هل أوشك بنيامين نتنياهو على قضم المسجد الأقصى؟

بقلم كابي طبراني

هل تُقدِم إسرائيل على عملٍ أحادي درامي آخر في القدس؟ كل الدلائل موجودة ودامغة في الحملة الإنتخابية الإسرائيلية الأخيرة، وهي الحملة التي أعادت بنيامين نتنياهو إلى السلطة بغالبية إئتلافية صغيرة ولكن أكثر تشدّداً وقومية.
مُتَشجِّعاً بقرار دونالد ترامب في العام 2017، الذي اعترف بالسيادة الإسرائيلية على القدس على حساب المطالبة الفلسطينية بعاصمة في الأجزاء الشرقية من المدينة، وبالقرار الأميركي الأخير بالإعتراف بضم مرتفعات الجولان إلى الدولة العبرية، وبانتهاك عشرات القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، قدّم نتنياهو وعوداً خلال الحملة الإنتخابية بضمّ أجزاءٍ إضافية من الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، واستبعد أي إمكانية لتقديم تنازلات للفلسطينيين بشأن القدس.
وفيما تُزال المُلصَقات الإنتخابية، فإن قلقاً كبيراً بدأ ينشأ في القدس الشرقية الفلسطينية ينبع من أن نتنياهو بات يتمتع بالقوة السياسية الكافية، مع وجود ولاية جديدة وإدارة أميركية متوافقة بشكل متزايد معه، تسمح له بالتصرف مع قدر أكبر من الحصانة بالنسبة إلى المقامات المسيحية والإسلامية المقدسة في المدينة.
هناك نقطة توتر خاصة تتمثّل في المسجد الأقصى، أحد أقدس المزارات والمقامات في العالم الإسلامي، والذي يضم فناءً كبيراً بحجم “لندن بارك”. كانت السيطرة على هذا الموقع محل خلاف منذ أن احتلت إسرائيل القدس الشرقية في العام 1967. وعلى الرغم من إنتصارها، فقد اعترفت تل أبيب بالدور المركزي لهذا الموقع في الإسلام والقومية الفلسطينية، وأدركت مدى الإعتراض الذي ستثيره لدى القوى الكبرى إذا سعت إلى السيطرة عليه. لذا سمحت لهيئة، تم ًتعيينها وتمويلها من قبل الأردن، وهي دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، بمواصلة إدارة الموقع وتحمّل المسؤولية عن الصيانة. وكانت الأمور الداخلية مثل تسيير الصلوات الجماعية في الفناء من مسؤولية إدارة الأوقاف ، لكن أمن المنطقة كانت تديره الشرطة الإسرائيلية.
على مدى العقدين الفائتين، كان هناك تجدّد وانتعاش للحركات الدينية الإسرائيلية المتطرفة التي سعت إلى إجبار الحكومة الإسرائيلية على تقليص سلطة إدارة الأوقاف الإسلامية وخفض أعداد الفلسطينيين الذين يقصدون المسجد الأقصى. فهذه الجماعات مدفوعة بالإدّعاء الشديد بأن المسجد الأقصى والمواقع الإسلامية الأخرى في “الحرم القدسي الشريف” مبنية على أنقاض “هيكل سليمان” (أو معبد سليمان)، قلقة من أنه إذا استؤنفت المفاوضات بين إسرائيل والقيادة الفلسطينية – ونجحت – فإنها ستشمل بالضرورة اعتراف إسرائيل بالسيادة الفلسطينية على المسجد الأقصى. ونتيجة لذلك، ضاعفت مجموعات المستوطنين الإسرائيليين جهودها لعرقلة الترتيبات في الموقع. علماً أن هذه المجموعات تُشكّل جزءاً أساسياً من القاعدة الشعبية لنتنياهو.
على الرغم من التحذيرات الدينية اليهودية والتشريعات الإسرائيلية والإتفاقات الأردنية – الإسرائيلية بعدم إقامة صلوات يهودية في الموقع، فإن أعداداً كبيرةً وبشكل متزايد من المستوطنين الإسرائيليين واليهود المتدينين يدخلون الموقع للصلاة أكثر وأكثر. لقد أدّى دخول خمسين شخصاً من المُصلّين المُتشدّدين اليهود برفقة الشرطة شبه العسكرية للصلاة في الموقع، إلى مشاجرات مع حراس الوقف، ومظاهرات من قبل المصلين الفلسطينيين المسلمين، وفرض قيود على عمر المسلمين الذين يُسمح لهم بالدخول إلى الموقع، وانهيار التعاون الأمني بين مسؤولي الوقف والشرطة الإسرائيلية.
إن طفرات العنف هذه من المحتمل أن تؤدي إلى اندلاع قتال أكثر خطورة في المستقبل القريب، وغياب الوجود الأميركي أمرٌ بالغ الأهمية وغير مُطَمئن. في العام 2015، عندما وصلت المواجهة بين المصلين اليهود، الذين كانوا يحاولون الصلاة في الموقع، والمسلمين الفلسطينيين، المُصمِّمين على منعهم، إلى ذروتها، دعت الحكومة الأردنية وزير الخارجية الأميركي آنذاك، جون كيري، للتدخل. وأوضح له العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يومها أنه إذا كانت الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء “داعش” في سوريا، فإنه إذا لم تتدخل لتقليص الإستفزازات على الحرم القدسي الشريف، فهو، بصفته الوصي على الموقع المعترف به من قبل إسرائيل والعالم الإسلامي، سوف ينأى بنفسه جانباً وستجد الولايات المتحدة “داعش” ينمو ليس فقط في عمّان ولكن أيضاً في القدس. وتحت ضغط من واشنطن، تراجع نتنياهو، وأوقف الدعم الضمني للمستوطنين، وتم إنشاء طريقة عمل جديدة.
ومع ذلك، منذ شباط (فبراير) من هذا العام، أدّت نقطة توتر جديدة حول “البوابة الذهبية” (باب التوبة) – مدخل رمزي مهم للغاية للحرم القدسي الشريف – إلى سلسلة من الإشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية والمصلين المسلمين. ويدرك مسؤولو الوقف والحكومة الأردنية جيداً أنهم الآن هم وحدهم في المواجهة، من دون أي دعم أميركي لتدابير الحدّ من النزاع التي كانت قائمة سابقاً.
غارقاً في لذة النصر الإنتخابي والدعم السياسي الأميركي لأحلامه التوسعية، فليس من المستبعد أن يكون نتنياهو وضع المواقع الإسلامية في القدس على القائمة الرئيسة لبرنامجه التوسّعي.
الواقع إنه يُظهر جميع السمات المُميّزة لسياسي على وشك البدء بعمل أخرق ومارق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى