“حزب الله” لم يعد وكيل إيران المُفَضَّل في نزاعها مع أميركا؟!

مع تصاعد التوترات مع واشنطن، إكتشفت طهران أن “حزب الله” ليس قادراً على القيام بالأعمال القذرة التي تريدها منه، لذا لجأت إلى وكلاء آخرين لها في المنطقة.

الحوثيون: الوكيل المفضل حالياً لدى إيران في النزاع الدائر في الخليج

بيروت – أنشال فوهرا*

في الأسبوع الفائت، هدّد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله بحربٍ إقليمية إذا تعرّضت إيران للهجوم من قبل الولايات المتحدة وسط تصاعد التوتر بين البلدين. لقد كان بيان دعم مُتوَقَّعاً من “حزب الله”، أقرب وكيل إقليمي لطهران. ولكن بالقدر عينه من الأهمية، إن لم يكن مُلاحَظاً، كان ما أضافه نصر الله بعد ذلك مباشرة – وتحديداً أنه لا ينبغي لأحد أن يخشى التوترات المتصاعدة إلى هذا الحد. كان ذلك في الوقت نفسه تحذيراً لواشنطن ومحاولة لتهدئة مخاوف مؤيدي المجموعة المحليين.
لقد كان “حزب الله” تاريخياً أكثر الميليشيات المتحالفة مع إيران فعالية؛ ومن المتوقع منذ فترة طويلة مشاركته في جميع حروب إيران. لكن الضغوط الداخلية في لبنان تُعقّد هذه المشاركة، وطهران تُغيّر سياستها الخارجية وفقاً لذلك. هناك عدد متزايد من الدلائل على أن الجمهورية الإسلامية تعتقد الآن أن المتمردين الحوثيين في اليمن يجب أن يكونوا وكيلهم الإقليمي المفضل في المواجهة المتزايدة مع الولايات المتحدة وحلفائها.
في منتصف أيار (مايو) الفائت، بعد تسعة أيام من إرسال أميركا مجموعة من حاملة طائرات وسفن حربية وقاذفات سلاح الجو إلى الخليج العربي، مشيرة إلى تهديد وشيك من إيران، لم يكن “حزب الله” ولا الميليشيات الشيعية في العراق هي التي ردّت، ولكن الحوثيين هم الذين قاموا بالرد. إدّعوا في ما بعد مهاجمة خط أنابيب سعودي بأسلحة تنقلها طائرات من دون طيار. كما أعلنوا مسؤوليتهم عن مهاجمة مستودع أسلحة سعودي في نجران، المدينة القريبة من الحدود مع اليمن. جاءت هذه الحوادث قبل انتهاء مهلة ال60 يوماً التي أعطتها طهران إلى أوروبا للتوصل إلى آلية بديلة لضمان قدرة إيران على بيع نفطها على الرغم من العقوبات الأميركية، وبدا أنها تمت مُعايَرتها لتكون بمثابة تحذير بشأن جدية طهران: كانت بصوت عالٍ بما يكفي لأن يلاحظها خصوم طهران، لكن ليس بالقدر الكافي للمطالبة برد فوري وإثباتي.
إن تحوّل إنتباه إيران من “حزب الله” إلى الحوثيين يجب ألّا ُيشكّل مفاجأة كاملة. كانت طهران دائماً تدرس بعناية ظروف ومكان النزاع قبل أن تختار أياً من ميليشياتها المتحالفة ستستعين بها. في المواجهة الحالية مع الغرب، يبدو أن تركيز إيران ينصب على الإشارة إلى جدّيتها، وزيادة مخاطر النزاع بطرق من شأنها أن توقف خصومها وتجعلهم يُفكّرون ملياً. والهدف من ذلك هو ضمان أن أي عمل عسكري سيكون مؤلماً لأعداء إيران، لكنه يظل واضحاً أنه سيكون أقل من حرب.
الحوثيون، الذين هم بالفعل في حالة حرب مع المملكة العربية السعودية بسبب دعم المملكة للرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي يعتبره الحوثيون أنه دُمية سعودية، يخدمون هذه الوظيفة بشكل جيد من خلال تقديم درجة أكبر من الإنكار لإيران. يشنّ الحوثيون هجمات على الأراضي السعودية منذ فترة من الوقت. وجاء الإرتفاع الحالي للهجمات في خضم اتفاق سلام تدعمه الأمم المتحدة بين الأطراف المتحاربة، لكنه يدعم مصالح إيران تماماً من خلال إظهار ضعف السعودية. إن توقيت الهجمات يشير بقوة إلى أنها قد تمت بناءً على طلب إيران.
وقال سيد محمد مرندي، وهو أكاديمي ومحلل سياسي إيراني – أميركي مُقيم في طهران، إنه لن يُفاجَأ إذا جاء الحوثيون لمساعدة إيران. وقال: “من المحتمل أن الحوثيين لم يعجبهم ضغط العقوبات على إيران. وإيران لم تطلب منهم أن يفعلوا أي شيء، لكنني أعتقد أنه بما أن السعوديين والإماراتيين أضرّوا باقتصاد إيران، فإن إيران ستستخدم كل وسائلها لإلحاق الأذى بهم”.
وقال مايكل نايتس، زميل بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن استخدام إيران للحوثيين كان خياراً ذكياً لأن أي انتقام قد يقع داخل اليمن وليس في إيران. وقال إن الهدف من ذلك هو استهداف السعوديين، لأن مهاجمة المصالح الأميركية من شأنه أن يؤدي إلى ردّ شديد القسوة. وقال: “من الواضح أن المصالح السعودية ستهددها إيران. والسؤال هو: إلى متى وإلى أي مدى وإلى متى سوف تتسامح الولايات المتحدة مع ذلك؟”.
تتفهم إيران المخاطر المحددة التي ينطوي عليها استخدام كل من وكلائها. إن إشراك “حزب الله” في الصراع الحالي مع الولايات المتحدة سيؤدي حتماً إلى إشراك إسرائيل، ومن المؤكد أنه سيتسبب في حرب إقليمية أوسع، وهو احتمال يريد كل من إيران و”حزب الله” تجنّبه.
وقد أفادتني مجموعة واسعة من المحللين السياسيين اللبنانيين – بينهم العديد من المقربين من “حزب الله” والعديد من منتقديه – أنه في حين أن “حزب الله” قدّم مقاتلين ملتزمين إيديولوجياً ومحترفين متشددين حربياً، إلّا أن إيران كانت حكيمة في إبقائه في مكانه. في الصراع المتطور ببطء مع الولايات المتحدة، كانت المجموعة الشيعية ذات فائدة كبيرة لإيران. ويقول المحلل السياسي سامي نادر إن “حزب الله” ليس لديه ما يكفي من الدعم المحلي للقتال مباشرة من أجل إيران وتعريض السلام الهشّ في لبنان للخطر، بالإضافة إلى مزيد من التأثير المنهك على اقتصاده. “إن اقتصادنا في حالة محفوفة بالمخاطر”، قال. مضيفاً: “إذا أدّى “حزب الله” إلى تفاقم الوضع من خلال التدخل في الصراع الأميركي – الإيراني، فلن يقبله الشعب اللبناني”. وقال غسان جواد، المحلل المعروف بقربه من “حزب الله”، إن هناك تفاهماً غير مُعلَن بين الولايات المتحدة، إيران و”حزب الله”، على أن يبقى لبنان دولة فاعلة في منطقة مزّقتها النزاعات. وقال “لا تريد الولايات المتحدة ولا إيران ولا “حزب الله” الفوضى في لبنان. لقد خططت إيران و”حزب الله” لاستخدام وكلاء آخرين في الوقت الحالي”.
السبب الرئيسي الذي يُجبر “حزب الله” على أخذ المقعد الخلفي هو عدم وجود استفزاز من إسرائيل. لقد نجح “حزب الله” كلاعب سياسي في لبنان ليس فقط لأنه كان يُنظر إليه دائماً على أنه مقاومة فعّالة ضد العدوان الإسرائيلي، ولكن أيضاً لأن الجماعة قالت مراراً وتكراراً إن سبب وجودها دفاعي. تحقيقاً لهذه الغاية، كان “حزب الله” يعمل بحذر في تعامله مع إسرائيل منذ حربهما الأخيرة في العام 2006.
من وجهة نظر إيران، ليست هناك حاجة إلى حد كبير إلى “حزب الله” في الصراع الذي يغلي ببطء مع واشنطن. لديها بالفعل الحوثيون في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق تحت تصرفها. لن يلعب “حزب الله” دورا نشطاً إلّا إذا كانت هناك حرب كاملة وشاملة بين الولايات المتحدة وإيران، أو إذا قررت الحكومة السورية الرد على إسرائيل بسبب إحتلالها لمرتفعات الجولان والقصف المنتظم للأصول الإيرانية على أراضيها. إن “حزب الله” راسخ بعمق في جنوب سوريا بالمقاتلين والأسلحة.
ويقول المحلل السياسي اللبناني كامل وزني إن “حزب الله” لم يتّخذ أي قرار بعد بتصعيد الوضع في سوريا. وقال: “هناك حرب مفتوحة في سوريا. في جانب هناك إيران و”حزب الله” وفي الجانب الآخر هناك الإسرائيليون. لقد وعدت سوريا دائماً بالرد والإنتقام، لكن ذلك اليوم لم يحن بعد. من الممكن أن تقرر الحكومة السورية أنها لا تريد أن يُنظَر إلى إيران على أنها ضعيفة وتنتقم. ثم، بالطبع، سيلعب هنا “حزب الله” دوراً”.
تعتمد الخطوة التالية لإيران على مدى التصعيد الذي تقوم به الولايات المتحدة. إن الجمهورية الإسلامية تزداد يأساً لأن قنواتها لبيع النفط تجف في مواجهة العقوبات الأميركية. إذا صعّدت واشنطن من ضغوطها الإقتصادية من خلال، على سبيل المثال، إعتراض ناقلات النفط الإيرانية أو فرض عقوبات على الشركات التي تشتري نفطها، فمن المرجح أن توسّع طهران إنتقامها بالوكالة لتشمل الميليشيات العراقية المتحالفة معها، والتي تتمتع بوضع جيد لضرب الأصول الأميركية.
يقول مرندي إنه يمكن توقع إستجابة إيران وردها بالقدر عينه للتهديدات التي تواجهها. وقال: “إنتهاك الإتفاق النووي مقابل إنتهاك الإتفاق النووي، حرب مقابل حرب، والألم الإقتصادي للولايات المتحدة وحلفائها في مقابل تجدد العقوبات الإقتصادية ضد إيران” ، في إشارة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، والصفقة النووية التي تم التفاوض عليها في العام 2015.
وهذا يُشير إلى تجنب التهديد التصعيدي الكبير الذي كان الصقور الأميركيون متحمسين للعب فيه عندما تم إرسال حاملة الطائرات الأميركية “يو أس أس أبراهام لنكولن” إلى الخليج قبل ثلاثة أسابيع. لكنه يشير أيضاً إلى ما يصرّ عليه أهل النظام، سواء في الأجنحة المتشددة أو المعتدلة، منذ فترة طويلة: ستتابع إيران خطوات تدريجية للإنسحاب من الصفقة النووية وتبنّي موقف أكثر عدائية في المنطقة إذا تابعت إدارة ترامب مسار المواجهة.

• أنشال فوهرا هي مراسلة “دويتشه فيله” (Deutsche Welle) للشرق الأوسط ومقرها بيروت.
• نُشر هذا المقال أولاً في “فورين بوليسي” بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى