كيف يُمكن لعودة المليشيات المدعومة إيرانياً من سوريا أن تُعقّد الإستراتيجية الأميركية؟

عاد مقاتلو لواء “فاطميون” الشيعي الأفغاني من سوريا إلى إيران أخيراً بناءً على طلب من الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني. وجاء ذلك بعد حدوث فيضانات في إيران وتصاعد حدة التوتر بين واشنطن وطهران. فماذا يعني ذلك للإستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط الأوسع؟

فيلق القدس: راعي الوكلاء الخارجيين

بقلم كانديس روندو*

في لعبة المخاطر العالية المستوى التي تجري بين طهران وواشنطن، من الصعب في كثير من الأحيان معرفة من هو المخادع حقاً. هدد الرئيس دونالد ترامب الأسبوع الفائت بأن تكون الحرب هي “النهاية الرسمية لإيران”، رادّاً جزئياً على التقارير التي تُفيد بأن قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإسلامي، حثّ قادة الميليشيات المدعومة من إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط “للتحضير لحربٍ بالوكالة”. ولكن بالنسبة إلى أولئك الذين يحملون بطاقات العد والمراقبة، فإن إيران ربما تكون قد مالت وقررت اختيار هذا المنحى.
تشير العودة الأخيرة إلى إيران لموجة من المقاتلين من لواء “فاطميون”، وهي ميليشيا تدعمها إيران وتتألف من الهزارة/ الشيعة الأفغان الذين يقاتلون في سوريا منذ الأيام الأولى للحرب الأهلية، إلى أن طهران قد تتوقع نوعاً مختلفاً تماماً من الحرب بالوكالة. مع جذور عميقة في مجتمع الأقلية الشيعية الصغيرة في أفغانستان، فإن الهزارة الأفغان الذين يُشكّلون الجزء الأكبر من قوات لواء “فاطميون” قد لكموا تاريخياً أعلى بكثير من وزنهم. في حين أن معظم التركيز على تداعيات الحرب السورية كان على المخاطر التي يُشكّلها المقاتلون من تنظيم “الدولة الإسلامية” عند عودتهم إلى بلادهم، فقد تم التغاضي عن الآثار المترتبة على عودة الآلاف من الوكلاء الإيرانيين الذين يتركون الجبهة السورية إلى ديارهم.
تختلف التقديرات في ما يتعلق بعدد مقاتلي لواء “فاطميون” الموجودين في سوريا والذين قاتلوا للدفاع عن نظام الرئيس بشار الأسد نيابة عن طهران. إقترح أحد الباحثين الأفغان، أحمد شجاع جمال، في تقرير لمعهد السلام الأميركي أن ما يصل إلى 50,000 شخص قد حملوا السلاح هناك. إلتحق كثيرون عن طيب خاطر، وجذبتهم رواتب عالية ووعد بالجنسية أو الإقامة في إيران عند عودتهم من سوريا. وتم الضغط على البعض الأخر وإجباره على الخدمة بعد الوقوع في فترات إقتصادية صعبة إنتهت إلى ورطات مع القانون. ذُكر أن المئات، إن لم يكن الآلاف، قد عادوا إلى إيران وأفغانستان خلال السنوات القليلة الماضية. والسؤال عمّا إذا كان هؤلاء المقاتلون يُشكّلون تهديداً حقيقيًا للأمن في المنطقة أو للمصالح الأميركية، فلا يزال يتعيّن علينا الإنتظار للإجابة عنه. لكن خطوط اتجاههم وتحركهم تُراقَب بينما يتصاعد الحديث عن الحرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وإيران.
خلال الأشهر الثلاثة الماضية، تدفق مئات المقاتلين المنتمين إلى الميليشيات الإيرانية التي تعمل بالوكالة في العراق وسوريا ولبنان إلى إيران إستجابةً لطلب المساعدة في الإغاثة من الفيضانات من سليماني و”فيلق القدس”. وقد بدأت الفيضانات الهائلة في آذار (مارس)، مما أدى إلى إهدار مساحات شاسعة من الأراضي في 25 من المحافظات الإيرانية البالغ عددها 31 محافظة، وتسبب في خسائر تُقدَّر بنحو 2.5 ملياري دولار. وكان المقاتلون العراقيون من “قوات الحشد الشعبي” المدعومة من إيران، من أوائل من استجاب لطلب المساعدة. لكن المقاتلين الأفغان من لواء “فاطميون” سرعان ما تبعهم.
في الأسبوع الفائت، عرض حساب “فاطميون” على تويتر بفخر صور اللواء الأفغاني يُقدّم مساعدات الإغاثة وإعادة الإعمار في لوريستان، غرب إيران. كان الأمر مختلفاً تماماً عن نوع المواد التي روَّجت لها الميليشيا عبر الإنترنت في السنوات الأخيرة، بما في ذلك الصور التي تُشيد بتضحيات مقاتليها في سوريا والتي استقطبت مئات “الإعجابات” (اللايكات) من الإيرانيين. في ذروة تورط إيران في الحرب السورية، كان الآلاف من الإيرانيين يتجمعون غالباً لإحياء ذكرى مقاتلي الهزارة الأفغان الذين قُتلوا في ساحة المعركة. على عكس معاملة موسكو للمرتزقة الروس في سوريا الذين أعيدت جثثهم سراً إلى عائلاتهم لدفنهم بهدوء، فإن الأضرحة الحربية لمقاتلي لواء “فاطميون” تزينها الورود في العاصمة الإيرانية.
ولكن بعيداً من إثارة الثناء المُوحَّد من الرأي العام الإيراني، فإن التدفق المستمر للميليشيات الإيرانية بالوكالة إلى عمق إيران في الأسابيع الأخيرة قد أثار ردود فعل عنيفة. ومع استمرار الإحتجاجات على الصعوبات الإقتصادية في العام 2018 في شرق إيران في أذهان العديد من الناس، يشعر البعض بالقلق من أن عودة الوكلاء الإيرانيين إلى الجبهة الداخلية قد تشير إلى عدم إرتياح طهران بشأن الإحتمال المتزايد لتغيير النظام.
تتصاعد التوترات السياسية بين المُتشدّدين المؤيدين للنظام العازمين على تحدّي الولايات المتحدة وجمهورٍ إيراني يرزح تحت ضغط حروب الثقافة المحلية التي لا تنتهي – حيث يحاول رجال الدين المحافظون الحدّ من أي نفوذ غربي أو قطعه تماماً – وعقوبات إقتصادية مفروضة هي الأشد على الإطلاق. إلتجأ الإيرانيون في المناطق المتضررة من الفيضانات في البلاد والمثقفون الإيرانيون المنشقون إلى تويتر (Twitter) و”فايسبوك” (Facebook) للتنفيس عن إحباطاتهم. إنهم يشكّون في أن دعوة السلطات إلى تعزيزات من الوكلاء في الخارج تهدف إلى تهدئة الإضطرابات المُحتملة في إيران بسبب إستجابة الحكومة غير الكافية للأزمات المتصاعدة المتعددة.
في هذه الأثناء، أثارت عودة مقاتلي لواء “فاطميون” إلى أفغانستان، وخصوصاً إلى القرى الواقعة في غرب البلاد بالقرب من الحدود الإيرانية، مخاوف بشأن الدور الذي قد يلعبونه إذا وقّعت الولايات المتحدة صفقة مع طالبان تسحب بموجبها المزيد من القوات الأميركية خارج البلد. في العام 2017، إرتفعت المخاوف بشأن شائعات بأن أعضاء من لواء “فاطميون” في مقاطعة “ساري بول” الشمالية الغربية يخططون لمهاجمة مقاتلي “الدولة الإسلامية” وحركة طالبان الذين يُعتقد أنهم مسؤولون عن مذبحة أكثر من 35 من أفراد الهزارة العرقية في قرية “ميرزا أولانغ” في وقت سابق من تلك السنة.
لا يتفق رعاة السلطة الرسميون وغير الرسميين في أفغانستان على ما إذا كان هؤلاء العائدون يُشكّلون أمراً جيداً أو شيئاً سيئاً. فمن ناحية، قامت قوات الأمن الحكومية الأفغانية بمطاردة مقاتلي لواء “فاطميون” السابقين، مدفوعين بمخاوف من احتمال ظهورهم كمصدر آخر لعدم الإستقرار. من ناحية أخرى، بالنسبة إلى النخب الشيعية الأفغانية خارج الحكومة التي تتطلع إلى الدفاع عن مصالحها، قد يكون من المفيد لها فرصة وجود قدامى المحاربين المتشددين من ساحات القتال السورية لمحاربة طالبان أو تنظيم “الدولة الإسلامية” أو الفصائل الجهادية السنية الأخرى في المرحلة التالية من حرب أفغانستان الطويلة الأمد.
خذ قضية محمد محقق، وهو من الهزارة الأفغان ذوي النفوذ الذي قاد قواته ذات يوم ضد السوفيات وهو الآن يترشح لمنصب نائب الرئيس إلى جانب مرشح الرئاسة ووزير الداخلية السابق حنيف أتمار ضد الرئيس أشرف غني أحمدزي في الإنتخابات المقررة في أيلول (سبتمبر). وقال محقق إنه يجب ترك مقاتلي لواء “فاطميون” مُستعدّين على أجهزتهم الخاصة. وعلى الرغم من أنه كان أحد المستفيدين السابقين من فيلق الحرس الثوري الإيراني خلال تسعينات القرن الفائت وقاتل بالوكالة سابقاً لصالحه، فإن محق لا يتطرق إلى ذلك مطلقاً. وإذا كان التاريخ الأفغاني هو أي دليل، فليس من الصعب تخيّل كيف يمكن أن تكون الإشارة إلى الحياد بشأن مصير لواء “فاطميون” مفيدة لأي شخص يتطلع إلى حمل السلاح في أفغانستان في المستقبل.
قد لا يكون المقاتلون من لواء “فاطميون” العائدون إلى إيران التهديد الأكثر خطورة على الإستقرار في المنطقة، وإشاعات التمرد داخل صفوفهم خلال حملتهم في سوريا تُشير إلى أنهم ليسوا منضبطين أو مُوَحَّدين بشكل خاص كما أشار البعض. لكنهم أظهروا بالتأكيد قدرتهم على القتال والصمود والبقاء. وكان الزعيم الراحل المؤسس للميليشيا، علي رضا توسلي (المعروف بأبو حامد)، عزز مجموعة المهاجرين الأفغان للقتال في سوريا في العام 2012 من فلول القوات التي قاتلت في الحرب العراقية -الإيرانية في ثمانينات القرن الفائت. الآن، يجد مقاتلوه أنفسهم مرة أخرى في خضم المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة وإيران والتي أثارت إحتمال حرب أخرى في منطقة الخليج.
بينما يناقش الكونغرس الأميركي مصداقية إدعاءات البيت الأبيض بوجود تهديد وشيك لمصالح الولايات المتحدة من الوكلاء الإيرانيين، فإنه سيكون من الجيد للمُشرّعين ومسؤولي الإدارة في واشنطن أن يأخذوا في الإعتبار قرار “فيلق القدس” باستدعاء الوكلاء وإعادة توجيههم مثل لواء “فاطميون”. من المؤكد أن مهمتهم المُعاد تغييرها تشير إلى أن تغيير النظام في إيران لن يكون رخيصاً أو سهلاً، بل يُمكن أن تكون له آثار غير متوقعة على استراتيجية الخروج االفوضوي الأميركي في أفغانستان.

• كانديس روندو خبيرة دولية قامت بتوثيق وتحليل العنف السياسي في جنوب آسيا وحول العالم لصالح صحيفة “واشنطن بوست” و”مجموعة الأزمات الدولية” (International Crisis Group) والمفتش العام الأميركي الخاص لأفغانستان ومعهد السلام الأميركي ومجموعة من المنشورات الدولية. وهي زميلة كبيرة وأستاذة ممارسة في “مركز مستقبل الحرب” (Center on the Future of War)، وهي مبادرة مشتركة بين منظمة “أميركا الجديدة” وجامعة ولاية أريزونا.
• كُتب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى