مؤتمر البحرين يضع الأردن في عين العاصفة

بين إعلان البيت الأبيض مشاركة الأردن في أعمال مؤتمر البحرين الإقتصادي، ونفي عمّان إعلان المشاركة يبقى موقف الأردن ضبابياً حتى اللحظة وغير واضح. لقد استبقت الإدارة الأميركية الأردن صاحب الشأن بالإعلان عن مشاركته في أعمال المؤتمر لمزيد من الضغط على موقفه الرافض للمشاركة، ليعود الأردن على لسان مصدر مسؤول وينفي رده على الدعوة التي قدمت له، سواء بالمشاركة أو عدمها.

“الإخوان المسلمون” في الأردن: مؤتمر البحرين هو مؤامرة لحل القضية الفلسطينية على حساب المملكة الهاشمية

بقلم آرون ماجد*

أصبح المشهد مألوفاً في المؤتمرات الصحافية التي يعقدها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي على مدار العام . أحد الصحافيين يسأل كبير الديبلوماسيين في عمّان عما إذا كانت المملكة الهاشمية تدعم مبادرة الرئيس دونالد ترامب للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين؟ في رقصة ديبلوماسية دقيقة، يصرّ الصفدي مراراً وتكراراً على أن الأردن ليس لديه موقف من خطة البيت الأبيض لأنه لم يرَ نسخة من الوثيقة بعد. لقد سمحت هذه الإستجابة غير المُلزِمة لعمّان بتفادي أزمة مع الولايات المتحدة، أكبر داعميها الماليين، مع الحفاظ في الوقت نفسه على دعم الأردن القوي للقضية الفلسطينية.
مع ذلك، لم يتمكّن الأردن من الحفاظ على هذا الموقف إلى الأبد. في 11 حزيران (يونيو) الجاري، أخبر المسؤولون الأميركيون وكالتي “أسوشيتد برس” و”رويترز” أن الأردن سيحضر مؤتمر إدارة ترامب في البحرين، والمقرر عقده في الفترة من 25 إلى 26 حزيران (يونيو)، بحجة تعزيز الإقتصاد الفلسطيني. مُجبَرةً على الحضور، يبدو أن الحكومة الأردنية قد إختارت أن تتبع رغبات واشنطن بدلاً من رغبات جمهورها المحلي المؤيّد للفلسطينيين.

المعارضة الداخلية

طالبت جماعة “الإخوان المسلمين”، أكبر مجموعة معارضة في الأردن، في 26 أيار (مايو) الحكومة بمقاطعة مؤتمر البحرين، الذي وصفته بأنه “مؤامرة ضد الشعب الفلسطيني” يحرمهم من حق العودة. وأضاف الإخوان أن “الأردن سيكون الخاسر من هذه الصفقة التي تهدف إلى تسوية القضية الفلسطينية على حسابه”.
إن توقيت البيان كان حساساً فيما كان الملك عبد الله الثاني يعقد اجتماعاً نادراً في نيسان (إبريل) مع المُشرّعين المنتمين إلى جماعة الإخوان، مما يشير إلى رغبته في تحسين العلاقات مع الجماعة الإسلامية. إن قيام الحكومة الأردنية بإرسال ممثلين رسميين إلى قمة البحرين سيعكس ويُنهي على ما يبدو كل هذا التقدم. من جهتها تُدرك الحكومة الأردنية جيداً قوة الإخوان المُحتمَلة في تعبئة شرائح معينة من السكان.
بالإضافة إلى جماعة “الإخوان المسلمين”، لا يزال الجمهور الأردني الأوسع يدعم بشكل كبير قيام دولة فلسطينية مستقلة. حوالي 60 في المئة من سكان المملكة الهاشمية هم من أصل فلسطيني، مما يضمن بقاء البلاد مؤيدة بقوة للحقوق الفلسطينية. قبل أسبوعين فقط، إحتشد الأردنيون بالقرب من السفارة الأميركية للتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين وشجب خطة جاريد كوشنر المعروفة ب”صفقة القرن”. إن قرار الحكومة الأردنية برفض دعوة القيادة الفلسطينية للدول العربية بمقاطعة مؤتمر البحرين قد يكون له ثمن.
في اليوم نفسه الذي تم فيه الإبلاغ عن حضور الأردن لمؤتمر البحرين المقبل، إلتقى الملك عبدالله مع شخصيات سياسية وإعلامية للتأكيد على “دعمه للشعب الفلسطيني في سعيه لحقوقه العادلة والمشروعة”، مُشيراً إلى تنسيق المملكة مع الجانب الفلسطيني، وفقاً للديوان الملكي. ومع ذلك، يبدو أن خطاب الملك النبيل مفصول عن الواقع بالنظر إلى رفض عمّان لمطالب السلطة الفلسطينية المتكررة بتخطي المؤتمر.
مرددةً شعوراً شائعاً بين الأردنيين، غرّدت مراسلة صحيفة “الغد”، تغريد الرشق، على “تويتر”: “لماذا يتعرّف الأردنيون على مشاركة بلادهم في مؤتمر البحرين من مصادر أجنبية تُخبر الوكالات الصحافية الأجنبية؟” مضيفةً أنه: “برفضها التحدث أولاً مباشرة مع الأردنيين من خلال وسائل الإعلام المحلية، فإن الحكومة تُعامل مواطنيها ك”أطفال””.

القيود الإقتصادية

من المرجح أن يكون حضور المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر في القمة قد لعب دوراً في قرار الأردن. لقد ضغطت الدول الثلاث على الأردن للإنضمام إليها لضمان بذل جهد عربي موحَّد، وبالتالي فإن دول الخليج، وبخاصة المملكة العربية السعودية، لا تريد أن تبدو بصورة أنها تتخلّى عن الفلسطينيين. وبسبب التحدّيات الإقتصادية المحلية التي يواجهها الأردن، يجب على الملك عبد الله أخذ ذلك في الإعتبار بشكل خاص. في أعقاب إحتجاجات حاشدة في الصيف الماضي في جميع أنحاء الأردن – التي أطاحت رئيس الوزراء آنذاك هاني الملقي – تعهّدت كلُّ من السعودية والإمارات والكويت بتقديم مبلغ 2.5 ملياري دولار على مدى خمس سنوات لتعزيز إقتصاد المملكة الهاشمية المُتعثّر. كان الدعم الأميركي ضرورياً أيضاً، حيث زاد الرئيس ترامب مساعدات بلاده للأردن إلى حوالي 1.5 مليار دولار سنوياً. لذا، في خضم المشاكل الإقتصادية التي يتخبّط فيها الأردن، سيكون استعداء الداعمين الماليين الرئيسيين للبلاد خطوة محفوفة بالمخاطر.
مع تصاعد التحديات المالية في المملكة، لا يستطيع الملك عبد الله تحمّل أي رفض أو صدّ أي دعم خارجي. تبلغ نسبة ديون عمّان إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 95 في المئة، ويقترب إجمالي الدين من 40 مليار دولار. كما بلغت نسبة البطالة أكثر من 18 في المئة، وقام رئيس الوزراء عمر الرزاز بتنفيذ زيادة ضريبية غير شعبية. على عكس دول الخليج الغنية التي يُمكنها أن تمطر شعوبها بالإنفاق الإجتماعي أو الإعانات أو الوظائف بعد إتخاذ أو سنّ سياسة خارجية لا تحظى بشعبية، فإن الحكومة الأردنية ليس لديها هذا الخيار بالنظر إلى أزمة الموازنة الشديدة.

إدارة ترامب

علاوة على ذلك، أظهر الرئيس ترامب إستعداده لفرض خسائر فادحة على أولئك الذين يُعارِضون سياساته. على الرغم من الأزمة الإنسانية الخطيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد أنهت الولايات المتحدة مساعداتها للفلسطينيين بعد أن رفضت السلطة الفلسطينية قرار ترامب الصادر في كانون الأول (ديسمبر) 2017 بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، حتى إلى حد وقف تمويل علاج مرضى السرطان في القدس الشرقية. ويُدرك الملك عبد الله تمام الإدراك أن عواقب وقف قطع المساعدات الأميركية على بلاده ستكون وخيمة.
في 22 أيار (مايو) الفائت، في إشارة ربما إلى خطط الحكومة الأردنية، كتبت صحيفة “جوردان تايمز”، التي تتبنّى بشكل عام خطاً مؤيداً للملكية، إفتتاحية مثيرة للدهشة والتي أبرزها المبعوث الأميركي الخاص جيسون غرينبلات. وأشار المقال الإفتتاحي إلى أن “الترحيب بالمؤتمر في البحرين، أو على الأقل عدم إعاقة إقامته، سيُتيح للفلسطينيين فرصة لاختبار الآثار الكاملة للمبادرة… لا يُمكن للقيادة الفلسطينية أن تستمر في قول ” لا” لكل شيء معروض عليهم قبل دراسة الآثار الكاملة”.
زار مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر عمّان في 29 أيار (مايو) الفائت، على الأرجح في محاولة لإقناع الأردن بحضور القمة. لكن الملك عبد الله أصر خلال الإجتماع على أن أيّ حل للنزاع يجب أن يشمل إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود العام 1967 مع القدس الشرقية عاصمة لها، على الرغم من أن كوشنر أوضح في وقت سابق من شهر أيار (مايو) أن الخطة الأميركية لن تشمل صيغة الدولتين.
في وقت لاحق من ذلك المساء، بعد مغادرة الوفد الأميركي للأردن، إحتفل غرينبلات بالسيطرة الإسرائيلية على أجزاء من القدس الشرقية – وكان ذلك صفعة واضحة في وجه ورفض رسالة الملك عبد الله. يبدو أن إدارة ترامب تعتقد أنه بالنظر إلى التحديات الإقتصادية القاسية التي تواجه عمّان، يُمكنها إقناع الأردن بحضور مؤتمر البحرين من خلال تقديم المزيد من المساعدات الإقتصادية، حتى في الوقت الذي تُواصِل تجاهل مخاوف الملك عبد الله. إن ذلك ليس علامة لصديق حقيقي.

• آرون ماجد مُحلل متخصص في شؤون الأردن والعراق في حكومة “تسلا” (Tesla Government). صحافي سابق كان يُقيم في عمّان، ظهرت مقالاته في “فورين بوليسي” و”فورين أفّيرز” و”المونيتور” و”معهد الشرق الأوسط”. الآراء التي يعبر عنها هي آراؤه ولا تُمثّل بالضرورة آراء “أسواق العرب”.
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى