الأمر كذلك وعلى هذا المستوى من الخطورة، وإذا كان الوضع صار أمام احتمال “وضع اليد على البلد” كما يقول أيضاً رئيس البلاد، فإن ما تُناقشونه اليوم وتجهدون في تشذيب بعضه تارةً، وزيادة لا تؤذي تارةً أخرى هناك، (أو تعتقدون انها لا تؤذي)، وتحتالون على الأرقام والنِسَب، وتسحبون من الموازنة ملياراً لتضعوه في مكان آخر، وتستدينون في الظاهر بواحد في المئة، ليُعاد بيع دينكم بعشرة. صعود وهبوط في متاهة لن تحلّ مشكلة الموازنة، لأن حكومتنا لم تلتزم يوماً بالموازنة، ولم يكن العجز الفعلي يوماً مُطابقاً للعجز المُقدًر، وثانياً لان جزءاً كبيراً من الإنفاق مرتبط بأسعار النفط العالمية والمُرشَّحة للإرتفاع بما يُدمّر كل محاكاتكم لأرقام الإنفاق.
كافة التقديرات المحايدة تتوقع أن تبلغ نسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي ما لا يقلّ عن ٨.٥٪ إلى ٩٪.
بيدكم ان تقولوا كفى لهذه الكارثة التي تتسابق مع الحلول الترقيعية، وتأجيل الإنفاق وترحيله لسنوات مقبلة، وضرب مستوى الطلب في الإقتصاد من خلال تشذيب الإمتيازات والتعويضات الوظيفية وزيادة بعض الضرائب.
بيدكم تحويل الدين العام اليوم الى دينٍ دائم. قد لا يكون بعضهم يعرف معنى هذا الإجراء رغم تناغم كلمة “دائم” مع ما تسمعونه يومياً من كلام قريب من نوع “الله يديمك” و “دام عزّك”.
لكن الموضوع مختلف: الدين الدائم ” perpetual debt” سيسمح بتخفيض جذري في خدمة الدين بعد تخفيض متوسط معدل الفائدة على الدين من ٧.٥٪ حالياً إلى حدود ٢٪ في مقابل بقاء الدين يجبي فوائد إلى الأبد.
سيؤمن هذا الحل المعروف تماماً في علم إدارة الدين بتخفيض ٤.٧٥ مليارات دولار سنوياً من الإنفاق العام وسيوازن الموازنة فوراً.
إستدعوا الخبراء، وأخص منهم ذكراً الوزير السابق جورج قرم، إلى جلسة إستماع في مجلسكم، وسوف يشرح لكم كيف تعمل هذه المقاربة.
وفي قانونٍ واحد إمنعوا الحكومات من الإستدانة خلال السنين العشر المقبلة، أي جمٍّدوا الدين العام عند مستواه الحالي.
إذا فعلتم ذلك، ستنخفض الفوائد رأساً في سوق المال اللبنانية، وستعود هذه السوق الي تمويل القطاع الخاص بفوائد قريبة من الفوائد العالمية، بما يسمح باستعادة النمو الإقتصادي المؤسس على طبيعة الأشياء اي القطاعات الإنتاجية.
وكلما نما الإقتصاد، عندها ستنخفض نسبة الدين إلى الناتج سنة بعد أخرى، ويتحسّن تصنيف ديون لبنان السيادية، وبالتالي يتحسّن وضع المصارف اللبنانية المُرشَّح تصنيفها اليوم للمزيد من الإنخفاض. وتستطيع الدولة بعد ذلك أن تُعيد شراء دينها لإطفائه على مدى ثلاثين عاما.
تصفير نسبة الدين العام إلى الناتج ووقف الدين كفيلان باستنهاض الإقتصاد، وكفى محاكاة لا طائل تحتها.
حين يتحدث رئيس البلاد عن خطر وضع اليدّ على البلد فهذا ليس كلاماً عابراً، وموضوع بهذه الخطورة لا يُمكن أن لا يكون في حساب المجلس.
قد لا يعجب هذا الحلّ أباطرة الإقتصاد الريعي، ولكن هل من يملك حلاً مُستداماً آخر هل مَن يملك غير الإستمرار في الرقص في تلك الباخرة التي صارت على بُعد أمتار من جبل الجليد؟

• الدكتور بيار الخوري باحث أكاديمي وخبير إقتصادي لبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى