نبيه برّي يُصْدِرُ رقيماً وطنياً!

بقلم الدكتور جورج كلاس*

بلاغةُ نَعيِ رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي للبطريرك مار نصرالله بطرس صفير، توجِزُ صٍدقيَّةَ العلاقةِ التي كانت بينَ المرجِعَين الكبيرين .
ما قاله نبيهُ لبنان في بطرك لبنان، هو بحقٍّ، وثيقةٌ وطنيةٌ حِواريّةٌ وروحيَّةٌ، لا تقلُّ قيمتُها عن وثيقةِ “الأُخوَّة الإنسانية” التي وقّعها البابا فرنسيس وشيخُ الأزهرِ/ الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيّب في دولة الإمارات.
بلاغُةُ دولتُهِ ، تُذَكِّرنا بالأدباءِ واللغويينَ اللبنانيينَ الكبار. ومَضامينُ كلمتِهِ، تُرُدّنا الى فَنِّ الصياغاتِ النَحَويّةِ التي كان غبطتُهُ يستخدمها في إنشائيّاتِ “الرقيمِ البطريركي”، الذي يُتلى في دَفْنَةِ الكِبار.
نعم…ان كلامَ الرئيس برّي في نعي البطريرك صفير هو “رَقيمٌ وطنيٌ”، كتبَتْهُ مرجعيَّةٌ وطنيَّةٌ كبيرةٌ في رحيلِ مرجَعيّةٍ روحيّةٍ كبيرَةٍ.
وجدانيَّةٌ وطنيّةٌ، للحِفْظ عنْ عُمْقِ قلبٍ و سِعَةِ عَقْلٍ.
إنها العقلانّيّةُ السياسيّةُ التي تطبعُ كلامَ دولتُهِ…
هنا لبنان…إنَّهُ لبنَان..!
***********
ماذا جاء في رسالة نعي الرئيس برّي للبطريرك صفير التي كان عنوانها: “عاش من أجل لبنان ومات ليحيا لبنان”؟
لفت بري في رسالة النعي، إلى أنّ “فجر الأحد، شدّ البطريرك صفير قوس روحه وأطلقها عن عمر مديد في حراسة لبنان وخدمة الكنيسة والرعية. وكما كانت الولادة في أيار كان الرحيل كذلك. ربيعي الولادة، ربيعي الرحيل، كثير اللبنان كثير الكنيسة فالأمل والرجاء”.
ونوّه دولته بأنّ “مثله كمثل الإمام موسى الصدر، مثّل فكرة القيادة الشعبيّة والوطنيّة السياسيّة والدينيّة، عمِل من أجل الوطن الفكرة والرسالة: الإنسان. جسّد مشروع التعايش الوطني بين الطوائف والمذاهب والفئات والجهات والشركة الوطنية”، مركّزًا على أنّه “خير خلف لخير سلف البطريرك أنطونيوس خريش الّذي سعى لأجل لبنان من عين إبل، وان تذكرت بقوة فهو -البطريرك صفير- أحد الأقطاب الروحيين الثلاثة الدوليّين والعرب واللبنانيّين الّذي حرص دائمًا على سلام لبنان واستقراره فغطّى “اتفاق الطائف” ومصالحة الجبل”.
وشدّد بري على أنّ “اليوم، يخسر لبنان إحدى بركاته ونعمه وعيونه الحارسة، بل أرزاته السامقة الّتي بقيت تتحدّى الريح والأنواء طوال سنوات طويلة. اليوم، يطوي أحد المشائين في بكركي ووادي قنوبين شراع سفينته ويغادر الميناء وقد كان لا يغادرنا خوفاً علينا من أن نضحي بلبنان من أجل أنفسنا، لا أن نضحّي بأنفسنا من أجل لبنان”.
وأوضح أنّ “اليوم، تترك وصيتك فينا: لبنان. لبنان الأنموذج للحرية، للكلمة المعبرة عن انّنا في هذا الشرق صوت الحق والنور مهما كان الخلاف الذي لا يفسد في الود قضية! هل انّ اللبنان قضية؟ هو كذلك. أردناه كما أنت وطناً نهائياً له حدوده السيادية البرية والبحرية والجوية ودائماً لم تكن تريد أن ينتهكها أحد… تريد للبحر أن يتلاشى عند اقدام بره وللهواء ان يخفق بالنسيم”.
كما ذكر أنّ “اليوم، أيها الراحل الكبير أيها السيد البطريرك الكاردينال، أيّها الراعي الذي كنت مسؤولاً عن رعيته تغادرنا وأنت تترك فينا في صرحك وفي جمهوريتنا هذا اللبنان أمانة للغد المقبل، للشرق، للعالم وللانسان الذي هو ثروة لبنان.
أخيراً من آمن بي وإن مات فسيحيا… إنّا لله وإنّا اليه راجعون”.

• أكاديمي وباحث لبناني، كان عميداً لكلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. يُمكن متابعته على: www.facebook.com/Georges.Michael.Kallas

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى