الإمارات وتركيا: أزمة غريبة غامضة النتائج

تشير جميع المؤشرات الحالية إلى أن العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وتركيا تتجه من سيىء إلى أسوأ، وبقول بعض المطلعين أن عملية القبض على شابين من الإمارات وتوجيه التهم “الكيدية” لهم بالتجسس لصالح أبو ظبي، ستنعكس على كافة المسارات السياسية والإقتصادية والأمنية.

الشيخ تميم آل ثاني: تقاربه مع تركيا أغضب أبو ظبي

بقلم بيرول باسكان*

في 19 نيسان (إبريل) الفائت، ألقت تركيا القبض على شابين إتّهمتهما بالتجسس لصالح دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو الحادث الأخير الذي فاقم الأزمة في العلاقات السيئة أصلاً بين البلدين. من غير الواضح ما حدث بالضبط، لكن هناك بعض المُنشقين الإماراتيين (من الإسلاميين) يعيشون في تركيا، وربما حاولت أبو ظبي تتبع أنشطتهم. هذا الإتهام ليس في حدّ ذاته مؤِذياً جداً؛ في الواقع، يتم إتهام تركيا في كثير من الأحيان بالتجسس على مواطنيها في البلدان الأخرى. والأخطر من ذلك، أن أنقرة قد اتهمت أحد المشتبه بهما بالتورط في مقتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في أوائل تشرين الأول (أكتوبر) 2018. وإذا ثبت ذلك، فإن هذا الإتهام قد يربط الإمارات بقتل خاشقجي ويُمكن أن يشوّه صورتها الدولية. لقد أخذت القضية منعطفاً آخر في 28 نيسان (إبريل)، عندما تم العثور على أحد المشتبه بهما، زكي يوسف حسن، ميتاً في زنزانته. وتزعم السلطات التركية أنه انتحر، لكن أسرة حسن تنفي ذلك نفياً قاطعاً. ومهما تكن نتائج التحقيق في هذه القضية، فهي بالتأكيد لن تساعد على حل المسار الهبوطي للعلاقات التركية – الإماراتية، التي أصبحت أسوأ بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة.

العلاقات تأخذ منعطفاً نحو الأسوأ

كما يوضّح هذا الحادث الأخير، تستمر العلاقات الثنائية في التدهور، ولا يبدو أن أياً من الطرفين مُهتمٌّ بتحسينها. ومع ذلك، فإن هذا التحوّل السلبي في العلاقات التركية – الإماراتية ليس سوى تطور حديث. لقد حافظ البلدان على علاقات قوية حتى العام 2010: إحتلت دولة الإمارات المرتبة الأولى بين الشركاء التجاريين لتركيا في العالم العربي وكانت مصدراً رئيسياً للإستثمار الأجنبي المباشر. لم يكن لدولة الإمارات ماضٍ عثماني، على عكس العديد من الدول العربية الأخرى، وبالتالي لم تكن هناك ذاكرة تاريخية مأسوية لديها حول الأتراك. لم يكن نشاط أنقرة الديبلوماسي المتزايد في الشرق الأوسط منذ بداية الألفية الثانية مصدر قلق بالنسبة إلى أبو ظبي كما كان الأمر بالنسبة إلى القوى الكبرى في المنطقة، مثل إيران والسعودية ومصر. ربما تكون الإمارات إستمتعت بفكرة أن تركيا أكثر نشاطاً يُمكنها أن توازن جيرانها الأكبر وبالتالي توفر لدولة الإمارات مزيداً من المجال الديبلوماسي للمناورة.
ولكن، بحلول العام 2010 تم زرع بذور الأزمة الحالية. في العقد الفائت، تبنّت تركيا والإمارات مواقف عكسية تجاه جماعة “الإخوان المسلمين”. كجزء من سياستها الخارجية الأوسع المتمثلة في لعب دور قيادي في العالم الإسلامي، عززت أنقرة علاقاتها مع “الإخوان” والحركات الدينية الرئيسة الأخرى. لقد ألهمت الخلفية الإسلامية ل”حزب العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا هذه السياسة وسهّلت تنفيذها. وفي العقد الأول من القرن الحالي، أصبحت تركيا مركزاً رئيساً للشخصيات الإسلامية للالتقاء ومناقشة المشاكل الشائعة للأمة. على العكس من ذلك، كانت الإمارات تخوض ما أسماه حاكمها الفعلي، ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، “حرباً ثقافية” ضد “الإخوان المسلمين”، وتطهير أو تهميش أعضاء الحركة والمتعاطفين معها في المؤسسات التعليمية والحكومية.

تأثير “الربيع العربي”

حوّل “الربيع العربي” ما كان اختلافاً بسيطاً إلى اختلاف أساسي. لقد احتضنت تركيا “الربيع العربي”، حاسبةً أنها ستُغني النخب الحاكمة المنعزلة ثقافياً في العالم العربي وتوصل الإسلاميين إلى السلطة، الذين يتقاسم معهم حزبها الحاكم قُربى إيديولوجية ورؤية مماثلة للشرق الأوسط والعالم الإسلامي الأوسع. ومع ذلك، كانت الإمارات حذرة بشأن “الربيع العربي”، مُشَكِّكةً ومشتبهةً في أنه قد يُشجّع جماعة “الإخوان المسلمين” ويقودها إلى المطالبة بإصلاحات سياسية يُمكن أن تقوّض سيطرة الحكام على السلطة. لمنع حدوث ذلك، بدأت الإمارات قمع الحركة في أواخر العام 2011، حيث أطلقت حملة عقابية تُوِّجت بإعلان وتصنيف جماعة “الإخوان المسلمين” في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 منظمة إرهابية.
ربما كانت الخلافات بين تركيا والإمارات حول جماعة “الإخوان المسلمين” أوضح في ردود أفعالهما المتعاكسة للإنقلاب العسكري في مصر، الذي أطاح محمد مرسي المرتبط ب”الإخوان المسلمين في تموز (يوليو) 2013. كان رد فعل تركيا قاسياً على الإنقلاب والقمع اللاحق لـ”الإخوان المسلمين”، حيث قطعت العلاقات مع مصر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013. على النقيض من ذلك، سارعت الإمارات إلى مساعدة النظام الجديد، حيث قدمت دعماً ديبلوماسياً ومالياً سخياً وسهلت تماسكه ووحدته.

تزايد الصدع

في السنوات التي تلت ذلك، لم يقم الجانبان بمحاولات للتغلب على الصدع المتزايد. على العكس، إتّخذت كلٌّ من تركيا والإمارات إجراءات وسعت نطاقه. أصبحت تركيا ملاذاً آمناً لأعضاء جماعة “الإخوان المسلمين” الهاربين من الإضطهاد في مصر، واستقر عدد من الإخوان الإماراتيين هناك. لكن الأمر الأكثر خطورة هو أن تركيا دعمت قطر بقوة في نزاعها مع الإمارات والمملكة العربية السعودية والبحرين ومصر بعد أن قطعت هذه الدول العلاقات الديبلوماسية وفرضت حصاراً كاملاً على إمارة آل ثاني. لم ترسل تركيا فقط الإمدادات الغذائية إلى الدوحة بالطائرة، مما خفف من التأثير الفوري للحصار، بل أصدرت أيضاً قانوناً يسمح للحكومة بنشر قوات هناك. إن إغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر هو أحد الشروط التي وضعتها الإمارات وحلفاؤها لحل الأزمة.
على الجانب الإماراتي من الصدع، إنضمت أبو ظبي إلى الرياض في تطوير علاقات أقوى مع وحدات حماية الشعب، التي تعتبرها تركيا الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وبالتالي تهديداً أمنياً. وتطرح وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة بشكل منتظم مسألة الدعم الإماراتي والسعودي لقوات حماية الشعب. في الآونة الأخيرة، على سبيل المثال، زعم ياني صافاك أن الإمارات والمملكة العربية السعودية قد زوّدتا المجموعة بمليار دولار من المساعدات.
علاوة على ذلك، إنتقدت الإمارات تركيا مراراً وتكراراً. على سبيل المثال، أعلن وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان: “سواء من إيران أو تركيا أو إسرائيل – إن مهاجمة الأراضي العربية والمصالح العربية والتدخل في الشؤون العربية هو أمر نعمل على مواجهته بحزم”. من الجدير بالذكر أن هذا البيان جاء مباشرة بعد أن استولت تركيا على عفرين من وحدات حماية الشعب. في الآونة الأخيرة، قال وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، أنور قرقاش، إن الإمارات إعترضت على خطة تركيا لإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا، مضيفاً أنه يجب حماية الأكراد السوريين من أنقرة.

أحلام مُتلاشية

ربما كانت أحلام تركيا بالنسبة إلى الشرق الأوسط مثيرة للقلق بالنسبة إلى الإمارات العربية المتحدة، لكنها تلاشت وتحطمت على صخرة الواقع منذ فترة طويلة. في أعقاب الإنقلاب في مصر، أصبحت طموحات أنقرة محدودة أكثر، ولم تعد تدور حول محاولة رعاية قيادة الشرق الأوسط من خلال جماعة “الإخوان المسلمين”. حتى أن المسؤولين الذين حاولوا تحقيق تلك الأحلام فقد فقدوا منذ فترة نفوذهم على سياسة أنقرة الخارجية. بعبارة أخرى، إن السبب الرئيس للأزمة الحالية لم يعد قضية رئيسة، وخطورة الصراع قد يكون مبالغاً فيها إلى حد كبير. كل ما يتطلبه الأمر لحل الأزمة هو بعض النوايا الحسنة السياسية من كلا الجانبين. لسوء الحظ، يبدو أن هناك نقصاً في المعروض من ذلك في الوقت الحالي.

• بيرول باسكان هو زميل غير مقيم في معهد الشرق الأوسط ومؤلف كتاب تركيا وقطر في الجغرافيا السياسية المتشابكة للشرق الأوسط (بالغريف، 2016). الآراء التي وردت في المقالة تُمثل آراء الكاتب الخاصة ولا تمثل بالضرورة رأي “أسواق العرب”.
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى