هل يؤدي تعاون السعودية مع الصين في مجال الطاقة المُتجدّدة إلى إغضاب واشنطن؟

على الرغم من أن تعاون المملكة العربية السعودية مع الصين يمكن أن يساعدها على تعزيز إنتاجها للطاقة الشمسية، إلّا أن الديناميات التجارية العالمية قد تتسبب بوضع عراقيل أمام الأهداف السعودية في قطاع الطاقة المتجددة.

وزير الطاقة السعودي خالد الفالح: المملكة تسعى إلى قدرة إنتاج 60 جيغاواط من الطاقة المتجددة

يقلم يورغن برونستاين وأوليفر ماكفرسون سميث*

أشرف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في إطار جولة بارزة قام بها إلى الصين في شباط (فبراير) الفائت، على إبرام مجموعة من التعهدات ومذكرات التفاهم مع بكين بقيمة مليارات الدولارات. تعكس هذه الخطوة جزئياً رغبة الرياض في تنويع مصادر الإستثمارات والتكنولوجيا في أعقاب الإنسحاب الواسع لكبار قادة الأعمال الغربيين من مبادرة مستقبل الإستثمار في تشرين الأول (أكتوبر) 2018، بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في السفارة السعودية في اسطنبول. لكن من شأن التعاون مع الصين في قطاع الطاقة المتجددة، في حال تكلّل بالنجاح، أن يقطع خطوة أولى مهمة نحو تحقيق التطلعات السعودية الكبيرة في مجالَي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
تأتي مذكرات التفاهم في أعقاب تأكيد وزير الطاقة السعودي خالد الفالح في كانون الثاني (يناير) الفائت بأن المملكة تسعى إلى تطوير القدرة على إنتاج 60 جيغاواط من الطاقة المتجددة خلال العقد المقبل. من شأن هذه الخطط أن تؤدّي إلى زيادة القدرة الإنتاجية للطاقة الشمسية في مجلس التعاون الخليجي بمعدل عشرة أضعاف. غير أن الديناميات التجارية العالمية والتقلبات المتأصّلة في سوق الطاقة الشمسية قد تتتسبب بوضع تعقيدات وعراقيل أمام الأهداف السعودية.
تأمل الرياض بأن يساهم تطوير صناعة جديدة في استحداث وظائف للمواطنين السعوديين. ويُبدي صنّاع السياسات في البلاد قلقهم من أن البطالة المرتفعة في صفوف الشباب – التي تبلغ نسبتها 35 في المئة في أوساط طالبي العمل الذين تتراوح أعمارهم من 15 إلى 24 عاماً، والتي يمكن أن تتخطى 42 في المئة بحلول العام 2030 – قد تتحوّل مصدراً أساسياً لعدم الاستقرار. والجدير بالإشارة هنا أن تعزيز فرص العمل، لا سيما في القطاع الخاص، هو هدفٌ أساسي من أهداف “رؤية 2030” التي تسعى إلى إجراء إعادة تكوين أساسية لاقتصاد المملكة ومجتمعها. وفي إطار عملية الإصلاح، تسعى “رؤية 2030” أيضاً إلى تحسين البيئة المحلية للأعمال، وتوطين قطاع التصنيع العسكري المحلي، وإنعاش مخططات المدن الصناعية.
وتأمل السعودية، باعتبارها من أكبر مستهلكي الوقود الأحفوري في العالم، باستخدام البرامج الكبرى لتوسيع مصادر الطاقة المتجددة بغية تلبية الطلب المحلي. ففي أشهر الصيف، تحرق السعودية نحو 700 ألف برميل نفط في اليوم فقط لتوليد التيار الكهربائي، لا سيما لأغراض التكييف الهوائي وتحلية المياه، وهذه الكمية تُشكّل نحو خُمس مجموع الاستهلاك النفطي اليومي في السعودية – بعد المواصلات وقطاع البتروكيماويات والتكرير – إنما يُتوقَّع أن تزداد هذه الحصة مع النمو في أعداد السكان. ومن شأن تأمين مصادر بديلة للطاقة تُستخدَم في الاستهلاك المحلي أن يساهم أيضاً في تحرير كميات إضافية من النفط والغاز لتصديرها. وفيما يتراوح سعر برميل النفط من 50 إلى 70 دولاراً أميركياً، يمكن تحقيق إيرادات تتراوح من 13 إلى 18 مليار دولار في السنة من خلال تصدير براميل النفط الـ700,000 التي تُستخدَم يومياً في توليد التيار الكهربائي.
تتميز السعودية بوفرة الأراضي وأشعة الشمس، لذلك تتمتع بأفضلية جغرافية بما يتيح لها توليد الطاقة الشمسية على نطاق واسع. وفقاً لتقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في العام 2016، من شأن تطوير الطاقة الشمسية في نسبة لا تتعدّى واحد في المئة من المناطق الملائمة في بلدان مجلس التعاون الخليجي أن يُتيح القدرة على توليد 470 جيغاواطاً من الطاقة الفوتوفلطية فضلاً عن استحداث أكثر من 100,000 وظيفة. وفي السعودية تحديداً، أشار التقرير إلى أن ذلك سيؤدّي إلى خفض استعمال النفط والغاز في توليد التيار الكهربائي بنسبة 25 في المئة.
من شأن اعتماد الطاقة المتجددة على نطاق واسع أن يتيح للسعودية تحرير قدرتها الاحتياطية في الإنتاج النفطي، والتي أبقت عليها عادةً بين 1.5 و2 مليون برميل. ويمنحها ذلك نفوذاً جيوسياسياً أكبر بما يتيح لها التأثير في أسعار النفط عبر زيادة الصادرات أو خفضها. علاوةً على ذلك، الاستثمارات في الطاقة المتجددة عاملٌ محوري كي تتمكّن البلاد من استيفاء الالتزامات التي قطعتها في باريس بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في العام 2015. فقد أشارت السعودية إلى أنه بإمكانها، من خلال الاستثمارات في الطاقة المتجددة، خفض انبعاثاتها من ثاني أوكسيد الكربون بواقع 130 مليون طن بحلول العام 2030. إنه هدفٌ طموح، لا سيما وأن انبعاثات المملكة من ثاني أوكسيد الكربون ازدادت بمعدل 4.7 في المئة في السنة بين العامَين 2007 و2017، من 392.5 مليون طن في العام 2007 إلى 594.7 مليون طن في العام 2017. وبالمقارنة، عمدت فرنسا، خلال الفترة نفسها، إلى خفض انبعاثاتها بنسبة 1.9 في المئة، أو 44 مليون طن.
كما أن المملكة التي تقع بين المعاقل الاقتصادية الكبرى في أوروبا وآسيا وأفريقيا، قادرة على أداء دور منصّة تصديرية لتكنولوجيا الطاقة الشمسية من أماكن مثل الصين إلى بلدان أخرى في المنطقة تسعى إلى تعزيز قدراتها في هذا المجال. ففي العام 2018، وقّعت شركة “لونجي” الصينية الرائدة في تصنيع الطاقة الفوتوفلطية، اتفاقاً مع مجموعة السيف، وهي شركة تجارية وصناعية كبرى في السعودية، لتشييد بنى تحتية واسعة النطاق لإنتاج الطاقة الشمسية في البلاد.
وعمدت السعودية، في إطار مسعى أوسع نطاقاً لتثبيت نفسها في موقع المركز اللوجستي، إلى ترشيد الإجراءات المتبعة في إنجاز المعاملات والتي كانت معقّدة جداً في السابق، وذلك في سياق “رؤية 2030″، وأنشأت المملكة منطقة إقتصادية خاصة على مقربة من مطار الرياض لتكون بمثابة مركز لاسترداد البضائع وتجميعها وإعادة تصديرها إلى ثلاث قارات. فضلاً عن ذلك، وبدلاً من الإكتفاء بشراء مكوّنات مصنوعة في الخارج وتجميعها في السعودية، من شأن الطلب الداخلي على الطاقة المتجددة أن يساهم في تطوُّر التصنيع المحلي للمنتجات المستخدَمة في إنتاج الطاقة الشمسية. والتزام الرياض بهذه السياسة لاستبدال الإستيراد واضحٌ في “رؤية 2030” التي تدعو إلى توطين التصنيع في مجالَي مشاريع الطاقة المتجددة والمعدات الصناعية على السواء. كذلك، يهدف برنامج تعزيز القيمة المضافة الإجمالية في المملكة (اكتفاء) الذي أطلقته شركة “سعودي أرامكو” في كانون الأول (ديسمبر) 2015، إلى دفع جميع الأعمال والشركات في المملكة – بما في ذلك الشركات العاملة في قطاع الطاقة المتجددة – إلى الإعتماد على المورّدين السعوديين للحصول على ما لا يقل عن 70 في المئة من البضائع والخدمات التي يحتاجون إليها لتسيير عملياتهم بحلول العام 2021.
تتجه السعودية نحو أداء دور ريادي في قطاع الطاقة المتجددة. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنها تدخل السوق العالمية للطاقة الشمسية متأخِّرة، وبالتالي لديها فكرة أوضح عن التكاليف والفوائد. وبإمكانها الإعتماد على تجارب البلدان الأخرى، والإفادة من الأكلاف المتراجِعة للخلايا الفوتوفلطية – بفضل التطورات التي حققتها الصين في هذا المجال. كما أن الغياب النسبي لمصادر الطاقة المتجددة في السعودية يؤشّر إلى أن هناك متسّعاً من المجال أمام تحقيق نمو محفّز للاقتصاد.
إلا أنه لا يُعرَف حتى الآن ما هو حجم الأفضلية النسبية التي تتمتع بها السعودية في إنشاء صناعة جديدة مثل إنتاج مصادر الطاقة المتجددة. من أكبر التحديات التي تواجهها التطلعات السعودية في قطاع الطاقة المتجددة غياب الخبرات التكنولوجية والقوة العاملة المدرَّبة والإمكانات التصنيعية للتنافس على نطاق عالمي.
فضلاً عن ذلك، وما دامت الصين قادرة على إنتاج ألواح رخيصة وتصديرها إلى العالم بأسره، ليست هناك محفزات قوية تدفع بالشركات الصينية إلى نقل عملياتها إلى بلدان أخرى، باستثناء البلدان حيث تعتقد أنه بإمكانها تجنّب التعرفات المرتفعة. ومن شأن توطيد التحالف مع الصين أن يضع أيضاً السعودية في مواجهة مع إدارة ترامب. وفقاً لمكتب الممثل التجاري الأميركي، كان استعداد الشركات الصينية لنقل منشآتها الإنتاجية خارج الأراضي الصينية تجنّباً للتعرفات، القوة المحرِّكة خلف موجة العقوبات الأخيرة في الحرب التجارية التي يخوضها ترامب مع بكين. وعلى الرغم من أن ترامب شدّد على علاقات بلاده الوثيقة مع الرياض، إلا أن الإدارة الأميركية أظهرت استعداداً لفرض سياسات تجارية حمائية حتى على حلفائها السياسيين الأقرب إليها. فعلى سبيل المثال، فرضت إدارة ترامب، في شباط (فبراير) 2018، تعرفة بنسبة 20 في المئة على الغسّالات، بعد توجيه اتهامات إلى المصنّعين الكوريين الجنوبيين بأنهم يُغرقون السوق الأميركية بالغسالات. بالمثل، هدّدت واشنطن برفع التعرفات على واردات السيارات الأوروبية، نظراً إلى أن التعرفة الأميركية وقدرها 2.5 في المئة أقل بكثير من التعرفة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على السيارات الأميركية وقدرها 10 في المئة. والجهود التي تبذلها الرياض لزيادة إمكاناتها في مجال إنتاج الطاقة الشمسية من طريق التعاون مع الصين، قد تدفع بواشنطن إلى توسيع نطاق تطبيق التعرفات الأخيرة ليشمل السعودية.
باستطاعة السعودية التي تمتلك المقوّمات الجغرافية اللازمة أن تهندس تحوّلاً اقتصادياً ناعماً نحو مصادر الطاقة المتجددة، وتحافظ على دورها الأساسي في قطاع الطاقة العالمي. إنما يتعيّن على الرياض أن تمارس فعل توازن دقيقاً في حال استمرت في الاعتماد على الصين من أجل تطوير قطاع الطاقة الشمسية لديها من دون أن تطالها التداعيات الناجمة عن الحرب التجارية الدائرة بين الولايات المتحدة والصين.

• يورغن برونستاين زميل ما بعد الدكتوراه في مشروع جيوبوليتيك الطاقة في كلية كينيدي في جامعة هارفرد. أوليفر ماكفرسون سميث طالب ماجستير في مركز الدراسات الشرق أوسطية في جامعة هارفرد؛ لمتابعته عبر تويتر: O_McPS@
• عُرِّب هذا الموضوع من الإنكليزية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى