تونس: نحو انكماش إقتصادي بخطى مسرعة

بقلم عبد اللطيف الفراتي*

عندما كانت الحكومة، خلال مناقشة الموازنة العامة في أواخر العام المُنقَضي، تُبشّر بالعودة إلى نسبةِ نموٍّ مُتحسّنة، تقطع مع الوضع السابق السيّىء، بحوالي 2.8 في المئة، لم يُصدّق كثيرون هذه التوقعات، فالأفق لم يكن يُبشّر بذلك. وعلى هذا الأساس كانت الحكومة سخيّة في صرف زيادات للقطاعين العام والخاص والوظيفة العمومية بعد تمنّع وتحمّل حالة إضراب عام، رغم تحذيرات صندوق النقد الدولي بعدم نقض الوعود المقطوعة لعدم زيادات الأجور، وعلاج قطاع الدعم والهدر المصاحب لذلك. ولأن الحكومة نكصت بتعهداتها فإن الصندوق فكّر طويلاً قبل أن يقبل وبإلحاح تونسي كبير، أن يصرف قسطاً آخر من القرض الموعود، مفتاح الحصول على قروض أخرى من جهات دولية.
كان القول الحكومي إن البلاد خرجت من عنق الزجاجة، وهي على طريق سالك للنمو، وكانت اللهجة تبدو متفائلة. غير أن آراء خبراء مِمَن أثق بهم وتقارير البنك المركزي لم تكن متفائلة، وبقيت بين بين. وإذ لم يكن صندوق النقد الدولي بمثل هذه النظرة التفاؤلية، فإن خبراءه كانوا يُروّجون لنسبة نمو ضعيفة، ولكن غير حادة كما رأينا لاحقاً. شخصياً، وبعد كل هذا كنت أنتظر نسبة نمو للثلاثية الأولى بحوالي 2 في المئة، أما أن يبرز نائج تلك الثلاثية نسبة نمو لا تتجاوز 1.1 في المئة، فإنها كانت كجلمود صخر حطّ علينا من علِ، على رأي الشاعر الجاهلي امرؤ القيس.
نسبة النمو متدنية لهذا الحد، ما تعني للذين لا يدركون، تعني إستثمارات أقل، وتوفير فرص عمل أقل، ودخول المرحلة التي تسبق الإنكماش أو الركود الإقتصادي.
لست غراب البين لأبني على الشاؤم تشاؤماً أكبر، ولكني أعرف والكثيرون يعرفون، أننا في أزمة حادة، وأن الوعود الواعدة بقرب الخروج من عنق الزجاحة لم تكن في محلها. وأن العام 2020 لن يشهد العودة إلى نسق نمو قريب من الطبيعي، والطبيعي في نظري شخصياً وباعتبار إمكاناتنا الكامنة هو ما بين 5 و7 في المئة، كما في مصر وكما في أثيوبيا من دون الحديث عن رواندا التي تحقق نسب نمو برقمين أي أكثر من 10 في المئة ، أو حتى السنغال أو ساحل العاج ،حيث أخذت الإصلاحات تؤتي أكلها، ونسب النمو العالية تُمكِّن من توفير إستثمارات كافية ومنتجة مباشرة، وبالتالي احتواء البطالة، والحد من آثارها المدمرة، فاليد العاملة العاطلة لا تنتج، وهي بطبيعة الحال مُستهلِكة.
السؤال هو كيف سيكون المستقبل، في ظل إكراهات كثيرة، منها الإرتفاع المُرتقَب في أسعار البترول في السوق الدولية في ظل التطورات والأحداث الأخيرة؟ والآثار المدمرة لانهيار الدينار؟ الذي من المفروض إن يُقلّص التوريد، ويعطي دفعة للتصدير، ولكن ماذا نصدّر والمواد غير الفلاحية من زيت زيتون وتمور وحمضيات وأسماك تتأرجح بين الاستقرار والتراجع فيما التوريد يواصل نسق بلاد غنية؟ وحتى الخدمات ليست في أحسن أحوالها، ونقص السيولة، وكف البنوك عن تمويل القروض الإستهلاكية، خصوصاً بعد نضوب السيولة عندنا لسحوبات الدولة التي استدارت للسوق المالية المحلية فتحلبها حتى يتحول حليبها إلى دم الحياة، تراحع الاستهلاك يُهدد أحد روافع النمو والرافعة الوحيدة الباقية أي الإستهلاك ، وإن كنا لا نستهلك ما ننت ، دليل ذلك انخرام توازن الميزان التجاري الذي يزداذ ثلاثية بعد ثلاثية ولم ينفع معه علاج، بعكس كل ما قيل فإن الوضع الاقتصادي يزداد سوءاً، كما التوازنات المالية المنخرمة.
وكل الأمل أن لا تكون نسبة 1.1 في المئة هي قدرنا المقبل، هذا إذا لم نصل إلى ما وصلته تركيا من انكماش ثلاثية بعد ثلاثية، وهي الحالة التي وصلناها سنة 2011، والتي يصعب الخروج منها.
أما الأمل في عودة المواطنين للجهد والعمل فقد أُصبنا باليأس منها. في انتظار أن نواجه أياماً أصعب تبدو الأوضاع الحالية لا شيء أمامها.

• عبد اللطيف الفراتي كاتب وصحافي تونسي مخضرم، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الصباح” التونسية ومراسلاً لصحف ومجلات عربية عدة. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: fouratiab@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى