“داعش” سرق طفولتهم … والآن يجب ضمان مستقبلهم

بقلم كابي طبراني

بعد الإنهيار النهائي لأراضي “داعش” في وقت سابق من هذا العام، والتي امتدت ذات مرة على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، ركّز قادة العالم على ما يجب فعله بالعديد من المقاتلين المتطرفين الأجانب الذين سافروا للإنضمام إلى الخلافة المزعومة. وعلى الرغم من أن هذه المسألة مهمة، فقد حوّلت الإنتباه عن مجموعة أكثر ضعفاً: الأطفال الذين وُلِدوا تحت حكم “الدولة الإسلامية” الوحشي. هناك مخاوف من أن يصبح هؤلاء جيلاً ضائعاً، بعدما أصيبوا بصدمةٍ جرّاء الصراع الذي عايشوه ورأوه، وفي أكثر الحالات، أصبحوا أيضاً عديمي الجنسية.
لما يقرب من ثلاث سنوات، حكم “داعش” مناطق واسعة من العراق وسوريا بقبضة حديدية. وفي العام 2017، تم طرده من معقله في الموصل وأخيراً من عاصمته الرقة. حتى الآن، لم يكن لدى الأطفال المولودين في هذه المناطق سوى أوراق أصدرها تنظيم “الدولة الإسلامية”، والتي لم تعترف بها السلطات العراقية (ولا السورية). ومع ذلك، بعد أشهر من المداولات مع البرلمان ومجموعات الحقوق المدنية في بغداد، أعلنت المفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان أن البلاد ستُنشئ محاكم خاصة للمساعدة على تزويد هؤلاء الأطفال بالوثائق الرسمية.
هناك حوالي 45,000 طفل بفتقرون إلى شهادات الميلاد في بلاد ما بين النهرين، التي هي ضرورية للحصول على الجنسية العراقية، يعيشون في مخيّمات اللاجئين. كثيرون منهم يتامى، مما يجعل مهمة توفير الهوية لهؤلاء أكثر صعوبة. لقد ساهم هذا النسيان الإداري في عزلتهم عن المجتمع ومنعهم من العيش حياة طبيعية. في ظل الظروف الحالية، لا يحق لهؤلاء الأطفال الإلتحاق بالمدرسة أو الحصول على الرعاية الطبية ومزايا الرعاية الإجتماعية.
في حين أنه من السهل الإعتقاد بأن أولئك الذين اختاروا الإنضمام إلى “داعش” يستحقون القليل من العطف والتعاطف، فإن مثل هذا الكلام ينقصه التفهم والمنطق الإنساني ويجب ألّا ينطبق بالتأكيد على الأطفال الأبرياء. إن حرمانهم من الحقوق الأساسية وإثبات الهوية الرسمية يُعاقب البعض فعلياً على جرائم إرتكبها آباؤهم والبعض الآخر لأنهم وُلدوا في الجزء الخطأ من البلد في الوقت الخطأ. في تقرير حديث صادر عن مجلس اللاجئين النروجي، ذكر أحد المسؤولين أن عدم وجود هوية رسمية منعت المواليد الجدد من تلقي اللقاحات في بعض المناطق. وفي حين أن الآثار المباشرة لمثل هذا النهج مُلحّة، فإن الآثار الطويلة الأجل خطيرة بالقدر عينه، لأنه من المحتمل أن يؤدي إلى إقصاء هؤلاء الأولاد عن الإقتصاد والمجتمع، الأمر الذي يُقلل إلى حد كبير من فرص تقدّمهم وانخراطهم ويجعلهم عرضة للتطرف.
لقد وُصِفَت هذه الأزمة المستمرة من قِبل الأمين العام لمجلس اللاجئين النروجي، جان إيغلاند، بأنها “قنبلة إنسانية موقوتة”. فبعدما تحمل هؤلاء الأولاد سنوات من أهوال الحرب، تمّ حرمانهم من طفولتهم. ولحسن الحظ، أدركت بغداد أنه لا ينبغي حرمانهم من المستقبل. لذا ينبغي دعم الإعلان عن المحاكم الخاصة كخطوة أولى حيوية على الطريق لتزويد الآلاف من الأولاد بالسلامة والأمان اللذين يستحقونهما وقبولهم في المجتمع.
وما ينطبق على العراق ينبغي أن ينطبق على سوريا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى