إلغاء الإنتخابات الجزائرية فرصة لإرساء الديموقراطية

بقلم شاران غريوال*

في الثاني من حزيران (يونيو) الجاري ألغى المجلس الدستوري الجزائري – الذي تم تفويضه دستورياً ليحل محل الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة – الإنتخابات الرئاسية التي كان من المقرر أن تجري في 4 تموز (يوليو) المقبل. وكان هذا الإلغاء فوزاً للمُحتَجّين، الذين رفضوا الطريق “الدستوري” الذي فرضه النظام. بإلغائها، ستدخل الجزائر في فراغ دستوري ومعه عدم اليقين السياسي. ومع ذلك، فإن إلغاء القيود على عملية الإنتقال السياسي وعدم الإرتكاز على الدستور الحالي سيوفّر أيضاً فرصة لتحوّل حقيقي أكثر إلى الديموقراطية.
منذ الإطاحة ببوتفليقة في 2 نيسان (إبريل) الفائت، تذرّعت فلول نظامه بالمادة 102 من الدستور، التي تستلزم إجراء انتخابات رئاسية في غضون 90 يوماً من استقالة بوتفليقة (أي حتى 9 تموز/ يوليو). وفقاً لما ينص عليه الدستور أيضاً، أصبح رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح الرئيس المؤقت، بينما لم يكن بالإمكان تغيير الحكومة التي يرأسها نور الدين بدوي في ذلك الوقت.
إدّعى النظام، الذي يقوده كأمر واقع رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، أن خريطة الطريق هذه هي الطريق الشرعي والدستوري للمضي قُدماً. لكن كما لاحظ المُحتَجّون، فإن هذا المسار هو الأكثر احتمالاً للسماح بإعادة توحيد نظام بوتفليقة. كانت الشخصيات التي ترعى “عملية الإنتقال” – بن صالح وبدوي، وإلى حد كبير ، قايد صالح – جميعها من بقايا نظام بوتفليقة. علاوة على ذلك، لم توفر فترة انتقالية مدتها 90 يوماً أي ضمانات لإجراء إنتخابات حرة ونزيهة ولا وقتاً مُفيداً للتنظيم السياسي. ونتيجة لذلك، رفض المتظاهرون المسار “الدستوري” بشكل جماعي كل يوم جمعة منذ الإطاحة ببوتفليقة. وبدلاً من ذلك، إستندوا إلى المادتين 7 و8 من الدستور، اللتين تشيران وتلحظان أن السلطة السياسية مُستَمَدَّة من الشعب.
في مواجهة هذا الرفض الشعبي، طرح مُرشّحان مجهولان نسبياً إسميهما لخوض الإنتخابات الرئاسية في 4 تموز (يوليو). ورفضت المحكمة الدستورية في 2 حزيران (يونيو) هذين الترشيحين وأعلنت أن الانتخابات ستكون مستحيلة. نتيجة لذلك، لن ترى الجزائر إنتخابات في غضون 90 يوماً من الإطاحة ببوتفليقة، ولن يكون المسار الدستوري مُستوفياً.
من المرجح أن تطغى هذه التطورات على توازن القوى لصالح المتظاهرين. يبدو أن الاستراتيجية المُفضّلة للنظام تتمثّل في مطالبة الرئيس المؤقت بن صالح بالبقاء في منصبه إلى ما بعد تاريخ نهاية ولايته ومهمته في 9 تموز (يوليو)، كما قام المجلس الدستوري بالإعلان عن تنظيم الإنتخابات في وقت لاحق. لكن النظام لم يعد هنا قادراً على استخدام كَفَنِ الشرعية الدستورية لفرض خريطة الطريق هذه. إن هذا التمديد لفترة التسعين يوماً غير دستوري.
من دون الدستور، سيكون المصدر الوحيد للشرعية هو الشارع، ومن المؤكد أن المتظاهرين سيرفضون تمديد خريطة الطريق السابقة. الحل الوحيد للخروج من الأزمة السياسية الآتية، كما اعترف قايد صالح نفسه، سيكون من خلال الحوار بين النظام والمتظاهرين.
إن إلغاء الإنتخابات لا يجعل المفاوضات أكثر ترجيحاً فحسب ، بل ويُزيل القيود التعسّفية من تلك المفاوضات. مع إبطال المسار “الدستوري”، لم يعد بالإمكان إستخدام الدستور ك”مرجعية” للحدّ من الخيارات الممكنة. الآن، لم يعد بإمكان النظام الإعتماد على الدستور لمنع إقالة الرئيس المؤقت بن صالح ورئيس الوزراء بدوي، ويُمكن تشكيل حكومة وحدة وطنية بدلاً من ذلك.
يجب على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي تشجيع النظام على التفاوض مع حركة الإحتجاج، وتلبية مطالبها. من المحتمل أن تتضمن هذه المطالب مراجعة، إن لم يكن إعادة كتابة، للدستور وإنشاء مؤسسات مستقلة لضمان مصداقية الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية والبلدية.
لكي يتم قبول هذه المفاوضات واحترامها، سيحتاج المتظاهرون إلى تنظيم واختيار قادة يتمتعون بالمصداقية للتفاوض نيابة عنهم. لكن من المهم بالنسبة إلى عملية الإنتقال هم الممثلون الذين سيختارهم النظام. بينما لا يُمكن تجاهل الجيش، من المهم ألّا يترأس أو يرأس المفاوضات، الأمر الذي من شأنه إضفاء الشرعية على الجيش كفاعل سياسي وكحَكَمٍ للإنتقال السياسي المقبل.

• شاران غريوال زميل بعد الدكتوراه في السياسة الخارجية في مركز سياسة الشرق الأوسط، يُمكن متابعته على تويتر على: @sh_grewal

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى