هل يتحوّل شمال سوريا إلى مستنقع وورطة لتركيا؟

بينما تستعد تركيا للتحرك شرقاً في سوريا، يعتقد عدد من الخبراء بأن أنقرة ستواجه عدداً متزايداً من التحديات والصعوبات التي قد تؤرقها كثيراً.

قوات سوريا الديموقراطية: توسع تركيا الجديد يستهدفها

بقلم مُهنَّد الحاج علي*

تستعد تركيا لتوسيع “منطقتها الآمنة” في شمال سوريا باتجاه المناطق شرقاً التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديموقراطية” التي يُهيمن عليها الأكراد. مع هذا الهدف في الأفق، ستسعى أنقرة إلى احتواء الأكراد المُرتبطين ب”حزب العمال الكردستاني”، الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية تقاتل تحت راية “قوات سوريا الديموقراطية”.
والواقع أن تركيا تتوقع كثيراً وتأمل كبيراً. في الآونة الأخيرة، إدّعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن هذا التوسّع سيسمح بعودة أربعة ملايين لاجئ سوري يقيمون حالياً في بلاده. ومع ذلك، فإن مثل هذه العودة السريعة غير مُرَجَّحة في ضوء التحديات الأمنية في المنطقة التي تسيطر عليها تركيا. إن الفشل في الوفاء بوعوده قد يُكلّف أردوغان سياسياً، حيث واجه الزعيم التركي أخيراً معارضة سياسية محلية أكثر تنظيماً.
بمجرد حدوث ذلك، فإن التحرك شرقاً سيُمثّل التوسع العسكري الثالث لتركيا داخل سوريا – بعد عملية درع الفرات التي بدأت في آب (أغسطس) 2016 وعملية فرع الزيتون التي بدأت في كانون الثاني (يناير) 2018. إن توسيع المناطق الخاضعة للسيطرة العسكرية التركية أصبح الآن سياسة أنقرة الرسمية . لقد تابعت تركيا ذلك من خلال سلسلة من التفاهمات مع روسيا من جهة والولايات المتحدة من ناحية أخرى. بالنسبة إلى روسيا والنظام السوري، فقد إتّسم التقدم التركي بتبادل الأراضي. بدأت هذه العملية بعملية غصن الزيتون، عندما كان استيلاء تركيا على عفرين مصحوباً بتقدم عسكري سوري نحو خط سكة حديد الحجاز السابق في محافظة حلب. لكن هذه المقايضات لم تُقدّم أو تتضمن أي إجراء لعمليات الإنسحاب، بحيث تُرِك كل جانب في ساحة المعركة الخاصة به.
الآن، يبدو أن مثل هذا الترتيب يجري تكراره. توسّعٌ تقوده تركيا في منبج وتل رفعت سيقابله إقتحام قوات النظام المدعومة من روسيا المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في محافظتي حماه وحلب. لم يتم الكشف عن التفاصيل. ومع ذلك، فقد نقلت صحيفة “الغارديان” البريطانية عن “ديبلوماسيين كبار” أشاروا إلى مثل هذه المقايضة، والتي ستشهد “حملة محدودة تمنح القوات الروسية والسورية موطئ قدم في إدلب، في مقابل السماح لتركيا بتعميق منطقة سيطرتها الحالية إلى أبعد في الشرق”.
إن توسيع المنطقة التركية شيء، لكن الحفاظ عليها آمنة شيء آخر. هناك تحدّيان رئيسان للإستقرار في المنطقة التي يسيطر عليها الأتراك. الأول هو الإنقسامات الداخلية والعنف بين الجماعات المتشددة المختلفة. وغالباً ما يكون ذلك نتيجة لمجيئهم من مناطق مختلفة الأصل أو التنافس القبلي أو التنافس على الموارد. لقد تحوّلت منطقة درع الفرات، التي تبلغ مساحتها حوالي 2000 كيلومتر مربع، إلى بوتقة تنصهر فيها المجتمعات المحلية من حمص ودمشق وحلب، من بين أماكن أخرى، حيث أن الغالبية العظمى من سكان المنطقة يتألفون من اللاجئين. ويعيش هؤلاء في تجمعات طائفية، وغالباً ما يكون ذلك تحت حماية الجماعات المسلحة التي فرّ أفرادها معهم. وكثيراً ما تصطدم هذه المجموعات مع مجموعات أخرى.
إن التفجيرات ومعارك إطلاق النار تتكّرر في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية، والتي تضم مجموعة متنوعة من المجتمعات التركمانية والعربية والكردية. تحت مظلة ما يسمى “الجيش الوطني السوري”، تحاول السلطات التركية منذ العام ونصف العام بناء قوة أكثر تماسكاً واحتواء العدد الكبير من الميليشيات العاملة في المنطقة. مع ذلك، يُمكن أن تتصاعد انقساماتهم في أي وقت إلى صراع طائفي أوسع. وقد حدث ذلك في كانون الثاني (يناير) الفائت، عندما قام أعضاء من “أحرار الشرقية”، وهي جماعة متشددة ينحدر أعضاؤها من دير الزور، بقتل تاجر دمشقي. وسرعان ما أدى ذلك إلى قتال بين الجماعة و”جيش الإسلام”، الذي ادّعى في عفرين أنه حامٍ للاجئين من منطقة دمشق. هذه الفوضى تَحرُم أنقرة من الأدوات اللازمة لتنفيذ استراتيجية أمنية متماسكة في المنطقة، والتي تُرافق جهودها لتوفير الخدمات وإطار اقتصادي للمناطق الخاضعة لسيطرتها.
التحدي الثاني هو التمرّد المتزايد في المنطقة، خصوصاً في المناطق الكردية. فقد شن المتمردون الأكراد، الذين يعملون في الغالب باسم “حركة حرية عفرين”، هجمات ضد القوات التركية المنتشرة في المناطق الكردية. وفي وقت سابق من هذا الشهر هاجموا مركبة عسكرية تركية، مما أسفر عن مقتل جندي وإصابة خمسة آخرين. هذه الهجمات أصبحت متكررة. ومما يزيد من مشكلة تركيا عدم وجود تنظيم بين الميليشيات الموالية لتركيا، التي غالباً ما ترد على الهجمات باستهداف المدنيين الأكراد، مما يزيد من تنفير السكان.
بالتوازي مع جهودها العسكرية، إتبعت تركيا سياسة ثقافية واقتصادية شمولية، مما زاد من تتريك المنطقة. يتم تدريس اللغة التركية الآن في المدارس، إلى جانب اللغتين العربية والإنكليزية، بينما تم فتح فروع للبريد التركي ومستشفيات تركية يعمل فيها أطباء أتراك في كثير من الأحيان، في جميع أنحاء المنطقة. وهذا ما يؤكد إلتزام أنقرة الطويل الأجل بالحفاظ على وجودها في شمال سوريا.
بينما تستعد تركيا لتوسيع “منطقتها الآمنة” مرة أخرى، ستظهر على الأرجح تحديات جديدة، ولكن ليس بسبب الأكراد فقط. قد يؤدي الفراغ الأمني والفوضى في المنطقة إلى خلق فرص للجهات الفاعلة الأخرى – من النظام السوري إلى الجماعات الجهادية – التي تُحذّر بشكل متزايد من السياسات التركية في سوريا وتفاهمات أنقرة مع روسيا والولايات المتحدة.

• مهنّد الحاج علي مدير الإتصالات والإعلام وباحث مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى