بقعة سورية مُشتَعِلة تزداد سخونة

فيما تستمر المناورات التركية والأميركية والأوروبية حول شمال سوريا، حيث تصاعد القتال أخيراً، تُجرى مشاورات سرية وعلنية للوصول إلى إتفاق.

جيمس جيفري: المنطقة الآمنة لن تتضمن قوات أوروبية

بقلم مارك بيريني*

يستمر تصميم “الرقصات” الديبلوماسية والعسكرية غير التقليدية على شمال شرق سوريا بلا هوادة بين أنقرة وواشنطن، وهو يشمل دولاً أوروبية أيضاً، وإن كان ذلك يجري بشكل أكثر تكتّماً. وفي الوقت عينه، تواصل روسيا وإيران دعم نهج نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وكما هو الحال دائماً، تكون للاعبين المختلفين حصص مختلفة في اللعبة.
بالنظر إلى الحقائق في هذا المجال، كان التطور البارز خلال الأسابيع القليلة الماضية هو تسليم روسيا إمدادات عسكرية هائلة إلى سوريا، بما في ذلك أنواع من الصواريخ المختلفة، عبر جسر جوي إلى قاعدة حميميم الجوية بالقرب من اللاذقية. وقد تم ذلك بواسطة طائرات نقل كبيرة حلّقت مباشرة فوق الأراضي التركية. ومن المفارقات أن خطط سير الطيران هذه تعني قبول أنقرة.
كان الهدف الروسي المُتجسّد في الصفقة مع تركيا بشأن محافظة إدلب واضحاً دائماً: يجب ألّا يُسمح للجهاديين الباقين بالعودة إلى روسيا أو إلى أي مكان آخر داخل الأراضي السورية أو العراقية. كان موقف تركيا بالنسبة إلى الصفقة دقيقاً منذ البداية، على أقل تقدير. يبدو الآن أن موسكو تريد “حلاً” سريعاً من طريق هجوم شامل على الجهاديين، بغض النظر عن الأزمة الإنسانية التي يثيرها هذا الأمر. ويفيد بعض التقارير أن عدد السكان المدنيين الذين شرّدتهم حملة القصف الحالية يبلغ حوالي 200,000، إن لم يكن أعلى، وتجمّع الكثيرون منهم على طول الحدود مع محافظة هاتاي في تركيا في مخيمات مؤقتة، والتي تُقدم القليل من الإمدادات الإنسانية والإجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، فإن مستوى الأمان لدى السوريين المُشرَّدين داخلياً مُنخفض، لا سيما وأن تركيا لا تنوي فتح حدودها أمام اللاجئين المُحتَملين.
في هذه الأثناء، شرق نهر الفرات، تصمد القوات الكردية السورية التابعة لوحدات حماية الشعب، العنصر الرئيس في تحالف قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، بدعم من وحدة مُخفَّضة من القوات الأميركية والقوات الفرنسية. وحسب مصادر مُعلنة، من الواضح أن المناقشات تستمر بين الولايات المتحدة وتركيا حول إنشاء منطقة آمنة بعمق غير مُحدَّد على طول الحدود السورية – التركية بين نهري دجلة والفرات.
في 22 أيار (مايو) الفائت، أخبر جيمس جيفري، الممثل الخاص للولايات المتحدة لشؤون سوريا والمبعوث الخاص للإئتلاف العالمي لهزيمة “داعش”، لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي: “كنت في أنقرة في وقت سابق من هذا الشهر للتفاوض على ترتيب بشأن ما يُدعى بالمنطقة الآمنة في شمال شرق سوريا في محاولة لتخفيف ومنع أي إحتمال للعنف. هذا الجهد الديبلوماسي مستمر على قدم وساق ونحن نواصل التركيز على إيجاد حلول”.
على الرغم من عدم ظهور تفاصيل حول كيفية تنفيذ هذه الخطة في المنطقة، إلا أنه من المذهل أن تستمر هذه المناقشات بين الولايات المتحدة وتركيا على الرغم من الخلاف الحاصل بين واشنطن وأنقرة. بعض القضايا التي يجب مناقشتها هي ما إذا كانت القوات التركية ستكون موجودة في المنطقة، وحجم القوات الأميركية، وموقع قوات حماية الشعب الكردية – “قسد”، وآليات المراقبة.
إذا تمّ التوصّل إلى اتفاقية أميركية – تركية بشأن منطقة آمنة وتنفيذها، يُمكن أن يشارك بعض الدول الأوروبية بطرق مختلفة في حلّ الأزمة السورية. وقد يكون أحد أشكال المشاركة، على الأقل من الناحية النظرية، مشاركة أوروبية عسكرية محدودة من أجل الحلول جزئياً مكان القوات الأميركية التي خُفِّض عددها على الأرض. لقد أعلن جيفري في 4 حزيران (يونيو) الجاري أن ترتيبات المنطقة الآمنة لن تتضمن أي قوات أوروبية. ومع ذلك، فإن القوات الأميركية المتبقية في شمال شرق سوريا ستكون مُلزَمة بتركيز أنشطتها على الحدود مع تركيا إذا كانت إتفاقية المنطقة الآمنة ستُنفَّذ بكفاءة. وهذا يعني أن القوات الأوروبية الموجودة بالفعل في شمال شرق سوريا، أو في الواقع كقوات إضافية، قد تُركّز أعمالها في جنوب المنطقة الخاضعة حالياً لسيطرة قوات سوريا الديموقراطية. وهذا هو المكان الذي يمكن أن تفكر فيه دول أوروبية أخرى في نشر وحدات عسكرية صغيرة، خصوصاً في المناطق التي يُحتَجَز فيها الجهاديون الأوروبيون في معسكرات إعتقال مؤقتة.
ومن المهم أيضاً أن تكون هناك حماية جوية. كانت الصحافة الألمانية تتكهن أخيراً حول استمرار دور القوة الجوية الألمانية التي تقوم حالياً بمهام مراقبة جوية خارج الأردن، إلّا أن المهمة ستنتهي في الخريف. ولكن هل أن الظروف السياسية في البرلمان الإتحادي (البوندستاغ) – حيث أُضيف منذ 2 حزيران (يونيو) تعقيد إضافي بتغيير القيادة في الحزب الإشتراكي الديموقراطي، الشريك الرئيس في الإئتلاف الحاكم الحالي – ستسمح بتمديد هذا الإلتزام؟ الواقع أن ذلك يبقى مسألة مفتوحة.
على المستوى السياسي، شارك القادة الفرنسيون والألمان بالفعل في قمة اسطنبول لمرة واحدة حول سوريا في تشرين الأول (أكتوبر) 2018 مع الرئيسين الروسي والتركي. وعلى الرغم من أنها لم تنجح في تحقيق إنفراجة بشأن تسوية سياسية، ولم تحظَ بتأييد في واشنطن، إلّا أن القمة كانت لها ميزة واحدة على الأقل: لقد جلبت فوائد الحوار المباشر مع اللاعب العسكري المهيمن في سوريا، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أزمة لن تُحَل من دون موافقته. لا يزال هناك احتمال جديد لتكرار هذه القمة، لكن لم يتم تأكيدها حتى يومنا هذا.
هناك عوامل عدة يُمكن أن تضيف إلى تقلب الوضع الحالي. أحدها هو اختلاف وجهات النظر بين أنقرة وموسكو حول العمليات في محافظة إدلب. والأمر الآخر هو الجو المتلبّد للغاية في العلاقات الأميركية – التركية بسبب إحتمال شراء ونشر صواريخ “أس – 400” (S-400) الروسية في تركيا وقرار أميركي بوقف تدريب طيارين أتراك على طائرة “أف 35” (F-35) في القواعد الجوية الأميركية.

• مارك بيريني باحث زائر في كارنغي أوروبا، حيث يركز بحثه على التطورات في الشرق الأوسط وتركيا من منظور أوروبي.
• كُتِب هذا التقرير بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى