بَرلمانٌ أوروبي مُنقَسِم ومُقَسِّم

بقلم كابي طبراني

لأول مرة منذ عقود، لن تتمتع أحزاب الديموقراطيين المسيحيين الوسطية ولا قوى الديموقراطيين الإشتراكيين صاحبة الميول اليسارية بالسيطرة الكاملة على البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ بعد الإنتخابات الأوروبية التي جرت في الأسبوع الفائت. عندما يجتمع البرلمان الجديد في أوائل تموز (يوليو) المقبل، سيتم استبدال التحالفات القديمة التي أكّدت إستمرارية المشروع الأوروبي بمجلس مُنقَسم جديد، واحدٌ سيشهد الأحزاب القومية والشعبوية من جميع أنحاء الكتلة المُكوَّنة من 28 عضواً تتحدّى وتتنافس مع حزب الخضر والإشتراكيين والوسطيين لصياغة طريق جديد.
منذ انضمام الدول الست الأولى — (بلجيكا، فرنسا، إيطاليا، لوكسمبورغ، هولندا وألمانيا الغربية (قبل توحيد ألمانيا)) إلى السوق الأوروبية المشتركة والتي كبرت إلى عشر دول (لتشمل الدانمارك (بما في ذلك غرينلاند، التي إنسحبت لاحقاً من السوق في العام 1985، بعد نزاع حول حقوق الصيد)، وايرلندا والمملكة المتحدة)، والتي توسّعت تدريجاً خطواتها السياسية وتطوّرت خطوة خطوة لتتحوّل إلى الإتحاد الأوروبي — كان هناك شيء مُشترَك بين أصوات أولئك الذين لديهم رؤية مُوحَّدة لأوروبا. لذا سادت سياسة الإجماع، حيث كان الإعتدال والمنطق السليم هما كلمتي السرّ أو الشعار.
النتائج من 28 دولة في الإتحاد الأوروبي أُعلِنَت، والبرلمان الجديد المُنقَسِم في ستراسبورغ سيعني أن الإجماع سيكون أكثر صعوبة الآن. بينما يحق لأكثر من 400 مليون أوروبي التصويت، إلا أن نصفهم فقط اختاروا ذلك. نعم، هناك الآن أصواتٌ داخل البرلمان تسعى إلى وضع حدّ للإتحاد الأوروبي وإنهائه. إذا حدث ذلك يوماً، فستكون القارة نفسها قد اتخذت خطوة خطيرة نحو الإنقسامات والمنافسات والصراعات القديمة.
هناك الآن أصوات وقوى وطنية قومية قوية مُتشدّدة في مجلس ستراسبورغ. نعم، لها الحق في أن تُسمِع صوتها، لكن أولوية مشروع الاتحاد الأوروبي يجب أن تضمن أن تحافظ الدول الأعضاء على حرية حركة السلع والخدمات والأفراد، بناءً على الرخاء الذي توفّره ثالث أكبر كتلة تجارية في العالم.
نعم، من السهل النظر إلى المتطرفين والشعبويين الذين فازوا بالمقاعد وسماع خطبهم الرنانة. لكن هذا ليس سوى نصف قصة هذه الإنتخابات الأوروبية. في جميع أنحاء أوروبا أيضاً، نظر الناخبون إلى المستقبل وتبنّوا المرشحين والأحزاب المُصمّمة على جعل المستقبل أكثر إشراقاً وأكثر نظافة وأكثر خضرة.
لقد قالت غالبية الناخبين إنها تريد أن ترى إجراءً عاجلاً بشأن تغير المناخ، وسياسات أكثر مراعاة للبيئة، والتأكد من أن الأطفال يتمتعون بهواء نظيف في إقتصاد ومجتمع مدعومَين بالطاقة المتجددة.
في الأسابيع المقبلة، سيقوم أعضاء البرلمان الأوروبي بتجميع وتعيين 28 مفوضاً جديداً لرئاسة الإدارة اليومية للإتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من أن هذا الأمر كان سابقاً مجال الوسطيين والإشتراكيين لا ينافسهم عليه أحد مُعارِض للفكرة الأوروبية، إلا أنهم ما زالوا يتمتعون بعدد ونفوذ كافيين للعمل مع حزب الخضر لضمان عدم عرقلة مشروع الإتحاد الأوروبي من قبل الشعبويين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى