سيناريوهات ما بعد “ورشة البحرين”… إلى أين تتجه “صفقة القرن”؟

بقلم فادي أبو بكر*

كشف البيت الأبيض في بيان له يوم الأحد الموافق 19 أيار (مايو) 2019 أن الإدارة الأميركية ستطرح جزءاً من خطة السلام الأميركية في الشرق الأوسط “صفقة القرن”، خلال ورشة إقتصادية دولية ستُعقَد في البحرين، يومي 25 و26 حزيران (يونيو) المقبل، حيث تهدف الورشة إلى “حشد الدعم للإستثمارات الإقتصادية المحتملة” التي يُمكن أن يوفّرها إتفاق سلام في الشرق الأوسط. ولفتت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية إلى أن الهدف الرئيس من وراء هذه الورشة هو تحصيل 68 مليار دولار لتمويل “صفقة القرن”، حيث أن هذه المبالغ ستُقدَّم إلى الفلسطينيين ومصر والأردن ولبنان، لإنجاز الصفقة.
تُعتبر البحرين إحدى الدول الأكثر حرية إقتصادياً في منطقة الشرق الأوسط، ولديها إقتصاد مفتوح ما يجعل اختيارها لهذا الغرض ليس عبثياً، وإنما لإنجاز الشق الإقتصادي من “صفقة القرن”، باعتباره الشق الأهم في نظر إدارة دونالد ترامب. من جهةٍ أخرى فإن حفلة جمع الأموال هذه تقودنا إلى افتراض إستنتاجي مفاده أن قضية رواتب الأسرى والشهداء، وما ترتب عليها من هجمة أميركية على السلطة الفلسطينية لم يكن مرجعها عقائدياً كما هو بالنسبة إلى الكيان الإسرائيلي، وإنما مجرد تكتيك أميركي هدفه إجبار الفلسطينيين على التضحية والقبول بمبادىء صفقة القرن.
ما بين التكتيكي الأميركي والعقائدي الإسرائيلي، يُمكن الزعم بوجود سيناريوهين مختلفين؛ الأول أميركي والآخر إسرائيلي ما بعد ورشة “صفقة القرن” المُزمع عقدها في البحرين، كما يردان أدناه:
السيناريو الأميركي: يتمثل هذا السيناريو بنجاح الولايات المتحدة في استجلاب الدعم المالي العربي، وتحديداً الخليجي لتمويل الشق الاقتصادي لصفقة القرن. وسيكون نجاح هذا السيناريو ضربة قاسية لكل الجهود المواجهة لصفقة القرن، حيث ترى الإدارة الاميركية بأن الدعم الإقتصادي قد يوسع من دائرة التصارع والخلاف في داخل البيت الفلسطيني، حتى يصل الأمر في نهاية المطاف إلى القبول بصفقة القرن ومزاياها الاقتصادية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأردن ومصر ولبنان، حيث أن هذه الصفقة بنظر إدارة ترامب فرصة لتخلص تلك الدول من المآزق الاقتصادية التي تمرّ بها.
السيناريو الإسرائيلي: في نظر الإسرائيليين، فإن المكسب الأكبر من “صفقة القرن” هو تمكين الكيان الإسرائيلي من ضم المناطق المسماة “ج”، التي تمثل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية، وما تضمّه من تجمّعات استيطانية كبرى ومستوطنات متفرقة. ويراهن الكيان الإسرائيلي على أن هذه الخطوة يرافقها تدهور الأوضاع الاقتصادية في الضفة وتهاوي الآمال السياسية للجمهور الفلسطيني، سيخلق نكبة فلسطينية جديدة بيضاء (نكبة بلا دماء)، ينزح فيها عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى الأردن والإقامة فيه. وأن ذلك سيودي في نهاية المطاف إلى موافقة الأردن على فكرة “الكونفيدرالية”، وهو ما يعني مباركة أردنية لعملية الضم وتسويغ لها. وإن لم يتم ذلك، فإن “النكبة البيضاء” ستكون حجر الأساس للإنطلاق نحو تكريس الأردن كالدولة الفلسطينية.
سيناريوهان هما الأسوأ والأمرّ يواجههما المشروع الوطني الفلسطيني، وتحديات صعبة ستواجه الأردن وقيادته لا تقل خطورة عن تلك التي تواجه الشعب الفلسطيني، تتطلب تحركات سريعة، حيث أن مرور الزمن من شأنه أن يُقلّص هامش المناورة والمواجهة.
ما زال في جعبة العرب الكثير من الأوراق القوية، في حال توظيفها، على درء مخاطر “صفقة القرن” عن المنطقة كلها، وبلا شك فإن الكيان الإسرائيلي يعي طابع وخطورة الأوراق الإستراتيجية التي يملكها كل من الأردن ومصر ولبنان، والتي بإمكانها تحويل مخاطر إستراتيجية إلى وجودية، وليس أقلها الحدود الطويلة المشتركة مع فلسطين. حيث أن أي تحوّل على توجهات تلك الدول الإقليمية، أو الأمنية، أو غيرها يُمكنه أن يستنزف “إسرائيل” حتى من دون أي جهد حربي، وذلك ليس مجرد توقع وإنما هو هاجس يسود النخب الإسرائيلية.

• فادي أبو بكر، كاتب وباحث فلسطيني. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: fadiabubaker@hotmail.com
• الآراء الواردة في المقال تُعبّر عن آراء كاتبه وليس بالضرورة آراء “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى