العرب بين مطرقة ترامب وسندان إسرائيل وإيران

بقلم عرفان نظام الدين*

لا يُحسَد العرب على الأوضاع المُزرية آلتي وصلوا إليها، أو وضعوا أنفسهم في دوامتها، ليصبحوا سلعة يُتاجِر بها القريبون والبعيدون، الذين يتقاذفون كرة النار لتبادل المصالح بجشع لا مثيل له ليصح علينا القول: إستضعفوك فأكلوك.
ولا يُمكن لأحدٍ أن يُبرّر أو يدّعي عدم المعرفة والعلم أنه فوجئ بهذه الهجمة الوحشية والتنافس الإجرامي بين قوى الشر، لأن كل شيء كان يجري على الهواء مباشرة، بل إن معظم الأحداث جرت وفق إبلاغٍ مُسبَق، أو بمشاركة البعض منّا مِمَن باع ضميره وأرضه وعرضه ووطنه ومصير اولاده وأحفاده.
منذ معاهدة “سايكس – بيكو”، يوم القسمة الظالمة والمفتوحة، والأمة تسير من سيّىء الى أسوأ، والأخطار تُحيق بها من كل حدب وصوب، والأخطاء تتوالى وتتراكم لتتحول الى خطايا بينما القضم والهضم جاريان على قدم وساق من نكبة العام ١٩٤٨ حتى يومنا هذا: نكبات ونكسات وحروب وهزائم واضطرابات تسفك الدم العربي وتستنزف طاقاته وثرواته، فيما القوى الأجنبية وعلى رأسها اسرائيل والقوى الأقليمية تتآمر وتراقب وتُخطط لحصد المكاسب وفق صراع، خفي مرات وعلني مرات أُخرى، يخفي خلفه اتفاقات وتفاهمات وصفقات لتبادل المصالح والهبات والغنائم.
ويقتصر الخلاف على الحجم والتفاصيل الشيطانية كما جرى أخيراً عند إقدام الرئيس الأميركي دونالد ترامب على منح إسرائيل الغاصبة القدس الشريف ومرتفعات الجولان السورية المحتلة من غير وجه حق، ضارباً عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية والإتفاقات التي ضمنتها الولايات المتحدة نفسها في خطوة لا مثيل لها في التاريخ إلّا في عالم اللصوصية والمافيات حيث يُعطي من لا يملك للص يحتل الأرض ولا يملك أي شرعية أو حق.
وكم كتبنا عن الأخطار الآتية والصراع الأميركي – الروسي على اقتسام المغانم ومناطق النفوذ، وعن بروز القوى الإقليمية في العقدين المنصرمين (إسرائيل وتركيا وإيران) لتُصبح مفاتيح الحل والربط في أيديها فيما العرب يتفرجون ويتنازعون وكأنهم صمٌّ، بُكمٌ، وعُمي لا يعمهون أو كأن الأمر لا يعنيهم .
وما يجري اليوم من تصعيد كلامي بين الولايات المتحدة وايران، يُقابله غزل مفضوح ورغبة في الوصال، هو فصل آخر من فصول المؤامرة الكبرى. ويُخطىء من يظن ان الحرب ستكون لمصلحة العرب، لأن نيرانها ستأكل الأخضر واليابس، ويقع العرب بين مطرقة إيران ومعها إسرائيل، عبر “صفقة القرن”، والولايات المتحدة ومعها روسيا عبر لعبة حافة الهاوية والمسارعة للهيمنة تمهيدا لإعادة رسم الخرائط ومناطق النفوذ.
فكل هذه التهديدات ستذهب هباءً منثوراً ضمن صفقات سيتم التوصل إليها، ويدفع ثمنها العرب كما جرى في مرات سابقة في عهد باراك أوباما، وقبلها في عهد الرئيس الراحل دونالد ريغان عندما انكشفت فضيحة “إيران غيت” عند منح إيران أسلحة إسرائيلية خلال حربها مع العراق في وقت كانت الولايات المتحدة تزعم انها تقف مع الجانب العراقي.
وهكذا سيضيع العرب في حالتي الحرب والصفقات ليصح عليهم القول: بين حانا ومانا ضيّعنا لحانا… وعندما تتصارع الفيلة سيسحق العشب ومعه كل من يدب على ارضه … وماعلينا إلّا الدعاء: يا أمان الخائفين؟؟!؟

• عرفان نظام الدين كاتب، إعلامي وصحافي عربي مخضرم، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية والمستشار العام والمشرف على البرامج والأخبار في محطة “أم بي سي” التلفزيونية. يمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: arfane@hotmail.co.uk أو متابعته على: www.facebook.com/arfan.nezameddin

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى